وعد "سمير قسيمي" الذي عين حديثا على رأس المديرية المركزية للنشر والتوزيع ب"ايناق" بإحداث ثورة في "موفم" للنشر وتغيير وجه المؤسسة الحكومية الباهتة وجعلها دار نشر محترفة ومنافسة. في هذا الحوار يتحدث قسيمي عن جملة مشاريعه واقتراحاته لتغيير وجه "موفم" للنشر وكذا عن تصوّره لمعرض الجزائر للكتاب. بعد تعيينكم على رأس مديرية النشر والتوزيع ب"ايناق" ما هي أولوياتكم خلال الفترة القادمة؟ المديرية المركزية للنشر والتوزيع تعمل على جانبين، جانب النشر، وجانب التسويق والتوزيع. ولدي مجموعة أفكار بالنسبة للجانبين. أولا تحسين أداء المؤسسة وكذا تحسين نوعية الإصدارات التي تخص "موفم" من حيث العناوين ومن حيث الأسماء، وتطعيمها بأسماء جديدة والاستثمار في المؤلف الجزائري الشاب أولا. وكذا إعطاء هذه الإصدارات بعدا عربيا ودوليا بأسماء عربية كبيرة والترويج للمنتج الجزائري في العالم العربي، ليس بالطريقة التي تم اعتمادها سابقا لكن بطريقة ممنهجة في مختلف المعارض العربية ومختلف المنابر الإعلامية العربية. اليوم هناك عدد كبير من المواهب القوية تنشر على حسابها في دور نشر صغيرة، في حين توجد مؤسسة مثل "ايناق" في مقدورها الاستثمار فيهم ومواكبة أعمالهم للخروج إلى السوق العربية. الجوائز العربية والتظاهرات الثقافية في الخارج أثبتت أن هناك مواهب خاصة في الداخل الجزائري يمكن الاستثمار فيها لتحقيق هدفين: أولا الاستثمار في الكاتب الجزائري وتحقيق هدف ثقافي والجانب التجاري. لأن السوق الجزائرية سوق محدودة ويجب توفير أسواق أكبر. والعمل على أن تنافس "ايناق" بالشكل الملائم لحجمها الطبيعي كمؤسسة كبيرة بإمكانياتها بدل أن يقتصر وجودها على المستوى الجزائري في النطاق المتوسط وأحيانا الضعيف مقارنة بمؤسسات ظهرت حديثا. فقد حان الوقت "لموفم للنشر" أن تكتسح السوق الجزائرية وتأخذ مكانتها المناسبة في السوق العربية. .. وهل لك طريقة أو خطة لتحقيق ذلك؟ أفضل طريقة حاليا تتمثل في خلق شبكة توزيع مكتملة دعائمها من "ايناق" لكن ستتم دعوة الناشرين الآخرين لخلق اتحاد الموزعين الجزائريين. وهو اتحاد يشبه اتحاد هاشات الموجود في فرنسا ويضمن التوزيع في 48 ولاية وهذا ممكن جدا. بحيث تملك الوزارة من الهياكل ما يكفي لتكون عندها نقاط بيع أو مستودعات تخزين. استنساخ التجربة الفرنسية يطرح عددا من الإشكالات القانونية كون المركز الوطني للكتاب في فرنسا هو الذي يخطط السياسات الخاصة بالكتاب وليس الأمر كذلك في الجزائر؟ تنظيم ما يتعلق بالكتاب من الناحية المالية والسياسية قد يكون من مهام المركز الوطني للكتاب. لكن في الأمور التجارية لا دخل له فيها إلا في حدود القانون. اتحاد الموزعين الذي نعمل على خلقه يضم دور النشر الخاصة، وصار ضرورة وممكنا في السوق الجزائرية. ونحن قدمنا مشروعا في هذا الإطار لمديرية الكتاب يقوم على توسيع شبكة التوزيع والتسويق للكتاب وحصل على موافقة مبدئية. وهو يوفر في البداية خمسة خطوط أساسية في منطقة الوسط أي 21 ولاية. وقد بدأت الإجراءات لتجسيد هذا المشروع وأعتقد أنه يمكن إتمامه خلال هذه السنة. ومن المهم جدا دعوة الناشرين الجزائريين إلى التفكير في ميثاق مشترك للمساهمة في هذه الشبكة بشكل أو بآخر لأن مرحلة التفكير باحتكار السوق لشركة ما تجاوزها الزمن وإشراك الدور الخاصة صار ضرورة لا بد منها. ولكن يجب أن لا ننسى أن حجر الأساس لنجاح مشروع من هذا النوع هو وجود مكتبات ونحن نفتقر إلى مكتبات حقيقية؟ أولا، الشراكة بين الوزارة وبين القطاع الخاص تتطلب توسيع نقاط البيع والتواجد، وهي عبارة عن مكتبات وهناك أيضا شراكة مرتقبة بين المؤسسة وبين عدد من الهياكل الثقافية لخلق مكتبات. وفيما أعلم أنه يوجد مشروع ضخم في الوزارة لدعم العمل المكتبي ودعم مهن الكتاب بصفة عامة، وسيكون من نتائجه فتح نقاط أو مكتبات وأيضا هناك مشاريع قوانين يفترض أن الوزارة وضعتها على طاولة الحكومة تخص الكتاب. ونحن نتحدث عن سياسة جديدة "لايناق" والكتاب، ما هي نظرتكم للمعرض الدولي للكتاب خاصة وأن انتقادات عدة توجّه كل سنة لطريقة تنظيمه؟ من الضروري إعادة النظر في طريقة تنظيم المعرض الدولي للكتاب، وكنت قد صرحت بهذا سابقا وما زلت مصرا أن الطريقة التي كان المعرض ينظم بها جعلت منه "بازارا" للكتب وليس معرضا محترفا. لست مكلفا به لكن عندي تصوّر كامل كيف يمكن أن يصبح معرض الجزائر معرضا محترفا ومهنيا وتنافسيا. في السنوات الأخيرة تراجع المعرض كثيرا بل وسمح لمعارض أخرى مثل الشارقة مثلا أن تستولي على مساحته الزمنية والفكرية. وقد تعرض معرض الجزائر لإفلاس والإفراغ من روحه وقوته بسبب السياسة التي كانت تعتمدها مؤسسة الفنون المطبعية في السابق بصفتها منظما برغم ما لديها من الإمكانيات البشرية والمادية واللوجستيكية والتي يمكنها أن تجعل معرض الجزائر ينال مكانة محترمة. ومن دون غرور أملك رؤية واضحة، ولدي شبكة علاقات عربية ودولية تمكنني من تجاوز الإشكالات التنظيمية التي كانت في السابق. معرض الكتاب يعاني من خلل فهو لا يملك خطة إعلامية وخطة للتأطير الإداري. نوعية النشاطات بائسة وغير موفقة في معظمها. كان هناك تكريس أسماء على حساب أسماء أخرى واستبعاد خطير لجيل الشباب. لا يوجد استثمار في الكاتب الجزائري وخاصة كاتب الداخل أو مناطق الظل كما سماها رئيس الجمهورية. معرض الكتاب يفتقر إلى جانب احترافي يغري الناشرين بالاستثمار في الجزائر. المعرض الدولي يهتم فقط بالنشر وهذا خطأ أو قصور في الفهم لأن مهن الكتاب تمتد من المؤلف حتى المكتبي. غياب الجانب الاحترافي في معرض الجزائر هو الذي حال دون أن نتمكن من استقدام قامات من وزن بول أو ستر مثلا وكبار الكتاب وهذا بحجج واهية في كثير من الأحيان تتعلق بالفيزا والتأمين المالي وهذه مغالطة كبيرة. معرض الجزائر تحوّل إلى معرض شعبوي ترمى فيه الأرقام من دون هيئة خاصة للإحصاء. ومن الجانب التنظيمي "ماركتينغ" معرض الجزائر سيئ للغاية ويفتقر لخطة إعلامية ناجعة وهذا أمر غريب. وحتى التطبيقات التي استعملت مؤخرا هي تطبيقات بدائية رغم الميزانية المحترمة التي خصصت لها وإن قلصت في الطبعة الأخيرة بسبب شحّ الموارد. مع الشكاوى المستمرة لدور النشر من مواقعها في المعرض وانتشار المحاباة في توزيع الأروقة وأماكن العارضين وتأخر توصيل الكتب وإنهاء التخليص الجمركي وغيرها من المشاكل التي تسيء لسمعة المعرض. ومن ثمة لسمعة البلد لأن المعرض له واجهة ثقافية وواجهة سياسية تتعلق بسمعة البلد فهو "جلد وجه الدولة". لكن وبشهادة الناشرين العرب، يبقى معرض الجزائر أكبر معرض عربي من حيث المبيعات؟ من الناحية التجارية معرض الجزائر هو الثاني بعد معرض الرياض لكن هذه التجارة بالنسبة للدور العربية والغربية تبقى دائما متأخرة بسبب التحويلات المالية والتخليص الجمركي. وقد صار هذا الإشكال سببا في مقاطعة بعض الدور العربية والأجنبية الكبيرة معرض الجزائر لأنها دور محترفة وجادة ولا تتعامل إلا مع الجادين والمحترفين. وإذا استمر معرض الجزائر على ما هو عليه قد يأتي وقت يصبح معرض الجزائر محليا. والغريب فعلا أنه ولا محافظ تمكن من إيجاد حل لمشكل التأخير في التحويلات؟ ولا محافظ وجد حلا للكتب الممنوعة لأن البعض يعتقد أن تنظيم المعرض هو عمل موسمي لفترة وهذا قصور في الفهم لأن المعرض مؤسسة قائمة بذاتها تتطلب خطة جادة بما في ذلك الخطة الإعلامية التي تجعل من معرض الجزائر يخلق تلك الضجة وذلك الزخم الذي نجده في معارض القاهرة والشارقة وأبو ظبي وغيرها. لكن ألا ترى أن جزءا من الإشكالات التي طرحتها لا تتعلق بالمحافظ فقط ولكن بالمنظومة ككل، البنوك والطيران والفنادق والنقل وغيرها؟ لا يمكن أن يرمي المحافظ المسؤولية إلى قطاعات أخرى، ومن تولى المسؤولية عليه أن يتحملها بعيدا عن الإكراهات. أتساءل مثلا ما الذي يجعل مورد المواد الغذائية والتجهيزات المنزلية سريعا في إنجاز دفعاته وتحويلاته ولا يتاح هذا الأمر للقائم على المعرض؟ بالنسبة للفيزا مثلا سبق وأن تعاملت في إطار ملتقى السينما والرواية مع الخارجية الجزائرية ووجدت أن بها إطارات تفهم في الضيافة والعمل وعندما تفهم أن الأمر مستعجل تقوم بالواجب. لا يمكن أن نتحجج بالفيزا لتحدث فضائح مثل تلك التي حدثت مع وحيد الطويلة وصنع الله ابراهيم وحمور زيادة وغيرهم لأن هذه الأمور لا تحدث مع أناس محترفين. منطق حسن التسيير يفرض على محافظ المعرض أن يلعب في بعض الأحيان دور رجل الإطفاء ويتحمّل مسؤولياته بعيدا عن الإكراهات مهما كانت. أعادت" ايناق" منذ مدة إطلاق موقعها، هل يدخل هذا في إطار الإستراتيجية الجديدة التي تحدثت عنها؟ أعتبر مديرية الإعلام والترويج شريكا أساسيا لأي عملية تجارية محتملة، وهذا الخلل الذي كان موجودا في "ايناق" يمكن اعتباره هفوة إستراتيجية لأسباب لا يمكن التفصيل فيها الآن ولا أعتقد أنه من المفيد الحديث عنها الآن لأن هذا الجانب لم يكن مهما للمؤسسة إلا في جانبه السياسي. يجب أن يعاد النظر في الجانب الإعلامي والتسويقي لأن أي ناشر يحتاج إلى "ماركتينغ" لدخول السوق وسنعمل على تطوير وتحديث الموقع بالشكل الذي يليق "بموفم" للنشر. مع الاهتمام بجانب التسويق والتوصيل الإلكتروني. ونتطلع لجعل الكاتب والمؤلف صلة الوصل الأساسية بين الدار والقارئ، وأصر على معاملة الكاتب والمبدع معاملة خاصة لأنه سبب تواجد الدار أصلا وأي ناشر في الحقيقة يدين بوجوده للكاتب، لهذا كنت وما زلت أدين التميز والتفضيل المقرف الذي كان يمارسه المعرض بين كتاب الجزائر وبين الضيوف الأجانب سواء من ناحية الإيواء أو حتى منح مقابل مادي للندوات العلمية والتدخلات. على أي محافظ أن يجد الطرق والآليات التي تسمح له بتمويل الندوات العلمية وتقديم مقابل محترم للكتاب حتى يشعر الكاتب أنه يشارك في الإنجاز وينال حقه وليس "طلاّب" وحتى عندما تطلب السلطة هذا المبدع ليفكر معها فإنه يفكر بمنطق المواطنة وليس بمنطق المعارضة. نتطلع في "موفم" للنشر إلى إحداث ثورة وتغيير جذري في شكل ومضمون الدار. وأعدكم وعد مثقف، أنني سأبذل ما أمكن لجعل "موفم" دار نشر محترمة ومنافسة وليس تلك الدار الحكومية الباهتة الغائبة تقريبا عن الساحة. ونفكر حتى في تغيير تسمية الدار واختيار اسم تجاري. وكذا عقد شراكات مع هيئات عربية كبيرة بعضها بدأ فعلا لتجسيد مشاريع ترجمة واتفاقيات نشر وغيرها. وسنعمل على إطلاق سلسلة دور متفرعة عن الدار الأم حسب التخصصات ولدينا مشروع لسلسة أطلقنا عليها "الأساسيات" في الأدب والفلسفة والتاريخ والفكر وغيرها. ونرمي أيضا إلى استقطاب الأسماء الجزائرية المبدعة والكبيرة في الخارج والمتواجدة في ربوع الجامعات العالمية والعمل على نقل وترجمة أعمالهم. قد يتطلب الأمر بعض الوقت لتوفير ما يجب من "الكادر" البشري والدعم المادي لكن تجسيده ليس مستحيلا.