شَقَّتْ- في السنوات القليلة الأخيرة- ظاهرة جديدة، مسّت العديد من الأسر الجزائرية، حيث نجد أن عددا لا بأس به من الأبناء يتخلون عن أمهاتهن، ويلزمن شقيقاتهن التكفل بهن.. ففي أيامنا، عدد من الحموات يتوفاهن أجلهن في بيوت نسائبهن، حيث يتكفل هؤلاء بدفنهن بعد أن تكفلوا بإيوائهن. وهي الحال التي خلَّفت حالة من الغضب والاستهجان في صفوف الكثير. تحجّج ب”الغربة” فماتت عند نسيبها تحجّج “مراد”، المغترب في ألمانيا منذ عشرين سنة، بصعوبة عيشه وبرودة الطقس، بعد أن حضر جنازة والده، وهو الولد الوحيد بين ثلاث بنات، وسألوه أن يصطحب والدته لتعيش معه، وبعد أخذ ورد قبل زوج إحدى البنات بأخذها للعيش معهم، حيث قضت برفقتهم ثمانية أشهر والتحقت بزوجها المرحوم، حيث تكفل زوج البنت بكل مراسم الدفن وإعلان الوفاة والإطعام. تخلوا عنها في دار العجزة خالتي زينب، قصتها تدمي القلب، فهذه العجوز السبعينية، أنجبت ثلاثة ذكور وبنتين، كبرتهم ورعتهم، وبعدما تقدم بها العمر صارت مصدر قلق للزوجات الشابات، اللواتي رفضن التكفل برعايتها، خاصة أنها مريضة بداء السكري وتحتاج رعاية دائمة، فما كان من الذكور إلا الاتصال بشقيقتيهم.. هاتان الأخيرتان اللتان حاولتا الضغط على الذكور للاحتفاظ برعاية الأم، لكونها من واجب الأبناء لا زوج البنت، لكن أبناءها قرروا الزج بها في دار العجزة، حيث قضت قرابة الشهرين، ومنعوا الشقيقتين من زيارتها بالبيت حتى لا تكتشفا الأمر. غير أن إلحاح إحداهما جعلها تصدم بمكان وجود والدتها، فذهبت واسترجعتها، وتقاسمت رعايتها هي وشقيقتها إلى أن وافتها المنية، وهما من تكفلتا بكل شيء، ورفضتا حضور أشقائهما. بسبب ميراثها تبرؤوا منها إن كانت “خالتي زينب” قد تخلص منها أولادها بسبب زوجاتهم، ف”الحاجة زهور” تخلى عنها أولادها، لأنها رفضت منحهم حقها الشرعي من التركة التي تركها والدهم المتوفى، وفضلت التصدق بجله والحج ببعضه. فما كان من أولادها الخمسة الذكور إلا التخلي عنها وتركها بمفردها، بعد أن باعوا البيت العائلي والشقتين وتركوها إلى الشارع، وهنا تدخل أحد أزواج بناتها الأربع، وتكفل برعايتها وإقامتها، وحتى دفنها بعد أن وافتها المنية. ظلمها ولدها وجرحها نسيبُها ولا تختلف قصة خالتي سعدية عن سابقاتها، فابنها الوحيد تغير من جهتها، بعد أن كبر طفلاه وابنته، وشعرت زوجته بضيق المكان، وخططت لتجريد الأم من غرفتها، ومن ثمّ من منزلها ككل، فجعلتها تنام في غرفة الضيوف، ثم اتهمتها بعدم النظافة، وكان ابنها كل مرة يأتي في صف زوجته، وسرعان ما عرض عليها ترك البيت وألا تكون سببا في هدم أسرته، فأذعنت الأم، وانتقلت للعيش عند ابنتها المتزوجة في ولاية أخرى.. غير أن تضايق زوج ابنتها من وجودها، وافتعاله المشاكل دائما، وتحسيسها بأنها حمل ثقيل، جعل قلبها يتوقف ذات صباح وتدفن عند ابنتها.