تطارد الهموم والمشاكل الحياتية غالبية الجزائريين الذين يعيشون توترا وقلقا كبيرين يؤثر على صحتهم وسلامتهم العقلية، وهو ما يفسر برأي كثير من المختصين الارتفاع المسجل في حالات الإصابة بالأمراض العقلية في بلادنا والتي باتت تطال الشباب والمسنين على حد سواء، إلى أن أوصلت بعضهم إلى الانتحار.. وبمناسبة إحياء الجزائر لليوم العالمي للصحة العقلية الذي اختير له هذا العام شعار “الوقاية من الانتحار”، عرض عدد من الخبراء والمختصين في المجال التجارب والتحديات والاستراتيجيات المستقبلية لتحسين التكفل بهذه الفئة لاسيما من خلال العمل الأكبر على الجانب الوقائي لتفادي الإصابة بالمرض العقلي. 600 حالة انتحار في الجزائر! كشف شكالي محمد، مدير ترقية الصحة العقلية بوزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات عن تسجيل بين 500 و600 حالة انتحار في الجزائر يشكل الشباب المتراوحة أعمارهم بين 16 و18 عاما نسبة 53 بالمائة منهم، كما يحتل الرجال النسبة الأكبر من المنتحرين مقارنة بالنساء. ويعد الإدمان على المخدرات، حسب شكالي، أوّل الأسباب التي تدفع للانتحار وفق ما كشفت عنه معظم التحريات والتحقيقات التي تجرى في مثل هذه الحوادث. وأفاد شكالي بأن هذه الأرقام تبقى نسبية ولا تعبر عن الواقع الحقيقي للظاهرة لأن الجزائر لا تمتلك الإحصائيات الدقيقة في ظل التكتم عليها من قبل المصالح المعنية أو العائلات نفسها. وأكد شكالي أن الانهيار العصبي يبقى المرض العقلي الأكثر انتشارا في بلادنا والذي يعاني منه الكثيرون يضاف إلى الانفصام في الشخصية والقلق والاضطراب ثنائي القطب. ميراوي: نحن أمام تحديات كثيرة لترقية الصحة العقلية أفاد وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات محمد ميراوي، خلال مشاركته في إحياء اليوم العالمي للصحة العقلية الذي حضرته المفوضة الوطنية لحماية وترقية الطفولة مريم شرفي وممثل منظمة الصحة العالمية بالجزائر وعدد من الأساتذة والخبراء في الصحة العقلية، بالعاصمة، بأنه رغم التدابير العديدة التي اتخذتها الجزائر لتحسين الرفاهية العقلية للجزائريين لا تزال هناك الكثير من التحديات التي تعيق تحقيق النتائج المرجوة وهي في الغالب تحديات مهنية واجتماعية وثقافية وفردية وكذا سياسية واقتصادية وبيئية. ومن تلك التحديات الوصمة التي لا تزال تمس الأشخاص المصابين باضطرابات عقلية وكذا صعوبة الحصول على رعاية صحية في كل أقطار الوطن. وتطرق الوزير إلى تركيز الرعاية الصحية العقلية على مستوى المستشفيات المتخصصة مما أدى إلى تقييد الجهود المبذولة على مستوى العيادات الصحية الجوارية، داعيا إلى تعزيز التعاون بين القطاعات المعنية معتبرا ما يتم من تجارب مثيرة للاهتمام في الأوساط المدرسية والعقابية دون المستوى المرغوب، مع تعزيز الطب النفسي للأطفال بالنظر إلى الطلب المتزايد. وقصد مواجهة مسألة غياب الإحصاءات والأرقام بخصوص الأمراض العقلية ببلادنا أبدى الوزير موافقته على المقترح الذي تقدم به البروفيسور محند الطاهر بن عثمان رئيس مصلحة الأمراض العقلية بمستشفى مصطفى باشا الجامعي، ورئيس الجمعية الجزائرية لأوبئة الأمراض العقلية بخصوص إنشاء سجل وطني يحصي جميع الإصابات عبر الوطن، حيث قال الوزير “حان الوقت لفتح سجل يحصي تلك الحالات لتمكين الخبراء من التعامل معها وإحصائها بشكل دقيق”. وبخصوص الانتحار في بلادنا، قال الوزير “حتى وإن ظلت الأرقام منخفضة في بلادنا إلا أن السلوك الانتحاري لاسيما عند الشباب يعد مصدر قلق مما اقتضى إدراجه ضمن المخطط الوطني لترقية الصحة العقلية في إطار مشترك بين القطاعات”. واستعرض ميراوي مختلف الإنجازات المحققة في المدة الأخيرة لصالح ترقية الصحة العقلية ومنها إنجاز 30 مؤسسة استشفائية مختصة في الصحة العقلية و149 مركز وسيط في الصحة العقلية و42 مركزا لمكافحة الإدمان. بالإضافة إلى إنشاء مصالح ووحدات للصحة العقلية، منها 6 مصالح استشفائية جامعية و6 مصالح للصحة العمومية. دعوة لإنشاء سجل وطني للأمراض العقلية دعا البروفيسور محند الطاهر بن عثمان، رئيس مصلحة الأمراض العقلية بمستشفى مصطفى باشا الجامعي، ورئيس الجمعية الجزائرية لأوبئة الأمراض العقلية، خلال مشاركته في إحياء اليوم العالمي للصحة العقلية إلى أهمية إنشاء سجل وطني للصحة العقلية يسجل فيه المختصون والشركاء كافة الحالات التي تصلهم بهذا الشأن. وقال بن عثمان إن الضرورة الحالية التي جعلت الجهات الرسمية تفتقد لإحصاءات دقيقة بخصوص المرضى تحتم علينا استنساخ التجربة المعمول بها في مجال السجل الوطني للسرطان حتى نتمكن من التعامل الأمثل مع هذه الفئة في الوقت الراهن، مع توفير وحدات معاينة على مستوى كل حي. وأفاد بن عثمان بأن الأمراض العقلية في بلادنا في تزايد مستمر بما يتطلب الوقوف مليا عند المسببات. واستحسن المختص التكفل بالمرضى في الوقت الراهن غير أنه تطرق إلى مشكل نقص المرافق الذي يبقى حجر عثرة في وجه المريض والمختص، فعاصمة البلاد تحوز مستشفيين مختصين وهما دريد حسين والشراقة، وكذا مصلحتين مختصتين على مستوى مصطفى باشا ومايو بباب الوادي، وهو عدد غير كاف بالنظر إلى تزايد عدد الحالات. وأشار المختص إلى غلق بعض المصالح على مستوى مستشفى مصطفى باشا الجامعي حيث تقلصت من سبعة مصالح إلى مصلحتين. وركز المختص على أن تحويل المرضى للمستشفيات يقتصر على الحالات الدقيقة والحادة فقط والأجدى وفق التوصيات العلمية العالمية هو علاج المريض وسط عائلته وإدماجه في محيطه، غير أن العائلة تتساهل وتهمل المرض في بداياته ولذا معظم الحالات تصل متأخرة جدا. 6800 مراهق تقدموا للفحص بمؤسسة الصحة العقلية للشراقة أكد عبد المجيد ثابتي، رئيس مصلحة الأمراض العقلية بالمؤسسة الاستشفائية المتخصصة بالشراقة أن المراهقة تعد مرحلة هامة وخطيرة في نفس الوقت. الناس لا ينتبهون لها، فيها تحولات نفسية وبيولوجية وعقلية يصبح معها الطفل في حالة اضطراب غير أن الأولياء لا يفهمون ذلك جيدا خاصة إذا لم يتوفر المراهق على المحيط العائلي والاجتماعي المناسب مثلا رسوب مدرسي. وانتقد المختص غياب وحدة أو مصلحة وطنية مستقلة تتكفل بهؤلاء الأطفال المراهقين فلا هم أطفال ولا هم بالغون، لذا نسعى في الشراقة لإنشائها بشكل مستقل قصد التكفل النفسي بهذه الفئة المهمشة خاصة أنه كما تشير إليه المعطيات والمستجدات أن أغلب حالات الانتحار تتم لدى هذه الفئة لذا يجب علينا ألا أن تنفلت الأمور منا وأن نتداركهم في العاجل وإلاّ فستحل الكارثة. في شراقة قطاع غرب العاصمة 6800 فحص في العام للأطفال الأقل من 18 عاما، وهي أرقام متصاعدة مقارنة بالسنوات السابقة وهو ما يعني أن الناس أصبحت أكثر وعيا من ذي قبل ولم تعد الأمراض العقلية أو الاضطرابات طابوهات أو ممنوعات ينحرج منها المواطنون وختم المختص بالقول “نحن لا نعالج من يقطّع حوايجو فقط” بل نعالج الجميع مهما كانت درجة اضطراباته أو مشاكله النفسية حتى نتفادى بلوغه مرحلة أكثر حرجا وحدّة”. ممثل المنظمة العالمية للصحة بالجزائر: حالة انتحار كل 40 ثانية عبر العالم وأوضح ممثل المنظمة العالمية للصحة بالجزائر أن العالم يشهد حالة انتحار كل 40 ثانية وهو رقم صادم غير أن منطقة شمال إفريقيا التي نفتقد فيها إلى أرقام دقيقة ومنها الجزائر تبقى بحاجة إلى مزيد من العمل في الجانب الوقائي وتعزيز التكفل النفسي. وأضاف الممثل الأممي أن في البلدان ضعيفة الدخل 4 حالات من أصل 5 يموتون انتحارا. وتسعى الأممالمتحدة إلى إيلاء وحدات العلاج الأولية للصحة العقلية بهذه الدول الإفريقية التي تعرف تزايدا في الحالات رغم انعدام إحصاءات رسمية دقيقة.