الاجتماع الذي جمع شمل مقري وجاب الله، تحوّل إلى "عركة" يبرّر فيها كلّ طرف نظرته للأمور والملفات السياسية، ففيما رأى جاب الله أن لقاء مقري بأويحيى هو "تهمة"، رأى مقري أن لقاء نائب حزب جاب الله بسلال هو "شبهة"، والحقيقة أن مثل هذا الجدال والسجال يرسم علامات استفهام وتعجب أمام نقاش كهذا وخلاف بين السياسيين! إن عقلية "العجوز التي أمسكت لصا فوق السطوح"، تكاد تتكرّر في التعاطي السياسي بين السلطة والمعارضة، بين الأحزاب، بين أطياف الطبقة السياسية، بين الشخصيات الوطنية، كل "طير يلغى بلغاه"، وكل جهة تدعي أنها تملك صكوك الغفران وأنها معصومة من الخطأ والخطيئة! لقاء مقري بأويحيى تحوّل في نظر معارضين إلى "خيانة للأمانة"، وفي نظر آخرين انحراف يستدعي التخوين والتجريم والإعدام، مثلما تحوّل لقاء نائب جاب الله بسلال، في وقت سابق، إلى انزلاق يهدّد استقرار البلاد والعباد، في نظر هواة التهويل والتأويل! لقد أخذ اللقاءين أكثر من حجمهما، وتلوّنا بألوان لا صبغة لها، والغريب أن عقدة الوصاية وقطع لسان الآخر، أو التكلم بلسان الآخر، قلب الطاولة على الممارسة السياسية النظيفة والشريفة، وحوّلها في نظر المناضلين والرأي العام إلى لعبة بيلياردو أو قفز بالزانة! عندما زار سلطاني "الحكومة" باسمه الشخصي، ثارت الثائرة داخل حركة مجتمع السلم، وقد تكرّر نفس المشهد، مع زيارة مقري ل"الرئاسة"، وحتى إن كانت مثل هذه اللقاءات والزيارات "شخصية" و"فردية"، إلاّ أنها تثير "الغبارة" ويحاول عندها كلّ طرف استغلالها لتلويث عيون خصمه أو حتى "صديقه" وأصابه بالعمى وحجب الرؤيا عنه! لقد أصبحت الطبقة السياسية ترصد كلّ شاردة وواردة عن أخطاء وخطايا بعضها البعض، وهذا في الحقيقة جزء من السياسة التي كانت وستبقى حاملة ليافطة "فن الممكن والكذب"، ولذلك تغيب الحقيقة في الكثير من التصريحات والصراعات السياسية! لقد "كره" المواطنون هذه السياسة ومن الساسة أنفسهم، ولذلك فرغت الأحزاب من محتواها، ولم تعد المواعيد الانتخابية قادرة على الإغراء والتجنيد والاستقطاب، ولذلك لم تعد "الحروب" بين هؤلاء وأولئك من الشخصيات السياسية تثير اهتمام الرأي العام! يُمكن لملمة الخلافات والاختلافات بين الساسة، لكنها عندما تطفو إلى السطح، ففي ذلك مؤشر آخر على عدوى "البحث عن القمل في راس الفرطاس" من باب "بهدلة" الآخر وكفى!