الآن، وقد بدأت محاكمة رؤوس العصابة في البليدة، من المهم تذكير المغيبين والمزايدين بسؤال جوهري: ماذا كان سيحدث لو تمكنت العصابة من تنفيذ مخططها ضد سلطة الدولة والجيش؟ هل كان سيستمر الحراك إلى اليوم كل هذا الوقت؟ وهل كانت ستستمر السلمية وعدم نزول قطرة دم واحدة؟ وهل كان يمكن أن يحلم المزايدون اليوم، بهذه الحرية التي يتمتعون بها إلى درجة كيل “الشتائم”؟ هل كان الرافضون للانتخابات اليوم، يحلمون بسلطة عليا للانتخابات، ومراجعة قانون وقوائم الانتخابات؟ أو أن تتاح لهم ولو نصف فرصة لاختيار الرئيس؟ وهل كان يمكن “للرونبوات” الجدد التي ظهرت حاليا، عبر التخوين وممارسة الإكراه المعنوي والبدني ضد المخالفين، أن يبرزوا عضلاتهم في فرض لغة الشارع على لغة الصندوق؟ سوف لن نجيب مباشرة، لكن دعونا نعيد قراءة السيناريو الذي كان مرسوما بدقة، من أجل إعادة الجزائر إلى أجواء مجازر الرايس وبن طلحة، لعل وعسى تستيقظ بعض الضمائر الميتة، فتعود إلى رشدها. كان المخطط الخبيث، يستهدف الجزائر بعودة سيطرة أذناب فرنسا، التي كانت ضمن المخططين، على مقدرات الدولة والمؤسسات السيدية، ولتستسلم البلاد مرة أخرى لقدرها السيئ، وتكون لنصف قرن آخر على الأقل في قبضة الخونة والعملاء. وهذا يعني ببساطة، استكمال دورة الاستعمار الثاني، بكل تكاليفه الباهظة في مجالات الثقافة والهوية، عبر استمرار سلب مقومات الشعب، بإعادة استنساخ عشرات الغبارطة، لتكريس منظومة تربوية وفكرية ودينية لقيطة، لا تتماشى وأصالة الشعب وإسلامه، واستمرار تجريده من الثروة بإعادة استنساخ عشرات أويحيى وسلال وربراب وحداد وكونيناف وغيرهم. بعدها يتم إعلان حالة الطوارئ، وقمع المظاهرات، حيث تسيل معها دماء غزيرة في الشوارع والعياذ بالله، لأنها الوسيلة الوحيدة في أيدي الانقلابيين للسيطرة على الشارع، مع ما يتبعه من اعتقالات واسعة، قد ترقى إلى درجة ما وقع في التسعينات، حيث فتحت محتشدات الصحراء لأبناء الشعب. إعلان مجلس أعلى للدولة، أو فرض “رئيس طرطور”، يخدم أجندة المرحلة الانقلابية الجديدة، ويمهد لاستكمال سيطرة العصابة على ما تبقى من مفاصل الدولة، وحينها سيتم ابتلاع الجزائر بلعا، فلا تقوم لها قائمة إلا بعد مرور عقود طويلة جدا. أما حكاية الديمقراطية والانتخابات الشفافة، وكل هذا الجدل الحاصل اليوم، فستكون حلما جميلا مؤجلا لأجيال وأجيال أخرى قادمة. ما لا يستوعبه البعض، أن هذا السيناريو الكارثي تم تلافيه في آخر لحظة، وأن الله كان رحيما بهذا الشعب، فقيض له رجالا من صلبه، حتى يمنعوا عنه محرقة ثانية، لكن حدث أن نسي الكثيرون رحمة الله هذه، فخرجوا إلى الشوارع اليوم، ليطالبوا بنفس مطالب العصابة بالأمس، ويرددون بالشعارات، ما كانت العصابة تخطط له بالمؤامرات. اليوم، ليتذكر الجميع أن فقدان البوصلة، كفيل بأن يؤدي بأصحابه إلى مهاوي الردى، لقد كان الحراك في بداياته شعبيا بامتياز، وفيه كانت ترفع صور رؤوس العصابة، مطالبة باعتقالها ومحاكمتها تنفيذا لأمر الشعب، ولما اعتقلوا وها هم اليوم يحاكمون، يخرج اليوم من بين الحراك المخترق، من يطالب بإطلاق سراح تلك العصابة، أو على الأقل، يحملون نفس أهداف تلك العصابة، وقد تخندقوا معها من حيث أدركوا ذلك أو لم يدركوا. من ضاعت بوصلته وسط الزحام، فلينظر إلى أي فريق يتخندق الآن.. وقديما قيل: “تتبع سهام العدو تعرف أهل الحق”.