رغم وجود المئات من الجمعيات ذات الطابع الخيري والإنساني والثقافي، وجمعيات علم الفلك والفضاء وصيد الأسماك في أعماق البحار والمحيطات، وحتى للذين رحلوا من الحياة الدنيا منذ قرون، بولاية البويرة، إلا أن أغلبيتها تعتبر وللأسف الشديد “العش الرسمي للفساد المالي والأخلاقي والاجتماعي وحتى البيئي”. وفي هذا الإطار، علمت “الشروق” من مصادر ذات صلة بملف الجمعيات بالبويرة، أن المصالح المختصة باشرت منذ عدة أشهر فتح تحقيقات معمقة في ما يخص تورط العديد من الجمعيات في نشاطات مشبوهة، عادة ما تستغل طيبة المجتمع البويري من أجل جمع التبرعات باسم الأيتام والأرامل والفقراء والمرضى لأغراض دنيئة، خاصة أن أغلب التبرعات النقدية تسقط مباشرة في جيوب وحسابات رؤساء الجمعيات، عوضا عن توزيعها على المحتاجين، وهذا بمباركة من الإدارة التي سلمت لها الاعتماد للسرقة بطريقة “رسمية”. كما أظهرت التحقيقات ضلوع جمعيات محلية في تمويل نشاطات مشبوهة، منها تمويل حركة “الماك” الانفصالية، لكن أغلبيتها وللأسف الشديد “كخفافيش الليل”، يقتصر ظهورها خلال المناسبات الرسمية، وهذا باستقبال الوفود بالزغاريد والرقص والزرنة والبندير. فبإحدى البلديات بالجهة الشرقية للبويرة تم إنشاء جمعية رياضية معروفة بفساد كبير منذ نشأتها، حيث لم يكن اللاعبون يستفيدون من أي شيء من المساعدات التي تقدمها لهم الولاية، وكثيرا ما وجد اللاعبون أنفسهم يسقطون خلال المباريات الرسمية من شدة الجوع بسبب غياب الأكل، وإن حدث أن تحصلوا على الوجبة الغذائية فهي تقتصر على ساندويتش “يتيم” بالبطاطا من دون بيض. أما عن البدلات الرياضية، فكانت تمنح كهدايا للأحباب والأقارب، وأخرى تباع تحت الطاولة بأسعار زهيدة، ما أدى بالجمعية إلى الزوال ميدانيا وليس رسميا، أي من دون وجود فريق في الواقع، لكن وبقدرة قادر وبالتنسيق مع جهات نافذة تم تسجيل الفريق بالرابطة الولائية بهدف الحصول على مساعدات الدولة والتهامها في ما بعد، حيث تم تسجيلها في البطولة الولائية دون أن تلعب لقاء واحدا، والهدف طبعا هو الاستحواذ على المساعدات. كما أن بالبويرة العشرات من الجمعيات الخاصة بالرقص واستقبال المسؤولين بالزغاريد والألعاب النارية والتصفيق المستمر لتفادي سماع التصفير المزعج، كلما نطق أحدهم باسم فخامته أو مدح الوالي أو غيره، وهذه الجمعيات لا تتوانى في ممارسة كل أنواع “الشيتة” حتى الحديدية منها، المهم البقاء والاستمرار في ممارسة كل أنواع النصب والاحتيال على ظهور مختلف الفئات الاجتماعية، حيث عادة ما يقومون بجمع التبرعات من التجار بمختلف المناطق ويختلسون كمية هامة منها، ويقومون بتوزيع ما تبقى من “المقارون” و”السباقيتي” المتصدق به على أقربائهم، ويختارون أجود المواد لأنفسهم، ويوزعون ما تبقى حسب درجة “الشيتة” والقرابة. ولأن أغلب الجمعيات أسست للنهب وهدفها الوحيد هو ال 3 بالمائة من اقتطاعات ميزانية البلدية، بالطبع تختلف هذه النسبة من بلدية إلى أخرى وتشترك في هدف واحد، وهو أنها تأخذ على حساب ولائها للعصابة الحاكمة، وتستعمل حتى في حشد المواطنين في الانتخابات. ففي كل المواسم والمناسبات تستغل المئات من الجمعيات المعتمدة بولاية البويرة طيبة المجتمع، خاصة إقباله الكبير على العمل الخيري، فتقوم الجمعيات بالترويج بطريقة احتيالية مدهشة لجمع التبرعات غالبا دون الحصول على إذن مسبق من الجهات المعنية لتصبح عملية التبرع عشوائية ولا تصل الأموال إلى مستحقيها ما خلق حالة من الفوضى لا مثيل لها. وعادة ما تقف وراء حملات جمع التبرعات أغلبية الجمعيات التي لا وجود لها إلا على “الورق”، رغم أنها غائبة ميدانيا طوال أيام السنة، لكنها تظهر صدفة خلال رمضان خاصة والأعياد لاستغلال عاطفة البسطاء من أفراد المجتمع وطيبتهم وحبهم للخير؛ لشحنهم وتحريك عواطفهم لجمع أكبر قدر من الأموال.. وهذا بالانغماس في العمل الخيري “المشبوه”، وهو ما أثار استياء الكثير من المواطنين، الذين يطالبون الجهات المسؤولة بضرورة التدخل لوقف المهازل المتكررة، لكونها تعتبر نوعا جديدا من النصب والاحتيال، خاصة مع انعدام جهة رسمية ترقب “مداخليها التي تقدر بالملايير”. وتفضل الجمعيات اللجوء إلى المحلات التجارية والفضاءات الكبرى، التي كثيرا ما تتحول إلى معاقل لجمع مختلف أنواع التبرعات بوضع سلال التبرعات داخلها، مع ذكر فضل الصدقة، ثم الهدف من حملة التبرع كإطعام مساكين، وكفالة أيتام، أو تسديد ديون لأسر معسرة أو كسوة الفقراء مع رقم الحساب الذي تودع فيه مبالغ التبرع، مع تحديد نوعية الأطعمة والمشروبات التي يجب على المتبرع التصدق بها، رغم أن مثل هذه النوعية من التبرعات لا تخضع للرقابة، ما يترتب عليه مخاطر كبيرة.. ولهذا، وجب سد الطريق على كل من يستغل عواطف الناس لمصالحه الشخصية. وامتد النصب والاحتيال باسم الفقر والفقراء إلى شبكات التواصل الاجتماعي، التي توسعت في مجال جمع التبرعات بشكل كبير، حيث تقوم الجمعيات بنشر طلبات التبرع والدعم التي تختفي بعض الحالات منها بعد جمع مبالغ كبيرة، ما جعل الكثير لا يثقون في ما ينشر بالشبكات الاجتماعية، وما تعلنه عن بعض الحالات المحتاجة، ما لم تأت بتصريح رسمي بمدى حاجة تلك الحالات إلى التبرع، ما جعل المواطنين يطالبون أهل الخير بعدم الانسياق أو التهاون في تقديم مساعدات إلى تلك الجهات، لكونها غير مضمونة. كما يطالبون السلطات بضرورة التشديد على طرق جمع التبرعات، لكونها عملية نصب جديدة على المواطنين باسم الجمعيات، خاصة أنه من الممكن أن تذهب تلك الأموال إلى جهات تستخدمها في ما يضر بالمصلحة العامة. للأمانة فقط،، فإنك إذا حاولت استفسار أحد أعضاء الجمعيات الموجودة في كل حي وفي كل قرية، ولدى أغلبية العائلات بالبويرة ما يسمى محليا “الجمعيات العائلية”، عن مهنته، يصدمك بقوله وبكل افتخار: “أنا رئيس أو رئيسة جمعية “، رغم أن هؤلاء لا يحملون من الشهادات سوى شهادة ميلادهم.