تثير عروض التشغيل التي تتقدم بها كل الشركات الأجنبية والوطنية للوكالة المحلية للتشغيل بمنطقة عين صالح بولاية تمنراست فتنة حقيقية هذه الأيام وغضب وسط البطالين المحتجين على ما وصفوه بالتعسف في شروط التشغيل وعدم اعطاء الأولوية لأبناء المنطقة في عقود العمل في قواعد الغاز الطبيعي مما يجعلهم يشعرون دوما بالحقرة والتهميش ويلوح البعض منهم باللجوء للعنف اذا بقي ملف التشغيل يسير بطرق غير شفافة وغير منصفة بالنسبة لهم. لا يزال ملف التشغيل في مناطق الجنوب الكبير ملفا شائكا وحساسا وتشكل عروض العمل في المناطق البترولية والشركات الأجنبية دافعا للعنف ،ففي دائرة عين صالح أكبر منطقة للغاز الطبيعي في الجزائر كانت البطالة سببا في أحداث 27 أفريل 2002 عندما خرج مئات الشباب البطال يحتجون على مكتب اليد العاملة المسؤول عن تمرير عروض الشغل الممنوحة من طرف الشركات الوطنية والأجنبية في أكبر قاعدة للغاز الطبيعي بهضبة تيكنتور والتي تديرها المجموعة البريطانية للبترول وشركات المناولة حيث أحرق الغاضبون على عمليات توزيع عقود العمل المرافق العمومية ودمروا مدينة عين صالح في ساعات وقد دفعت أعمال الشغب إلى إلغاء التشغيل الذي كان يتم عن طريق اللجنة البلدية وتعويضها بالوكالة المحلية للتشغيل سنة 2004 بعد صدور قانون 29 ديسمبر 2004 المنظم والمراقب للتشغيل في ولايات الجنوب ويلزم الشركات المستثمرة بالمرور عبر الوكالة في منح أي عقد عمل ، غير أن القانون لم يحل الأزمة التي تلوح بوادرها في كل مرة يتم الإعلان فيها عن عروض العمل وتشتعل شرارة غضب البطالين أمام مكتب الوكالة التي تتحول إلى قبلة للشباب البطال الذي ينتظر محالفة الحظ للظفر بعقد عمل لا تتعدى مدته 3 أو 6 أشهر فقط فالبطالة واقع اسود بمنطقة عين صالح التي تعتبر أغنى منطقة في الجزائر بضخها يوميا ما لا يقل عن 12 مليون دولار نحو أوروبا من الغاز الطبيعي ، كما تضاعفت فيها فرص العمل منذ انطلاق مشروع التنقيب على المياه الباطنية في منطقة وادي رجم لنقل المياه العذبة لمدينة تمنراست وهو مشروع ضخم تفوق كلفته المليار دولار ، ويعلق عليه الشباب آمالا كبيرة في مسألة الشغل. لكن مع تضاعف الاستثمارات في المنطقة وتوافد الشركات الأجنبية عليها ازداد عدد البطالين بمجرد انتهاء الشطر الأول من مشروع : عين صالح غاز"وفاق عدد البطالين المسجلين حاليا على مستوى الوكالة أكثر من 3500 بطال يضاف إليهم 100 طلب عمل جديد تتلقاه الوكالة شهريا مما جعل الوضع جد متأزم بين البطالين وبين المسؤولين في المنطقة الذين يحاولون إيجاد حلول مناسبة للشباب البطال فمشكل التوظيف حسب مسؤولي الوكالة المحلية للشغل يكمن في الشروط "الصارمة" التي تفرضها الشركات خاصة الأجنبية في عروض العمل البسيطة كالشهادات والخبرة ما بين ثلاث أو خمس سنوات وهي الشروط التي يفتقر إليها جل طالبي العمل من منطقة عين صالح ، فحسب مسؤول بالوكالة فإن العروض التي تصلهم لتوظيف إطارات كالمهندسين لا توفيها الوكالة في الآجال المطلوبة والمقدرة ب21 يوما مما يجعل الشركات توظف بطريقتها الخاصة وتستقدم العمال من أي مكان في الجزائر ، فحتى طلبات العمل على اليد العاملة البسيطة تفرض فيها شروطا " تعجيزية"يصعب توفيرها في ملفات طلبات الشغل عبر الوكالة الأحد والأربعاء موعد مع الاحتجاجات والغضب والمطالب مع حلول كل يوم أحد وأربعاء من الأسبوع يتوافد المئات من البطالين ويحتشدون أمام مقر الوكالة سواء لإيداع طلبات العمل أو لانتظار أدوارهم في التشغيل حسب أرقام تسجيلهم في المكتب وتفقد مصير ملفاتهم ، وتعرف مدينة عين صالح في هذه الأيام حركة غير عادية للشباب وأرباب العائلات القادمين كل مكان ، وفي كل مرة تكون فيها عروض العمل مغرية وهامة زاد الصراع والغضب وسط الأشخاص الذين رفضت طلباتهم لعدم وجود المؤهل المهني ويتدخل رجال الأمن من الشرطة لحفظ النظام خوفا من وقع انزلا قات نتيجة الاحتجاجات التي تشتد شرارتها دائما ثم تنطفئ بتدخل مسؤولين على أعلى مستوى يحاولون تهدئة الوضع وإيجاد حلول مناسبة للشباب ، فقد صرح لنا أحد إطارات الوكالة أن السنة الماضية كادت الأوضاع أن تنحرف للعنف بسبب إعلان علقته وكالة التشغيل على الحائط شهر جويلية وهو عرض عمل مغري تقدمت به شركة الإطعام على مستوى قاعدة سوناطراك بحاسي مسعود تطلب فيه توظيف 115 شخصا ، فبدأت الوكالة تستقبل ملفات المسجلين ببطاقات وفق أرقامهم التسلسلية مع الشهادات وشهادة الخبرة والمؤهل المهني وتم انتقاء وتصنيف الملفات حسب الطلبات وتم إرسالها للمؤسسة لإجراء اختبار للمترشحين الذين تنقلوا الى مدينة حاسي مسعود لإخضاعهم لاختبار وكانت الصدمة كبيرة عند الإعلان عن نتائج التوظيف ، حيث رفضت المؤسسة كل الطلبات مما أثار غضب البطالين واحتجوا لدى رئيس البلدية الذي استدعى مدير الوكالة ثم اتصلوا برئيس الدائرة وبلغت القضية مدير التشغيل الذي طلب توضيحا من مؤسسة الإطعام بحاسي مسعود بعد أن كادت الأوضاع تنزلق نحو العنف وبعد مد وجزر والتفاوض تم توظيف 11 شخصا فقط من بين مئات المرشحين. وبقي ملف التشغيل في المناطق الجنوبية يثير فتنة كبرى كونه ملفا سياسيا وحساسا حيث يسود اعتقاد لدى البعض بأن سكان الجنوب أقل حظا في التشغيل من سكان المناطق الشمالية الذين يتواجدون بقوة في المناطق البترولية على مستوى قاعدتي الغاز الطبيعي "تيكنتور والرق" لدى اقترابنا من بعض الشباب في المنطقة وسألناهم عن مشاكل التشغيل التي يعانون منها وانطباعاتهم حول ملف التوظيف كانت الإجابات متباينة فقال لنا البعض "أن الشركات تضع شروطا غير منطقية وتصعب علينا العمل بفرض الشهادات في ابسط الوظائف ,,, نحن نعاني من جحيم البطالة والفقر لأن الحياة في المنطقة صعبة والمعيشة "غالية" وقال البعض "نحن نعمل ثلاثة أشهر وننتظر سنوات طويلة لتجديد عقد العمل " فيما عبر البعض وهم قلة عن تذمرهم من "تفضيل" الشركات توظيف " الشناوة " أي عمال الشمال كما يسمونهم في الجنوب غير أن هذا الانطباع يرفضه باقي البطالين الرافضين إعطاء ملف التشغيل أكثر من حجمه أو تسييسه بل يطالبون من مسؤولي الوكالة التفاوض مع الشركات بأكثر صرامة لتخفيض شروط التشغيل والليونة في قبول ملفات طالبي العمل كما تفعل المؤسسة الوطنية للجيوفيزياء التي تعتبر الشركة الوحيدة في منطقة عين صالح التي توظف المئات من الأشخاص سنويا حيث وظفت السنة الماضية في حدود 240 بطالا. مشروع المياه فرصة للشغل ولكن مع انطلاق مشروع القرن المتمثل في التنقيب على المياه الباطنية في مدينة عين صالح ونقلها إلى مدينة تمنراست بدأت عروض الشغل تصل الوكالة وبدأت معها موجة الاحتجاجات على طريقة التوظيف ، فمنذ حوالي أسبوعين احتشد العشرات من الشباب أمام مقر الوكالة المحلية للتشغيل غاضبين على أول عرض عمل تقدمت به شركة الحراسة " سوال سور" الكائن مقرها بقسنطينة والتي ستتولى مهمة حراسة ورشات العمل لصالح شركة صينية تقوم بالتنقيب على المياه وكانت شروط الشغل حسب العرض أن يكون المترشحون للمناصب من متقاعدي الجيش ،أو الدرك الوطني أو الجمارك مما أثار غضب الشباب واحتجوا لدى رئيس الدائرة الذي استقبل ممثلين عنهم وبعد مفاوضات طويلة تم تخفيض شروط العمل والاكتفاء بشرط أداء الخدمة الوطنية فقط بالنسبة للمترشحين. ولحد الآن لا تزال الأوضاع في منطقة عين صالح غير مستقرة تماما بسبب ملف التشغيل رغم كل الإجراءات المتخذة ضد المؤسسات التي لا تمرر عروضها عبر الوكالة أو توظف عمالا خار ج القانون ،وصرح لنا مسؤولون أن مشكل التشغيل يعود أيضا إلى غياب تام لمفتشية العمل التي "لا تقوم بدورها " على حد قولهم ولا تعمل بالتنسيق معهم ولا تراقب عمليات التشغيل في الشركات الأجنبية ،وكان مطلب الشباب لدى لقائهم برئيس الدائرة تشكيل لجنة مختلطة لمراقبة عملية توظيف العمال على مستوى قاعدتي الغاز الطبيعي بتيكنتور والرق بعد ورود معلومات تقول أن أغلب عروض العمل لا تمر عبر الوكالة. ربورتاج ليلى مصلوب