يستذكر الكاتب والصحفي إدريس بوسكين رحلاته وذكرياته وحقائق وتفاصيل أحداث عاشها مدّة ثلاث سنوات عندما كان طالب دراسات عليا في روسيا وذلك في كتابه الجديد الصادر عن منشورات المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية تحت عنوان “ثلاث سنوات في روسيا: على خطى السلاف والتتار وشعوب القوقاز”. ويؤرخ بوسكين في هذا العمل إلى ما عاشه وعايشه طوال ثلاث سنوات في روسيا، إلي منحته فرصة التعرف على ثقافتها المتنوعة، وشعوبها وقومياتها وفنونها ومعالمها الحضارية والأثرية، كما أتيح لبوسكين خلال هذه الرحلة من استكشاف أشهر الشخصيات في روسيا ومدنها العريقة منها التي احتضنته طالبا كفارونيج وموسكو، أو التي سافر إليها مثل كلييستيك وكازان وسان بطرسبورغ. جاء الكتاب في 191 صفحة من القطع المتوسط، يعود عبرها بوكسين إلى مدينة ماسكفا التي عنون أحداثها بماسكفا الحلم.. ماسكفا الكابوس، كما يفصح عن أسرار المدينة المجهولة “فارونيج”، وكازان وتتار وإيفان “الرهيب”. بدأت رحلة بوكسين رفقة صديقيه طارق، والطاهر الذي قال عنه إنّه كان أحسن الأشخاص الذين عرفهم في حياته، وقبلها تحدث بوكسين كيف فاجأه خبر حصوله ذات ربيع على منحة إلى الدراسة في روسيا، واعتبرها نقطة تحول كبرى حولت حياته البائسة إلى الأبد. يسافر بوكسين بالقارئ عبر تفاصيل كثيرة ودقيقة يتذكرها كيف وقعت مع وصف سردي جميل تتخلله إضفاءات تاريخية ومعطيات وأرقام عن روسيا حاليا أو في الماضي وحديث عن زملائه في الدراسة من مختلف القارات. ويتحدث صاحب “علي والبحر” عن “وداعه” لمدينة الغربان كما يسميها، وذهابه إلى موسكو، ويومياته بين الغرفة والصف وسان ىبطرسبورغ وكولومنسكوي والقوقاز الذي لم يزره، ومن سورهاب إلى عبادي والشيشان وغيرها. كما يتطرق بوسكين إلى عليم المسجد الكبير والكريملن فيقول في فقرة من الصفحة 89: “لم تكن لعليم أم على الإطلاق، أقصد كانت له واحدة ولكنّها توفيت وهو صغير، وأمّا أبوه فقد كان متسلطا جدا، ولقد منع عليه ارتياد المساجد وحتى الصلاة في البيت خوفا من أن يوصله هذا الأمر إلى “التطرف الوهابي” كما يسمى في روسيا، والذي يعتقد الروس أنّه يسكن منطقة القوقاز ككل وصار يهدد موسكو نفسها، ولما ارتاد عليم الجامعة في موسكو وجد نوعا من الحرية والاستقلالية في ممارسة تدينه كما يحب حتى أنّه كان عادة ما يأتيني إلى الغرفة لنصلي الفجر معا، وأحيانا المغرب والعشاء، لقد كان قلبه كلّه للدين، وكان إيمانه قوي، قد كنت أحسده عليه كثيرا بل ودائما ما أعجب منه وهو الذي لم يجد من العربية غير قراءة بعض سور قصيرة من القرآن في حين أنّ المكان يعج بالعرب الذين لا همّ لأغلبهم سوى مقارعة الخمرة والتدخين والجري وراء الروسيات الجميلات…”. وفي نهاية العمل عنوان الصفحة الأخيرة ب”أضغاث أحلام” حكى فيها بوكسين عن الأيام الأخيرة من الدراسة والتخرج قبل العودة إلى وطنه الجزائر.