لأوّل مرّة منذ سنوات عديدة، تتجاوز عقدين أو ثلاثة من الزمن الحديث، لم يعد السياسيون، في الموالاة والمعارضة، يعرفون من هو “الرئيس القادم”، كما لم يعد لألعاب السحر و”الزمياطي” أن تبشّر هؤلاء أو أولئك بهوية هذا الرئيس، وقد قالتها المؤسسة العسكرية بصريح العبارة، مرارا وتكرارا: “لا مرشح للجيش”، وهو ما ورد على لسان رئيس الأركان، منذ عدة أسابيع، وجدّد نفس الموقف قبل يومين بدعوة الجزائريين إلى اختيار “الأقدر على قيادة الشعب والدولة”. هذه المفاتيح، حافظت على نفس المسافة مع كلّ المترشحين، وقد اجتهد المجتهدون والمحللون بحثا عن بصيص يستشرفون من خلاله ويتوقعون، لكنهم خابوا وفشلوا، ودوّختهم المعطيات والواقع الجديد، الذي أنتجه حراك شعبي سلمي، قال كلمته في 22 فيفري الماضي، الأمر الذي جعل كلّ الاحتمالات مفتوحة وكل المفاجآت واردة، طالما أن كلمة الفصل محالة إلى الصندوق والإرادة الشعبية فقط وحصريا! هذه “الضمانات” والوقائع التي لا يختلف حولها اثنان، ولا تتناطح بسببها عنزتان ولا جاموستان، أثارت شهية “الخمسة”، وأسالت لعاب مسانديهم ومناضلي أحزابهم والمتعاطفين معهم، كما استدرجت وأغرت الكثير من الانتهازيين والوصوليين والطمّاعين و”الغمّاسين” الذين يبحثون عن موقع قدم خلال المرحلة القادمة، بعضهم يُريد العودة سرّا، وبعضهم الآخر لا يريد تضييع الجمل بما حمل، وآخرون يسعون إلى تعويض ما فاتهم! مهما كان عدد المتسابقين، لرئاسيات 12 ديسمبر 2019، ومهما كانت نسبة المشاركة في الانتخابات، ومهما كان الفائز فيها، ومهما اختلف المساندون والمعارضون لها، فإن الثابت في هذا الاستحقاق، الذي لا يجب إخفاؤه بغربال، هو اختفاء “التعيين المسبق” أو “التزكية” التي كانت تكشف ملامح الرئيس المنتخب مبكّرا خلال التجارب السابقة، وهذا هو الفرق على الأقل، بين ما كان يحدث وما هو حادث الآن! لقد اختفى برأي ملاحظين، “التلفون” في هذه الرئاسيات، ولذلك لم يترشح البعض، ولم يعرف البعض رأسه من رجليه، وتشجّع البعض الآخر على الترشح، ولمس ناخبون وقانونيون وإداريون وسياسيون أن شعار الانتخابات هذه المرّة هو “فليتنافس المتنافسون”، المقاربة الصحيحة والديمقراطية التي أحرجت وأزعجت المتعوّدين على “الكوطة” بمجرّد الحديث عن الانتخاب كمخرج للأزمة، ووضع الخطوة الأولى نحو التغيير! بناء “الجزائر الجديدة” لا يُمكن أن يكون بالعودة إلى نظام المحاصصة، الذي تحوّل للأسف طوال عدّة سنوات إلى مكسب لأفراد وجماعات معزولة ومكروهة شعبيا، أعلنت اليوم “ردّتها” وكفرها بالصندوق طالما أنه سيكون ضدها حتى وإن ترشحت، ولذلك هرب “الناجحون” سابقا بالتعيين والتزوير والتلاعب، وامتنعوا وقاطعوا السباق من باب “نلعب وإلاّ نخسّر” أو “نربح وإلاّ نفسّد”!