التفاؤل المبدئي بضمان مصالحة قريبة من إعلان اتفاقها النهائي بين دولة قطر والسعودية والإمارات والبحرين لا يعني إزاحة كل أسباب الخلاف الذي أدى إلى تصدع مجلس التعاون الخليجي، وعزل القطريين عن محيطهم الإقليمي. الخلاف الجوهري مازال قائما، وفي أشد حالات التنازع، رغم الاتفاق على مبدأ المصالحة، وحل خلافات شكلية في طريق الحسم النهائي ل"النزاع"، وقائمة شروط التصالح أطول ما يكون، القبول بها يعني انقلابا جذريا في سياسات إقليمية تمتد من الخليج العربي إلى إيران قبل أن تصل إلى تركيا. المصالحة المعلنة بأحرفها الأولى اتفاق على مبدأ، في ظل ضغط دولى، ومتغيرات إقليمية فرضتها سياسة التطبيع مع "إسرائيل"، تتطلب موقفا خليجيا موحدا إزاءها. شروط المصالحة تضع دولة قطر في زاوية خانقة، الالتزام بها يفرض تغييرا جذريا في سياساتها وشراكاتها الإستراتيجية الإقليمية، وربما تغييرا في فريقها الحاكم. فهل تقوى قطر على التخلي عن ممارسه أي دور سياسي يتنافى مع سياسات دول الخليج العربي..؟ هل تقوى على التخلي عن علاقات التعاون مع إيران؟ هل تقوى على إلغاء اتفاقيات الشراكة الإستراتيجية مع تركيا؟ شروط جوهرية وضعها المحور السعودي الإماراتي البحريني المصري، من بين جملة شروط متعددة تعيد قطر إلى ممارسة دورها الطبيعي في مجلس التعاون الخليجي، بعد إلغاء أي دور إقليمي منفرد يمكن أن تلعبه. بينما يقف الشرط القطري في مسار المصالحة التي فتحت نقاط لقائها على قواسم مشتركة، تقرب مسافات التباعد، على احترام سيادة دولة قطر وسياساتها المتوازنة في المنطقة، من وجهة نظرها. أولى مؤشرات الخلاف الخليجي الذي أدى إلى قطيعة لم يكن لها مثيل في تاريخ مجلس التعاون الخليجي، ظهرت عقب المتغيرات التي شهدتها مصر بعزل الرئيس السابق محمد مرسي الذي اعتبرته الدوحة انقلابا عسكريا، وانتهاء عهدة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي دعا دول الخليج العربي إلى التكفل بحماية نفسها، دون الاعتماد على الغطاء الأمريكي. إعلان الكويت الذي وضع اللبنات الأولى للقاء خليجي موحد جديد، لاقى ترحيبا عالميا وإقليميا، وصفته واشنطن ب"الأمل الكبير"، واعتبرته إيران خطوة "مصالحة تساهم في الاستقرار والتنمية السياسية والاقتصادية لكل شعوب المنطقة" ورأت تركيا فيه "حل الخلاف في الخليج بأسرع وقت ممكن وإنهاء ما وصفته ب"الحصار" المفروض على قطر". رسمت ردود الأفعال أبعاد "إعلان الكويت" التي تتجاوز الخلاف القطري – الخليجي، لتصل إلى أمن إقليمي أوسع، يضع كل الأطراف أمام مسؤولياتها، في الارتقاء بالمصالحة الخليجية، وتخطي كل حواجزها وعراقيلها التي تضر بأمن منطقة الشرق الأوسط، وتغلق منافذ التواصل مع محيط عالمي أكبر. نهضت الكويت بدورها المعتاد على قاعدة التزام دول مجلس التعاون الخليجي ب"ميثاق العهد الذي تم توقيعه عام 2014″، والتقت مع الدور الأمريكي في ضرورة إنهاء الخلاف الخليجي، ويبقى دور القوى الإقليمية والدولية في تجاوز المصالح الضيقة، والتخلي عن تحميل دولة قطر أعباء أثقل من قدراتها في محيط لا يقبل العزلة.