عشرية سوداء كاملة أمضتها الجزائر في "مضغ" معارضها الدولية من أجل المشاركة، وحتى تقول للعالم إنها مازالت وستبقى مع غياب الوفود المشاركة الكبرى، ولكن العذر لم يبق الآن، خاصة أن معرض الجزائر الدولي مازال ذا طابع جماهيري أكثر منه اقتصادي، حيث يهجم زوار المعرض من عامة الناس على المواد الغذائية والأدوات الكهرومنزلية.. في الوقت الذي يبقى المعرض بعيدا عن الدواليب الاقتصادية التي تحركه من بورصة وبنوك لما وصلت إليه بعض الدول ويبقى تقريبا للزينة وللتفرج. ولا تملك الجزائر لحد الآن إلا قصرا واحدا للمعارض.. أما قصر معارض وهران فهو دون المأمول بينما يكاد يشبه مقر المعارض في قسنطينة الإسطبلات إن لم نقل أكثر.. ويبقى اختيار شهر جوان لاحتضان المعرض الدولي والتغييرات التاريخية ما بين عام وآخر يزعزع هذا المعرض، خاصة أن معرض الجزائر الدولي يوجد تحت قبعة الاتحاد الدولي للمعارض، ومن عادة هذا الاتحاد أن يضع رزنامة طويلة بها تواريخ وأماكن المعارض الدولية، ويجد عادة حرجا في وضع تاريخ لمعرض الجزائر الذي يتغيّر باستمرار، والاتحاد العالمي حدد مواعيد تصل إلى عشر سنوات قادمة لمعارض باريس ولندن وغيرهما من معارض الدنيا. وإذا كانت كل دولة تختار تاريخ المعرض مع ما يتناسب وأزمنة مؤسساتها الاقتصادية ولا يهمها عطل عامة الناس، فإن اختيار فصل الصيف يبقى عندنا من دون مبرر لأن المعرض مخصص أصلا للمؤسسات والبنوك ورجال المال والأعمال، أما الجماهير فلها مهرجانات التسوق والمعارض الجهوية أو المتخصصة وهكذا بلغنا النسخة الأربعين ومازال معرض الجزائر الدولي في مهده بعيدا عن مناطحة المعارض الدولية الكبرى في حركيته وأيضا في كونه معرضا يتيما لا أشقاء له في مدننا الكبرى، وتكاد تكون الجزائر الوحيدة في العالم التي لا تحتضن إلا معرضا دوليا واحدا بالرغم من أن جيراننا "المغرب وتونس" يستضيفون ما لا يقل عن خمسة معارض في مدن مختلفة مثل سوسة والقيروان وصفاقس والرباط ومراكش وأغادير.. معرض هذا العام له أهمية قصوى لأن الجزائر ستدخل قريبا أهم محطات السعي للولوج ضمن منظمة التجارة الدولية، والأرقام المشاركة التي لا تزيد أبدا عن 1500 مؤسسة تعتبر مجهرية، ففرنسا مثلا في 25 أوت من عام 1823 احتضن قصرها الشهير "اللوفر" Louvre مشاركة 1642 عارض اقتسموا مساحة امتدت على 14288م2 مما يعني أن تأخرنا يفوق القرنين.. وكان أول معرض في التاريخ قد انتظم في باريس في العاشر من سبتمبر 1798 وشارك فيه 110 عارض، وتسرق حاليا عدة مدن عربية أضواء المعارض خاصة دبي والكويت والدوحة، إذ يتحول فصل الربيع إلى معارض للمجوهرات والألماس ومختلف المنتجات، وتستقطب دبي في كل معرض لها ما لا يقل عن نصف مليون سائح أجنبي، ويدخل معرض تونس الدولي مئتا ألف زائر أجنبي ولا يوجد من معارض العالم من يزوره أقل من نصف مليون، ناهيك عن الصفقات التجارية والمالية الكبرى التي تجعل من تمسّك هذه الدول بمعارضها والسعي إلى تطويرها وتوسيع رقعتها وفتح فروع لها من مقومات اقتصادها، بينما مازال المعرض الدولي عندنا في غياب بورصة وبوجود بقايا بنوك وبقايا مؤسسات وطنية مجرد سوق لاقتناء "الياؤورت" وجهاز مكيّف وأشرطة مضغوطة ومشاهدة السيارات وأجهزة المعلوماتية، وأحيانا مشاهدة العارضات الجميلات. وحتى نعرف مدى شساعة ما يفصلنا عن معارض الدول الأوربية، نعود إلى معرض لندن في عام 1851 الذي شهد مشاركة 13937 عارض ولا يوجد من بينهم إلا 7381 عارض إنجليزي، وزاره أكثر من نصف مليون شخص، بمعنى أن الإنجليز تفوّقوا علينا بعشرة أضعاف منذ أزيد من قرن ونصف، وإن كانت المقارنة غير واردة إطلاقا لأن الاتحاد الدولي للمعارض يعد حاليا أكثر من ألف معرض دولي لا نمتلك منها إلا معرضا بائسا واحدا.. أما المقارنة مع معارض إسبانيا مثلا فهي ممنوعة لأن إسبانيا تشد الأنفاس وتلهب البورصات بمعارضها الشهيرة في أليكانت وبرشلونة وبيلبا ومدريد، كما تفعل معارض إيطاليا الأفاعيل في باري وبولونيا وبارما وجنوة، وتهز فرنسا اقتصادها هزا في معارض بوردو وغرونوبل وليل.. وللأسف، فإن المقارنة ممنوعة أيضا مع دول الشرق الأوسط وإفريقيا الشمالية مثل معرض القاهرة الذي يتم تنظيمه في شهر مارس من كل عام ولا يقل عدد المشاركين فيه عن عشرين ألف عارض، إضافة إلى معارض بيروت والمنامة وتونس، وحتى إسرائيل الموجودة في قلب العاصفة يعتبر معرضاها في تل أبيب والقدس الشريف من أكبر معارض المعمورة. أربعون سنة من المعارض من المفروض أن تدخل فيها الجدية الآن وأن تبعث معارض دولية مماثلة في مدن كبرى أخرى، فقد نجد في أنهار أخرى ما لم نجده في بحر العاصمة. ناصر