تتزايد حوادث الاعتداء على المهنيين في قطاع الصحة هذه الأيام، في ظل تصاعد منحى انتشار فيروس كورونا، بعدد من ولايات الوطن، حيث تعتبر حادثة مدير مستشفى البويرة الذي تهجم عليه أقرباء لإحدى ضحايا كورونا، القطرة التي أفاضت الكأس، وجعلت الوسط الصحي في حالة غليان وهيجان. واعتبر عديد العاملين في القطاع هذه السلوكات غير مقبولة، في ظل التجند والإرهاق الكبير الذي يطال المهنيين، الذين يخاطرون ويواجهون الموت يوميا. وتضاف إلى حادثة البويرة حوادث مشابهة في ولايات عنابة والمسيلة وسيدي عيسى ووهران وبومرداس وسطيف، وغيرها من الولايات.. مشاهد تعكس سلوكات مهينة بحق جنود الجيش الأبيض، الذين يستحقون أوسمة شرف بدل التعنيف اللفظي والجسدي المتنامي ضدهم. ووجه إلياس مرابط رئيس النقابة الوطنية لمستخدمي الصحة نداءه الى وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، والوزير الأول للتحرك العاجل، محملا إياه مسؤولية حماية الأطقم الطبية والصحية باعتبار ذلك من مهامه الأساسية، كوزير يشرف على القطاع. وحمل المتحدث المسؤولية في المستوى الثاني للوزير الأول الذي راسلته النقابة، ودعته للتحرك العاجل في ماي الفارط، حيث قدمت مطالبها، وطرحت نظرتها للتخفيف من وطأة الضغط الكبير، لكن إلى يومنا هذا لم تتلق الرد. وندّدت النقابة "بهذه الممارسات العدوانية ضد مهنيي الصحة، مهما كان الأشخاص، ومهما كان الظرف، حتى وإن أخطأ هؤلاء فهناك إجراءات قانونية وأساليب حضارية للتعامل وتسوية الأمور". وقال مرابط إن "ما نراه من اعتداء يومي بحق الأطباء والأعوان وتصويرهم أثناء تأدية مهامهم غير مقبول، تماما ناهيك عن تخريب الأملاك العمومية التي يحتاجها كل المرضى، ومن يتعدى عليها فإنما يتعدى على حقوق غيره من المرضى". وأضاف مرابط "نحن مرتبطون بوسائل وظروف عمل لا يمكننا توفيرها من جيوبنا، رغم أننا أحيانا نشترك ونساهم في ذلك لكن هذا ليس دورنا نحن الأطباء، ولا يمكن أن نتحمل كل مشاكل المنظومة الصحية الهشة منذ سنوات عديدة متراكمة. وأبرز مرابط حجم الضغط الكبير الذي يقع حاليا على النقابة من قبل عديد الزملاء الذين تتزايد احتجاجاتهم بصفة يومية، فوفيات الزملاء وإصاباتهم اليومية ب"الكوفيد19″ من جهة، ونقص وسائل الحماية من جانب آخر، وتضاف إلى كل ذلك الإهانات والاعتداءات التي تفاقمت". وفي الأخير أفاد مرابط "لا يوجد التكفل النفسي الذي هو من الأبجديات في كل المنظومات الصحية، إعلان الوفاة يكون مدروسا، وأماكن تستقبل فيها العائلة، وتتكلم معه وتبلغه نبأ الوفاة كلها، غير موجودة أزمة المنظومة الصحية الهشة منذ سنوات". من جانبه، دعا كداد خالد الأمين العام لنقابة الأخصائيين النفسانيين وزير الصحة إلى تنظيم اجتماع طارئ يحضره كافة النقابات للخروج بمخطط عمل واضح، يتحمل فيه الجميع المسؤولية في إدارة الأزمة. وأوضح كداد أن وزير الصحة لم يتشاور مع النقابات بخصوص الأزمة، منذ 26 مارس 2020، أوّل وآخر لقاء لأزمة صحية بهذا الحجم، وتساءل المتحدث لماذا لا توسّع الاستشارة مع الشركاء الاجتماعيين، ولماذا ينتظر الوزير فيديوهات مواقع التواصل للتحرك، بينما نحن نمده بالتقارير الدورية، فهو زميل ويعرف القطاع لأكثر من 40 عاما، ومارس المهنة في نفس الظروف التي يعمل فيها زملاؤه؟". ودعا كداد الوزير إلى توسيع الاستشارة لتحسين أداء الصحة والتشاور حول طرق الحماية وآليات العمل، مشيرا إلى أن الاعتداءات على عمال الصحة ليست وليدة الازمة الصحية لكوفيد 19، فجميع الاسلاك تتعرض للسب والشتم والوزارة مطلعة على الامر ولم تتخذ اي اجراء، حيث يواجه عامل الصحة في المحاكم عشرات القضايا لوحده، دون اي مساندة من قبل المؤسسة الصحية التي يعمل بها، بينما قانون الصحة اعطى ضمانات في ذلك. وأضاف المتحدث ان الطبيب ليس مسؤولا عن طبيعة الخدمات الموجودة في المؤسسات الصحية، لانه يعمل بوسائل الدولة المتاحة. أطباء يهددون بالاحتجاج بعد تكرر الظاهرة ويتساءلون: الفيديوهات لفضح التجاوزات أم للتشهير وقذف الأطباء؟ خبابة: التصوير خفية جنحة عقوبتها 3 سنوات حبسا نافذا انتشرت مؤخرا ظاهرة تصوير وضعية بعض المستشفيات، ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكشف تقصير أو تجاوز أو التشهير بشخص أو هيئة، وهو سلوك رغم فضحه للتجاوزات أحيانا، لكنه يقذف مؤسسات، ويزرع الخوف في نفوس المواطنين، ويضعف عزيمة الأطباء. في وقت تم إيداع المغنية سهام صاحبة فيديو مستشفي وهران الحبس المؤقت. ساهمت كثير من الفيديوهات المصورة داخل مؤسسات استشفائية، من طرف مواطنين، في فضح تجاوزات وتقصير في حق بعض المرضى، واستدعى تدخل أعلى السلطات للتحقيق في الموضوع، خاصة في مصالح علاج مرضى كورونا. لكن مع تمادي كثيرين في هذا السلوك، وبث وقائع مغلوطة وغير صحيحة، ويقذفون أطباء، ويشوهون الحقائق، وهو ما استدعى تدخل المصالح الأمنية لتوقيف المتورطين فيها. وهو ما حصل مع المغنية سهام من وهران، التي نشرت فيديو من داخل مستشفى وهران، تتهم الأطباء بالتقصير على مستوى مصلحة العظام، والمعنية خضعت للتحقيق بعد توقيفها، فيما هدد أطباء بالاحتجاج بسبب تكرر الظاهرة. وفي الموضوع، اعتبر المحامي والباحث في القانون، عمار خبابة ل"الشروق"، بأن فعل تصوير أشخاص أو هيئات دون علمهم، يمكن تكييفه جريمة قذف، باعتباره يتضمن ادعاءات بوقائع من شأنها المساس بشرف واعتبار الأشخاص، والمؤسسات باعتبارها هيئات، ويعاقب عليها طبقا لنص المادة 296 من قانون العقوبات بالحبس الذي يصل إلى 6 أشهر نافذة. وأضاف المتحدث "قد تكيف الواقعة بجنحة اهانة موظف أثناء تأدية مهامه او بمناسبتها. والإهانة طبقا للقانون يمكن أن تكون بالقول أو الإشارة أو الكتابة.. ويعاقب عليها القانون بالحبس الذي يصل الى 3 سنوات، طبقا للمادة 144 التي عدلت خلال السنة الجارية. وقد تكيف كذلك الى جنحة نشر وترويج أخبار كاذبة أو مغرضة، من شأنها المساس بالأمن العمومي والنظام العام. وتكيف كذلك إلى جنحة نشر وترويج أخبار كاذبة، ويعاقب عليها بنص المادة 196 المعدلة من قانون العقوبات. فيما اعتبر المختص في الصحة العمومية، مصطفى خياطي في تصريح ل"الشروق"، أنه من المفروض أن تقوم مديريات الصحة أو مديرو المستشفيات بدوريات مستمرة على المؤسسات الاستشفائية، للوقوف عند التجاوزات الحاصلة من جميع عمال المستشفى، وليس من الأطباء فقط، بدل ترك المهمة للمواطنين "ليتمادى كثير منهم في تصوير أحداث غير صحيحة أو يضخمها". كما تساءل محدثنا عن سبب غياب دور مجلس حقوق الإنسان خلال جائحة كورونا "إذ كان الأولى به تفقد وضع المستشفيات والأطباء وأحوال المرضى، ورفع تقارير دورية لأعلى السلطات". ومن سلبيات الظاهرة، حسبه، أنها تغرس الضغينة في صفوف الأطباء، والذين يقاومون الوباء بأقصى إمكاناتهم، كما من شأنها زرع الرعب في نفوس المواطنين، وإضعاف مناعتهم ونفسيتهم.