بعض الأصوات "المتعوّدة دايما"، على التغريد خارج السرب، تركز كثيرا على مرحلة "ما بعد كورونا"-وهذا في والواقع مقاربة مشروعة ومعقولة- لكنها في الأصل والفصل حقّ يّراد به باطلا، من خلال تغذية خطاب التخويف والترويع من ما هو قادم ماليا واقتصاديا وإنسانيا، سواء في الجزائر، أو غيرها من البلدان، بما فيها المتطوّرة ! من الضروري اعتماد استشراف نزيه وموضوعي، للتحضير إلى ما بعد "كوفيد 19″، لكن لماذا لا يكون هذا "البعد"، إيجابيا، من خلال تحويله إلى نقطة انطلاقة، وليس نقطة ركود وجود وخمول واستسلام، لماذا لا نجعل من ما بعد كورونا، نقطة تحوّل نحو الأفضل، لننطلق في البناء والتشييد والترميم والتصحيح والإصلاح، علما أن كلّ الجزائريين طالبوا طوال سنة كاملة، بداية من 22 فيفري 2019، في حراك سلمي، بجزائر جديدة؟ الأكيد أن كورونا ستنتهي بإذن الله ومشيئته، إن آجلا أم عاجلا، مثلما انتهت قبلها الكثير من الأوبئة وحتى "الحروب"، لكن النهايات لم تكن نفسها للشعوب والأمم والمجتمعات والدول، مثلما لم تكن كذلك البدايات متطابقة، فهناك من انطلق نحو الأمام وباتجاه الأعلى والأفضل، وهناك للأسف من ظلّ في وضعية الفرملة، ووضع القصب في العجلة، والحجارة في طريق القاطرة ! أملنا أن نستغل تداعيات هذا الظرف العالمي الاستثنائي، لنتخلّص نهائيا من عقيدة "التقدّم إلى الوراء"، أو "الصعود نحو الأسفل"، ولن يتحقق هذا الحلم الجماعي، إلاّ إذا تحرّكت نزعة التغيير المبني على النوايا الحسنة، وبتكاتف الجهود وتعاون المخلصين وكلّ الوطنيين والمواطنين والأوفياء، الذين لا يعرفون الاستسلام أبدا، فإما الاستشهاد أو النصر ! لا داعي لتسمين خطابات التيئيس والتشاؤم والإحباط والقنوط و"القنطة" وكسر المبادرات الخيّرة وتثبيط العزائم، لكن المطلوب، هبّة فردية وجماعية، من هؤلاء وأولئك، أوّلا لمكافحة كورونا وآثارها الاقتصادية والمالية والنفسية والعائلية والصحية والمعيشية، وثانيا للشروع بعدها، بحول الله تعالى، في تضميد الجراح وكفكفة الدموع، وإطلاق نهضة في مختلف الميادين، لتعويض ما فات وما تمّ سرقته من وقت، وأيضا لرفع الهمم وكسر القيود ! من الصعب، تأنيب هذا الطرف، أو محاسبة تلك الجهة، أو لوم فئة، أو توبيخ فئة أخرى، فالجائحة عالمية، وقد قهرت أعتى الدول وأكبرها سنا وتطوّرا وجاها ونفوذا، فمن الظلم أن يلاحق بعض الفلاسفة والمنظرين، دولة فتية، والجزائر من هذا النوع، وبعقلية "البحث عن القمل في راس الفرطاس"، يحاولون ماكرين اصطياد كلّ شاردة وواردة، بينما كان المنتظر منهم أن يُبدعوا في ابتكار البدائل ويبتعدون عن منهج "العجوزة التي أمسكت لصا فوق السطوح" !