كثيرا ما تصدم بمظاهر حياة بدائية مازالت متشبثة في أرجاء الوطن وأنت تتوغل وتكتشف مناطق بقيت لحد الآن مجهولة ولم يسمع بها أحد، لكنها موجودة في الواقع ومقصاة من خارطة المسؤولين عبر مختلف المناطق النائية الموزعة عبر إقليم ولاية بجاية، سكانها يعانون ويلات الحرمان والتهميش في صمت ولا يتذكر وجودهم المسؤولون حتى في حلول المواعيد الانتخابية، لأنهم سكان لا يثيرون اهتمام وانشغالات المترشحين. ومن بين هذه المناطق التي لم تصل إليها "الشروق اليومي" إلا بشق الأنفس نجد قرية "ايني نثمارى" بأعالي جبال تيزي نبربار شرق ولاية بجاية التي قابلنا سكانها بعبارة غريبة لكنها صريحة وتحمل أكثر من دلالة "هنا تنتهي الحياة". عبارة رددها علينا الكثير من السكان بهذه المنطقة جراء النقائص التي تعد بالجملة والتي يتخبطون فيها منذ أزل بعيد لتزداد حدتها كلما حل فصل الشتاء عليهم وكست الثلوج قريتهم، ليكون بذلك التضامن فيما بينهم السبيل الوحيد لبقائهم على قيد الحياة. تعددت المشاكل والنقائص التي تراكمت على السكان منذ الاستقلال، وعن مشاكلهم العويصة يقول سكان هذه القرية نجد في مقدمتها مشكل غياب المياه الصالحة للشرب عن منازلهم، الشيء الذي أجبرهم بالمحافظة على النمط البدائي لجلب بعض المياه. وتلاه مطلب توفير الغاز الطبيعي، الذي أصبح ضرورة ملحة منذ العزلة التي فرضت عليهم السنة الماضية والتي حولت فصل الشتاء لكابوس يطاردهم بمجرد حلوله، جراء المعاناة الكبيرة التي يتكبدونها وهم يصارعون قساوة تلك الطبيعة من جهة ومصارعاتهم اليومية مع قوارير غاز البوتان عبر مسافات طويلة من الجهة الأخرى أو اللجوء للاحتطاب على طريقة السلف للتصدي للبرد. كما أشار الكثير من السكان إلى مشكل إهتراء الطريق الجبلي الوحيد الذي يربط القرية بالعالم الخارجي، مطالبين "بتكرم" السلطات وتنازلها بالتفاتة بسيطة قد تدب الحياة بهذه القرية التي لا يختلف حال سكانها الأحياء عن موتاهم. وطالبوا بضرورة توسيعه وتهيئته خاصة وأنه يعاني العديد من التصدعات والانجرافات عبر العديد من المقاطع، ما يجعل منه خطرا على مستعمليه شتاء، كما تطرق السكان لمشكل النقل الذي يعانون منه جراء عزوف الناقلين الخواص على الوصول لقريتهم الشيء الذي يجبرهم في كل مرة على الترجل لمسافات تفوق الكيلومترين، وتزداد المعاناة لدى الجنس اللطيف منهم من تلاميذ المدارس خاصة خلال الفترات المسائية، أين يسدل الليل ستاره عليهم في الطريق، وهم يغرقون في الظلام الدامس بين أدغال وأحراش تلك المنطقة المعزولة. وقد استغل الكثير من السكان تواجد "الشروق" بينهم لإطلاق صيحات المعاناة البادية على وجوههم عبر منبرها ويطالبوا المسؤولين بنصيبهم من التنمية قصد التخفيف عليهم ولو بالشيء البسيط الذي يمنحهم القدرة والإرادة اللازمة للبقاء بأراضي أجدادهم خدمتا لأريافنا المهددة بالنزيف الحاد سنة بعد أخرى.