تؤشر التحضيرات الجارية بخصوص جنازة نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أحمد قايد صالح، أنها ستكون واحدة من الجنائز القليلة التي شهدتها الجزائر منذ الاستقلال. وأفاد بيان صادر عن رئاسة الجمهورية، أن مراسيم الجنازة ستكون بداية بإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان الفقيد بقصر الشعب، قبل أن يشيع بعدها جسده الطاهر إلى مثواه الأخير بمربع الشهداء بمقبرة العالية، بعد أن توقف عداد سنواته في بداية العقد الثامن. ووضعت المئات من الحافلات في مختلف الولايات، تحت تصرف الراغبين في التنقل لحضور جنازة الفقيد، كما وضع بعض المتطوعين ما يملكون من فنادق في العاصمة تحت تصرف من يريدون حضور الجنازة ولا يتوفرون على إمكانيات الإقامة أو العودة في اليوم ذاته. وينتظر أن يطوف جثمان المرحوم شوارع العاصمة قبل أن يوارى الثرى، وقبل ذلك نصبت في مختلف ولايات الوطن خيم للترحم على روح نائب وزير الدفاع الوطني، الذي تحول اسمه إلى أيقونة للوفاء والإخلاص للوطن خلال الأشهر العشرة الأخيرة، لدى الكثير من الجزائريين، الذين لم ينسوا حرصه وإصراره على حقن دماء “الحراكيين” رغم محاولات البعض الدفع نحو إراقتها. وقبل ذلك، سينقل جثمان الفريق من المستشفى المركزي للجيش بعين النعجة، صبيحة الأربعاء إلى قصر الشعب من أجل تمكين المواطنين من إلقاء النظرة الأخيرة عليه، ثم يسجى النعش ملفوفا بالعلم الوطني، على متن عربة عسكرية، ليتحول بعد ذلك الموكب الجنائزي في حدود منتصف النهار إلى مقبرة العالية مرورا بالشوارع الكبرى للعاصمة على غرار ديدوش مراد ثم البريد المركزي، فشارع جيش التحرير الذي يربط قلب العاصمة بجهتها الشرقية حيث توجد مقبرة العالية. ولا تزال جنازة الرئيس الراحل هواري بومدين الذي توفي في الشهر ذاته الذي توفي فيه الفريق قايد صالح من العام 1978، الأكبر في تاريخ البلاد، ويقدر البعض بأن جنازة الغد سوف لن تقل أهمية عن تلك التي جرت قبل أزيد من أربعين سنة، بالنظر للتحشيد الحاصل لموعد الغد. ويستحضر الجزائريون تلك المشاهد التي نقلها التلفزيون الجزائري عن جنازة الراحل بومدين، والتي أبرزت مدى التأثر البالغ الذي لوحظ يومها، وقد عاش الجزائريون مشاهد مشابهة، لكن بدرجة أقل، على غرار ما حصل في جنازات الرؤساء الراحلين، أحمد بن بلة والشاذلي بن جديد، والمجاهد حسين آيت أحمد. وقد غصت منصات التواصل الاجتماعي بالصفحات التي تشيد بجهود الراحل، وتذكّر بمناقب ومآثر الفقيد، الذي أفنى حياته في خدمة الوطن، منذ كان يافعا في الكفاح من أجل طرد المحتل الغاشم، ثم إطارا في المؤسسة العسكرية، فقائد لها في ظرف جد حساس، لكنه عرف كيف ينقذ البلاد من أيدي فئة من المغامرين والمتهورين، الذين كانوا قاب قوسين أو أدنى من الدفع بها إلى جحيم الفوضى. وأيا كانت مواقف الجزائريين من الفريق الراحل، فإن الشهادة التي لا يمكن أن يختلف فيها اثنان، هي أن “عمي صالح” كما يحلو للكثير وصفه، فوّت على أعداء البلاد فرصة تفكيك وحدتها، وعلى المغامرين والمتهورين الزج بها في أتون صراع هي في غنى عنه، بل وزاد على ذلك إخراجها من الأزمة الدستورية التي كانت تعيشها، بتسليم المشعل لرئيس منتخب عليه اليوم أن يكون في مستوى الأمانة التي وضعت بين يديه.