رغم توفير الرعاية الكاملة بمراكز الإيواء مسنون يتوقون إلى الدفء العائلي وتحرقهم دموع الشوق يرى العديد من الأشخاص المسنين الذين شاءت الأقدار أو أرغمتهم الظروف على الاحتماء من نوائب الدهر بمراكز المسنين أن الرعاية التي يحظون بها فيها مهما بلغت لن تعوض أبدا الدفء العائلي وهي احاسيس يزداد تاثيرها السلبي خلال المناسبات والأعياد الدينية التي تستلزم اجواء عائلية خاصة وتسهر المصالح المكلفة برعاية المسنين على توفيرها بمراكز العجزة والايواء إلا أنها لا تقوى على ملأ ذلك الفراغ العاطفي للآباء والأمهات بعد ان لحقهم الضرر من اقرب مقربيهم وهم فلذات أكبادهم. خ.نسيمة /ق.م بمناسبة المولد النبوي الشريف بادرت وزارة التضامن الوطني والعائلة وقضايا المرأة بجمع الأشخاص المسنين المقيمين بمراكز باب الزوار وسيدي موسى ودالي ابراهيم في أجواء احتفالية بمركز باب الزوار. حرصا على تعويض الدفء العائلي الذي حرمت منه هذه الفئة في مثل هذه المناسبات التي تمثل سانحة للاجتماعات العائلية سهر القائمون على هذه المراكز على توفير أدق تفاصيل و لوازم الاحتفال التقليدي من مأكولات وحلويات وشموع وحناء ومسك على خلفية مقاطع موسيقية من عزف فرقة عاصمية أدت المدائح الدينية التي تثني على مكارم أخلاق وصفات خير المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم. الخالة لويزة تشتاق للّمة العائلية في زيها القبائلي التقليدي رقصت خالتي لويزة في السبعينيات من العمر مثنية على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لكنها اعترفت أنها تخفي وراء ابتسامتها شوقا كبيرا للمة العائلية بعد أن حال القدر بينها وبين شقيقتها التي لم تتوان عن طردها من منزلها منذ نحو 23 سنة. وبعد أن وجدت هذه الأخيرة نفسها وحيدة دون سقف يأويها لجأت إلى المركز حيث شكلت صداقات جديدة. وقالت لديّ ابنتان متزوجتان تتوسلان إليّ للذهاب للعيش معهما لكني أرفض مبدأ العيش تحت رحمة زوج البنت في حين كان يجدر بابني الوحيد التكفل بأمه لكنه على ما يبدو لا يذكرني حتى بل ولم يفكر يوما في زيارتي . وأمام تنكر أبناءها للجميل تقول هذه الأم أنها نسيتهم ولا تأبه لمصيرهم مشيرة أنها وجدت لنفسها عائلة جديدة في هذا المركز. معاناة أخرى للحاج محمد وكذلك الحال بالنسبة للحاج محمد في الثمانينات من العمر المقيم بمركز باب الزوار الذي على عكس خالتي لويزة لم يتمكن من تجاوز مرارة الماضي الذي ما فتئ يربطه بموت مزعوم لرفيقة دربه منذ نحو 30 سنة. بينما تؤكد المختصة برعاية المسنين بذات المركز أن كلامه عن موت زوجته المزعوم ما هو إلا حالة رفض لطلاقه. وقال عشت حياتي كسائق منذ الشباب لدى الخواص و بسبب انعدام تغطية اجتماعية وجدت نفسي مفلسا ودون أي مأوى عندما أقدم أصحاب المسكن الذي كنت أعيش فيه مع عائلتي على طردنا إلى الشارع . وفي مراسيم الاحتفالات الدينية وغيرها مؤثرة في نفس الحاج محمد لأنه يتذكر مسكنه العائلي الذي حرم منه. الحاج محمد يستفيد من حين لآخر من تراخيص من مديرية المركز لزيارة أخته القاطنة بتيبازة لمدة شهر. وقالت المربية أن هذه الترخيصات حماية للمقيمين وتسمح لنا بإيجادهم في حال حادث ما . المقيمون هم عائلتي الجديدة أما بالنسبة للسيد بلقاسم فإن المقيمين بالمركز المخصص للرجال يمثلون عائلته الجديدة منذ شهر رمضان المنصرم وهي الفترة التي قرر فيها الالتحاق بالمؤسسة بعد أن طلق زوجته وقال لم أعد أستطيع التفاهم معها غادرتها و تركت مسكني العائلي لأطفالي الثلاثة. تخليت عن كل شيء لأفلت من المشاكل . السيد بلقاسم 64 سنة متقاعد من الوظيف العمومي وأدى مناسك الحج بفضل مبادرة من الوازرة الوصية ويسعى مثل خالتي لويزة لأداء العمرة قريبا. ويجد السيد بلقاسم راحته عندما يؤدي أعمال البستنة على مستوى المركز إذ قال أنه يملئ أوقات فراغه اليومية ويجد سعادة دائمة مع رفقائه المقيمين. وفي كل مناسبة تغمر الفرحة قلوب المسنين للقاء مسني مراكز أخرى للاحتفال بالمولد النبوي في جو عائلي. زيارة ابنتي تفرحني كثيرا وهو الحال نفسه بالنسبة لمريم ربة بيت وجدت نفسها بمركز دالي ابراهيم بعد أن طلقت ولم تجد مخرجا لوضعيتها. كان زوجي يعاملني بعنف وتوسّلت إليه لمدة عشر سنوات حتى لا يطلقني لكن حماتي ضغطت عليه ليقوم بذلك . في البداية لجأت هذه المرأة وهي في الأربعينات من عمرها للإقامة عند شقيقها الذي خضع هو الآخر لضغوطات زوجته وطرد شقيقته وصرحت تقول لديّ أختان متزوجتان تريدان التكفل بي لكنني اعتبر بأن ذلك ليس حلا مضيفة أن زيارات ابنتها الوحيدة تجعلها تشعر بفرحة لا توصف . فرحة مصطنعة لا تعوض الدفء العائلي ووراء عبارات الفرحة هذه لكل مقيم بهذا المركز قصته المؤثرة لكن الحياة تستمر في مراكز الإيواء هذه التي تحميهم من أخطار الشارع ويجمعون كلهم على أنه لا يوجد شيء يضاهي دفء العائلة فمراكز إيواء العجزة وفرت لهم الحماية والرعاية ولكن تفتقد الى معيار أساسي يحتاجه الكل في كل وقت وحين ويزداد حجمه في الكبر والعجز ألا وهو الحنان والرحمة والرعاية ومسح دموع المرض بعد الكبر فيا من حملوهم وهم في القماط وضمّوهم الى صدورهم لحمايتهم من كل مكروه أليس من واجبكم ردّ الجميل مصداقا لقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُف ّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}....فهل من مستجيب ؟!