جرائم قتل، ومحاولات انتحار، واعتداءات بالجملة، وشجارات حادة، وترويج للمخدرات والحبوب المهلوسة والخمر، وانتشار لنشاط المشعوذين، آفات اجتماعية زاد انتشارها مؤخرا في المجتمع الجزائري وأصبحت حديث وسائل الإعلام. لَم تكن هذه الآفات في المرحلة الأولى للحجر المنزلي الذي بدأ أول مرة بتاريخ 24 مارس الفارط، ودام قرابة 3 أشهر، بالحجم الذي هي عليه الْيَوْمَ، فالضغط والقلق وتأثر أسر جزائرية في مدخولها المالي وتعطل أفرادها عن نشاطات كانوا يسترزقون منها، بدأت تتجلى في سلوكات عنيفة وهستريا أشبه بالجنون، وعودة إلى تعاطي المخدرات ومحاولات الانتحار، وارتفاع جرائم القتل والاعتداءات والتحرشات في الشارع، وهذا بمجرد رفع الحجر التدريجي عن ولايات جزائرية وتقليص ساعات منع التجول. جرائم واعتداءات في ظرف أسبوع! مع بداية الأسبوع الجاري، اهتزت ولاية سطيف على وقع جريمة قتل راح ضحيتها شاب يبلغ من العمر 25 سنة، توفي بطعنات خنجر على مستوى الكلية، وهذا بعد أن اعتدى عليه الجاني البالغ من العمر 32 سنة مسبوق قضائيا. وفِي ميلة، تعرض، ليلة السبت 13 إلى 14 جوان الجاري، شاب ثلاثيني، في بلدية بوحاتم، غرب الولاية، إلى طعنات بواسطة آلة حادة، على مستوى القلب، والبطن، من طرف ابن عمه الذي لاذ بالفرار وتركه ميتا. وفِي بومرداس، وأثناء الحجر المنزلي، وقعت جريمة قتل عشية السبت الماضي، على مستوى شاطئ "الكرمة"، راح ضحيتها كهل في الأربعينات من العمر، انهال عليه شاب ضربا بقارورة زجاجية. وعشية الأحد، اهتز حي الشهيد كريال لخضر بأعالي مدينة قصر البخاري، جنوبالمدية، على وقع حادثة اعتداء مروعة من طرف شاب عشريني يعاني اضطرابات عصبية، على ثلاثة أشخاص بواسطة سكين من نوع بايونيت، ومن بين الضحايا شيخ سبعيني، حيث استدعى نقلهم إلى المستشفى جراء إصابتهم بجروح وتشوّهات بالغة الخطورة، خلفت عند أحدهم، 60 غرزة طبية جراحية. حدة الضغوطات ترفع نسب الغضب إلى الهستيريا والخبل النفسي وفِي هذا السياق، يرى الدكتور مسعود بن حليمة، المختص في علم النفس، أن فترة الحجر الصحي طالت، فبرزت عوارض القلق والغضب، وتحوّل الشعور الأول بقبول الوضع والتحكم فيه بنِسَب مختلفة بين العائلات، إلى نوع من الخوف والتأثر النفسي، ففي ظل تسجيل حالات إصابة جديدة بفيروس كورونا المستجد، وارتفاع حالات الوفاة، زادت حدة الإحباط، واليأس والاكتئاب، والملل، مؤكدا أن حتى الذين لم يسبق لهم أن عانوا من العصبية والقلق أصبحوا كذلك، ووصلوا إلى درجة الإجهاد والاضطراب النفسي. وقال بن حليمة، إن الشباب هم أكثر عرضة للقلق الهستيري، خاصة أنهم لم يتعودوا البقاء في البيت لمدة طويلة، وإن كان الكثير منهم يبقون في الشارع حتى في ساعات حظر التجول، فإن، حسبه، حرمانهم من أماكن الترفيه والشواطئ والمقاهي، وخوفهم من المستقبل الغامض وعدم إدماجهم في عالم الشغل، وتدني المعيشة، تشكل لديهم ضغوطات نفسية، وتعددهم بانهيارات عصبية، وأمراض عقلية. وفِي مقابل ذلك يتوجد فئة تتعاطى المهلوسات والكحول، بدأت تظهر عليها أعراض الإدمان. تخوف من انتشار الأمراض العقلية بسبب الإجهاد بعد صدمة كورونا ودعت البروفسور صباح عياشي، رئيسة مخبر الأسرة والوقاية من الانحراف والإجرام، إلى ضرورة التأهًب لمرحلة ما بعد الحجر الصحي للوقاية من كورونا، وذلك من خلال الاستعانة بالأخصائي الاجتماعي العائلي والنفسي، وفتح خلية متابعة للشباب والفئات الهشة، مؤكدة أن صدمة كورونا والتغير المفاجئ لنمط الحياة الاجتماعية، بغلق المقاهي والمساجد والشواطئ وتعليق النشاطات، وحالة الإجهاد من هذه الوضعية، تهدد بآفات اجتماعية، وأمراض عقلية وعصبية، وإرهاق عاطفي، واضطرابات سلوكية خفية قد تظهر مع مرور الوقت. ونصحت، عياشي، الجزائريين بتجنب العزلة بعد التحكم في أزمة كورونا، ومحاولة احتكاكهم بالآخرين، وتقوية الروابط الاجتماعية، والانضمام للجماعات، وتفريغ الهموم في الرياضة والقراءة والتعاون والنقاش مع الأصدقاء والزملاء.