"إعذار" وزير الداخلية والجماعات المحلية إلى الأحزاب السياسية، بشأن تقديم حساباتها المالية وتبرير عمليات تمويلها، جاء ليفتح الباب أمام الحديث عن "الفساد المالي" الحاصل داخل الأحزاب. ويبدو حسب ما تسجله أوساط مراقبة بأن فتح ملف "الموارد المالية" الخاصة بالتشكيلات السياسية، أياما فقط بعد تنظيم الانتخابات التشريعية، وثلاثة أشهر قبل إجراء الانتخابات المحلية، له علاقة مباشرة بمراجعة الخارطة السياسية في البلاد ورسكلة وإعادة جدولة التعددية وتطهير قائمة الأحزاب. مطالبة نور الدين يزيد زرهوني الأحزاب السياسية بكشف حساباتها والتصريح بممتلكاتها ومداخيلها المالية يأتي في وقت أكد فيه رئيس الحكومة، عبد العزيز بلخادم، بأن قانون الأحزاب والانتخابات سيكون على رأس الملفات التي ستفتحها الهيئة التشريعية، بينما كان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة هدّد بشطب الأحزاب التي لا تتحصل على نسبة 5 بالمئة من أصوات الناخبين خلال الانتخابات مبرزا بأن هذا النوع من الأحزاب لا ترقى بكل قيادييها وكوادرها ومناضليها إلى نواد. وبالعودة إلى قانون الأحزاب السياسية، فإنه يحدّد ويضبط مصادر تمويل الأحزاب، ويوضح الالتزامات القانونية الواجب احترامها، حيث يرغم كل حزب تقديم حساباته المصرفية ومصادر أمواله، مع تبرير صرفها، عن طريق تحرير ملف كامل يسلم إلى محافظ حسابات في الخزينة المركزية، على أن تتدخل مصالح الدولة عند الاشتباه في مصدر أيّ مبلغ مالي دخل حساب أي حزب سياسي والتحقيق بشأنه أو عند الاشتباه في صرفه أو تحويله إلى أي وجهة أخرى. وتنص المادة 27 من القانون العضوي، على أن نشاط الحزب السياسي يمول بالموارد التي تتكون من اشتراكات أعضائه، إلى جانب الهبات والوصايا والتبرعات، وكذا العائدات المرتبطة بنشاطه، والمساعدات المحتملة التي تقدمها الدولة، كما تشير المادة 28 إلى أنه يمكن لحزب سياسي أن يتلقى الهبات والوصايا والتبرعات من مصدر وطني، على أن يصرح بها الى الوزير المكلف بالداخلية، ويبرر مصدرها وطبيعتها وقيمتها، وتمنع المادة 31 على الأحزاب من تلقي مباشرة أو بصفة غير مباشرة، دعما ماليا أو ماديا من أية جهة كانت وبأي شكل كان، فيما تحظر المادة 32 على الأحزاب أي نشاط تجاري، وتلزم المادة 35 الأحزاب بالتزود بحساب بنكي واحد تفتحه لدى مؤسسة مالية وطنية، بينما تلزم المادة 34 التشكيلات الحزبية بتقديم حساباتها السنوية إلى الإدارة المختصة، مع تبرير مصدر مواردها المالية واستعمالاتها. ويرى متابعون بأن أموال الأحزاب تبقى إلى أن يثبت العكس موضوعا محظورا و"طابو"، بسبب تهربها من الكشف عن مواردها ونفقاتها، مستغلة بعض "الثغرات" الموجودة بقانون الأحزاب لإخفاء الحقيقة، وقد أكد وزير الداخلية، أول أمس، من ولاية البليدة "لقد عرفنا في الماضي ظاهرة الكابات ثم الحاويات والآن بزنسة الأصوات وبيع الأختام في الانتخابات"، مشيرا إلى أن قانون الانتخابات الحالي "وضع في ظروف سياسية استثنائية، كان الهدف منه تدعيم إنشاء الأحزاب وتعزيز التعددية". وفي ظل النقائص والفجوات القانونية وغياب فعالية آليات الرقابة والمحاسبة والمعاقبة، تشير بعض الأرقام غير الرسمية إلى أن الأحزاب تقدر تكاليف الحملة الانتخابية، لكل مرشح، ما بين 30 إلى 80 مليون سنتيم، وتعترف بأن مختلف العمليات المالية تتم بشكل "غير رسمي وتسدّد لها الأموال في السوق السوداء"، علما أن القوانين سارية المفعول تنص على ألا تتجاوز تكاليف الحملة الانتخابية حدود 15 مليون سنتيم للمترشح الواحد، تسدّد الدولة منها 25% للمرشحين الذين تحصل قوائمهم على ما لا يقل عن 20% من أصوات الناخبين. وعلى سبيل المثال، تقدر بعض الأرقام "عائدات" جبهة التحرير الوطني، بما يقارب مليوني أورو، مع العلم أن أغلب الأحزاب، خاصة "الكبرى" منها، تستفيد من جزء من رواتب وزرائها ونوابها، سواء من خلال الاشتراكات أو "الاقتطاعات"، كما تعتمد على "كرم المتبرعين" وسط رجال المال والأعمال. جمال لعلامي:[email protected]