يدفع تسيير الأموال داخل الأحزاب السياسية والغلق المفروض على المداخيل، بممثليها على المستوى المحلي إلى الاستنجاد برجال الأعمال لتصدر القوائم، ولو كانوا غير مناضلين، ما أدى إلى تسلل المال السياسي للمجالس المنتخبة البلدية، الولائية والوطنية (قبتا البرلمان السفلى والعليا)، يمثله رجال الأعمال والأثرياء، مما أنهى عهد النضال والوفاء للتيار السياسي، وفرض معادلة المال مقابل السلطة وأنتج ظاهرة التجوال السياسي بحثا عن المنصب الشخصي قبل خدمة المجتمع. حدد قانون الأحزاب والقوانين التي تقيد مكافحة الفساد نسبة مشاركة السلطات العمومية في دعم الأحزاب، أو المساهمات الشهرية للمنخرطين وفق ما يسمح به قانون الأحزاب، حيث لا تتعدى مساهمة المحبين من أصحاب المال قانونا 100 مليون سنتيم، كما يجب أن لا تتعدى مساهمة كل عضو في القائمة الانتخابية نفس المبلغ، كما تعوض الدولة كل قائمة حصلت في البرلمان على نسبة 25 بالمئة من مصاريف حملتها. وفي ذات السياق، كشف قاسة عيسي، المكلف بالإعلام بحزب جبهة التحرير الوطني عن فرض الحزب في الحملة للمحليات التمويل القاعدي لكل قائمة والملصقات، ويمول الحزب فقط النشاط المركزي ومهرجان الأمين العام والملصقات الوطنية والبرنامج العام فقط. وأفاد عيسي أن الجبهة تحصل على تعويض سنوي للنائب ب40 مليون سنتيم، والحزب يضم أزيد من 248 نائب في الغرفتين، مما يجعل حصة "الآفلان" تقارب 10 ملايير وباقتطاع راتب عن كل نائب سنويا يصبح المبلغ 20 مليار سنتيم، خارج اقتطاعات المنتخبين ولائيا المحددة ب 2500 دج شهريا، وخارج اشتراكات المنخرطين وهبات المحبين. وأوضح المتحدث أن مصاريف الحملة يتحملها المترشحون محليا، مضيفا "في التشريعيات قدمنا مشاركة ب25 مليون سنتيم لكل قائمة، لكن في المحليات غير ممكن، كما أنه لم نتمكن من وضع طائرة للمشرفين على الولايات لأسباب مالية، ونتكفل بالحجز في الفنادق ومصاريف التنقل مركزيا". وقال عيسي "لسنا ضد دخول أصحاب المال وهم مرحب بهم، والحزب من أين تأتيه موارده إذا لم يشارك المناضلون بالمال، ومن لا يستطع دفع المال عليه أن لا يتقدم، فميزانيتنا محدودة، وصادقت اللجنة المركزية على ذلك، والإسهامات المالية مهمة في أي نشاط". وأكد فاروق تيفور، المكلف بالإعلام بحركة مجتمع السلم أن "الأحزاب تمول من اشتراكات مناضليها ومن الهبات ولا ينبغي أن تتعدي مليون دينار، ومن الأنشطة ومطبوعاتها، ومصدرها الثاني من نواب البرلمان"، موضحا أن تكتل الجزائر الخضراء لديه 51 نائبا بالبرلمان، ما يجعل تعويضات الدولة فوق 2 مليار سنتيم، خارج ما يقدمه النائب من الهبات شهريا، واعتبر المتحدث أن ذلك يتعلق "بالنضال وليس المال فقط، وشهريا يتم تقديم شيء للحزب من المناضل البسيط إلى أكبر مسؤول". وأوضح تيفور أن اللائحة المالية للاشتراك، تحدد رفع المكتب البلدي 50 بالمئة من مجموع الاشتراكات للمكتب الولائي، وهذا الأخير يرفع للمركزية 25 بالمئة ويحتفظ ب25 بالمئة، مؤكدا أن كل قائمة بلدية تمول حملتها، والقوافل الوطنية التي تنزل للقاعدة تمول خرجاتها. وعن المال السياسي، قال تيفور "شراء الذمم نعتبره احتقارا لشرف كل الجزائريين من يبيع صوته أو يشتريه، والمنتخب الذي يستعمل المال وحاجة المواطنين هو قمة العجز السياسي، ويدل على أن ليس لديه برنامج ولا مصداقية للإقناع، وفيروس الانتهازية ضرب القيم في عمق المجتمع، وطالبنا حتى اللجان المستقلة أن لا تعطى لها أموال، وليس لدينا ظاهرة تصدر رجال المال، وعلى الإدارة تطبيق القانون على من هم الآن موجودون بالبرلمان". من جهته، أكد ميلود شرفي، المكلف بالإعلام بحزب التجمع الوطني الديمقراطي ل"الشروق" بأن تمويل الحزب يعتمد أساسا على الدعم من ميزانية الدولة بتقديم 40 مليون سنتيم عن كل نائب بالبرلمان أو سيناتور بمجلس الأمة، إلى جانب اقتطاعات الاشتراكات للمناضلين من المنخرطين. ويمتلك الأرندي 100 عضو ما بين نائب وسيناتور، أي ما يعادل 4 مليار سنتيم، يضاف لها تقديم النائب راتبا شهريا واحدا سنويا أي 4 مليار إضافية، ليصل في المجموع 8 مليار سنتيم، خارج الاقتطاعات من المنخرطين التي تتراوح ما بين 200 دج و500 دج شهريا لكل منخرط، مع تبرعات المتعاطفين للحزب، مما يجعل مداخيل الحزب سنويا تتجاوز 10 مليار سنتيم. وأوضح شرفي بأن "المترشحين يساهمون في الحملة الانتخابية للمحليات على غرار التشريعيات السابقة، وكل قائمة تتحمل مسؤوليتها"، مما يجعل التمويل في التجمعات البلدية والولائية وإعداد الملصقات والوجبات ذاتيا ومحليا بعيدا عن المركزية، باستثناء المكاتب الولائية التي تتلقى مساعدة مالية من المركزية سنويا. وبقي هاتف المتحدث باسم حزب "الأفافاس" يرن دون إجابة، لمعرفة كيفية تمويل الحملة محليا، علما أن الحزب أقر مساهمة بنسبة 30 بالمئة لكل نائب من راتبه من مجموع 27 نائبا، ما يعني أزيد من 3.2 مليار سنتيم، تضاف لها ميزانية الدولة المقدرة بأزيد من مليار سنتيم، أي أزيد من 4 مليار سنويا خارج الاشتراكات. وخصص حزب العمال صندوقا وطنيا وصناديق محلية ولائية لجمع تبرعات المناضلين للحملة الانتخابية، حتى في المناطق التي لا توجد بها قائمة بلدية، وقال جلول جودي، المكلف بالإعلام بالحزب، "هناك ميزانية للحملة الانتخابية لتغطية التشريعيات والمحليات ونسبة كبيرة صرفت في التشريعيات، مما دفعنا لوضع صناديق التبرعات"، موضحا أن المركزية غطت تكاليف 2 مليون و500 طبعة برنامج انتخابي والملصقات للأمينة العامة وتنقلاتها. وأفاد المتحدث أن نواب "العمال" يدفعون رواتبهم للحزب، على أن تدفع لهم أجرة من الثلثين كمداوم بعد الاحتفاظ بالثلث، علما أن للحزب 24 نائبا ما يجعل حصيلة الحزب قرابة 3 مليار سنتيم، يضاف لها ميزانية الدولة المقدرة ب960 مليون سنتيم.