ظهرت منذ سنوات، تجارب نشر وطبع مشتركة، وسميت أيضا ب: شراكة وتوأمة بين دور نشر جزائرية وأخرى عربية، وتحت هذا المسمى، صدرت وتصدر عناوين أدبية كثيرة لكُتاب من الجزائر ومن بلدان عربية أخرى، في طبعات مزدوجة، وفي نفس التوقيت، حيث ترى النور هنا في الجزائر، تزامنا مع صدورها في عواصم عربية مختلفة. التجربة ورغم أهميتها تبقى محل تناولات متباينة، بين الترحيب وبين التوجس. «كراس الثقافة» اقترب من بعض الناشرين وطرح المسألة عليهم، ومن بين الأسئلة التي تم طرحها في هذا السياق: كيف هوحال وواقع تجربة النشر المشترك بين دور نشر جزائرية وأخرى عربية؟،وماذا عن التحديات التي تواجه التجربة وكذا الآفاق التي تصبو إليها والإنجازات التي حققتها؟،وهل خدمت هذه الشراكة الكِتاب الجزائري، وهل ساهمت في حركة التوزيع؟،وبالتالي ساعدت في إيصال الصوت الأدبي الجزائري إلى جغرافيات أخرى غير الجغرافيا المحلية، التي كثيرا ما يشتكي الكاتب الجزائري بأنه أسير حيزها، أم أن التجربة لم تنضج بعد، وأنها ظلت مجرد محاولات؟. إستطلاع/ نوّارة لحرش النشر المشترك هو المُخلِص لما آل إليه وضع الكِتاب في بلادنا العربية الناشرة آسيا علي موسى، مديرة منشورات «ميم»، تتحدث بهذا الشأن: «قد أذهب في جوابي إلى أن النشر المشترك هو المُخلِص لما آل إليه وضع الكِتاب في بلادنا العربية. في نهر مقروئية خامل، نحتاج لنستمر وننتشر، إلى أكثر من مجداف لنحرك هذا المدى النائم ولنطرق باب القُراء بابا بابا، مادام ما هو موجود لا يكفي لنقاوم ونتطور.هذا الخيار لم يعد جزائريا فحسب بل كل الدور العربية تسعى إليه.المشرق يسعى إلى المغرب والمغرب يحث الخطى نحو المشرق ليحدث التبادل والتكامل والتعاون». صاحبة «رسائل إلى آدم»، أضافت: «قطعا تخدم الشراكة الطرفين على مستويات مختلفة.يعج المغرب العربي بطاقات هائلة ولغة وسيطة -الفرنسية- تخدم المشرق ويملك المشرق إمكانات كبيرة وتجربة كبيرة كتابةَ،طباعةً ونشرا وتوزيعا. الشراكة تلح أكثر وهي خطوة فعالة ستنجب تجارب هامة وتغطي مساحات معرفية وإبداعية أكبر». دار ميم للنشر، تضيف الناشرة آسيا علي موسى: «تمضي في هذا المجال في أول خطوة لها مع دار مصرية محترمة وجادة (دار رؤية) وستقدمان للقارئ العربي وتزودان مكتبته بدراسات هامة يكون لها أثرها البناء في البحث وستسهم لاحقا في عمليات الترجمة ونشر إبداعات عالمية تخدم القارئ، الباحث والكاتب. ومن بين عناوين دارميم الجزائرية بالاشتراك مع دار رؤية المصرية التي تحققت هذا العام، أذكر على سبيل المثال -من القصيدة إلى الكتابة- للدكتورة راوية يحياوي، -سرديات جيرار جينيت- للدكتور مصطفى منصوري، -سيمياء الأنساق- للدكتورة آمنة بلعلى، -المعجم العربي في ضوء النقد اللغوي- للدكتور خالد هدنة، -التداولية واستراتيجية التواصل- للدكتورة ذهبية حمو الحاج، -نظرية الإستعارة التداولية والخطاب الأدبي- للدكتور عمر بن دحمان، -عامة القيروان- للدكتورة دلال لواتي، -التحقيب والإيديولوجيا- لمحمد قراش، وعناوين أخرى غيرها، ستصدر في طبعات مزدوجة ومشتركة، بين دار ميم ودار رؤية المصرية». آسيا علي موسى التي لها تجربة مهمة في عالم النشر، من خلال دار ميم التي أسستها وثابرت لحجز مكانة محترمة لها بين دور النشر العربية وليس الجزائرية فقط، خلصت في ختام تصريحها إلى أن النشر المشترك ضرورة ملحة في عالم اليوم، للناشر والكاتب والكِتاب معا، إذ تقول في هذا السياق: «يمثل النشر المشترك فرصة يسعى إليها الكاتب أيضا كوسيط لإنتشار أوسع أمام مشاكل التوزيع المحلية وقلة المقروئية». لدينا نظرة خاطئة للنشر المشترك أما مصطفى ماضي، مستشار دار القصبة للنشر والتوزيع، فقد أبدى وجهة نظر مغايرة، إذ قال: «نحن في الجزائر ننظر بصورة خاطئة للنشر المشترك. في حين النشر المشترك الحقيقي، هو الذي يتم عن طريق شراء دار نشر معينة لحقوق كتب معينة من دار أخرى، ونحن في القصبة، لدينا تعاملات مع دور نشر فرنسية، حيث نقوم بشراء حقوق إعادة نشر لعدة مؤلفات، وفي طبعاتنا نشير دائما إلى أن هذا الكِتاب قد تمت عملية شراء حقوقه من الدار الفلانية، أو الناشر الفلاني، وحتى الآن قامت دار القصبة بشراء حقوق طبع أكثر من 18 كتابا من ناشرين فرنسيين ودور نشر فرنسية، في حين دار الشهاب اشترت حقوق طبع حوالي 50 عنوانا، والبرزخ حوالي 90 عنوانا، وهذا طبعا لفائدة القاريء الجزائري، ونحن بكل تأكيد نُثمن بعض التجارب القليلة في الجزائر، لكن نراها غير كافية». مصطفى ماضي، أضاف، أن «الناشر العربي، لا يبحث عن شراكة مع دور نشر جزائرية، بقدر ما يبحث عن مترجمين جزائريين، لأنه يعاني نقصا في هذا المجال من ناحية الكم ومن ناحية الإتقان للغة الفرنسية أيضا، في حين لا يعاني نقصا من ناحية تسويق الكِتاب، لأن الناشر العربي سوقه ليست محلية فقط في بلاده، إنما سوقه عربية في معارض الكِتاب المنتشرة في كل البلدان العربية، في حين الناشر الجزائري، لا يُصدِر ويعتمد فقط على سوقه المحلية المرتبطة عادة بموعد الصالون الدولي للكتاب». لولا النشر المشترك لما حققنا شيئا من أحلامنا آسيا موساي، مديرة منشورات الاختلاف، أبدت رأيها في المسألة، وهذا انطلاقا من تجربة الاختلاف الرائدة في مجال الطبع المشترك، حيث قالت: «تجربة النشر المشترك خدمتنا كثيرا، مثلا، مؤخرا كانت معارض عربية للكِتاب وقد عُرضت جميع إصداراتنا هناك، الكاتب الجزائري الذي يكتب باللغة العربية يحق له الوصول إلى قارئ هذه اللغة أيا كان، نحن نؤمن بهذا الامتداد الثقافي رغم كل خيبات الشعارات القومية ورغم انهيار جميع الأحلام العروبية، نحن نؤمن أن هناك خيط ما يمر بيننا نحن الناطقين بهذه اللغة المنتمين إلى هذا التراث المشترك، ندافع عن وجودنا الثقافي بواسطة العمل المشترك وخلق فضاء يتشارك فيه جميع الكُتاب العرب أيا كانت جنسياتهم، والواقع لولا النشر المشترك لما حققنا شيئا من أحلامنا في هذا المجال بالذات». موساي، أضافت في ختام تصريحها: «الواقع أن الانتشار خارج الجغرافيا المحلية ليس حلما يراود الكُتاب الجزائريين فقط، بل الكثير والكثير من الكُتاب العرب يهمهم الوصول إلى القارئ الآخر، القارئ في الجزائر، وفي المغرب.قُراء المغرب العربي حلم لكثير من كُتاب المشرق وكثيرا ما يختارون النشر عندنا لهذا السبب بالذات». النشر المشترك لن يحل مشكل التوزيع ولا إيصال الصوت الأدبي إلى جغرافيات أخرى من جهته، يرى مدير دار الحكمة، أحمد ماضي، أن النشر المشترك لن يحل مشكل التوزيع أو إيصال الصوت الأدبي إلى جغرافيات أخرى، وقد قال بصريح العبارة: «إن إيصال الصوت الأدبي الجزائري إلى جغرافيات عربية، أو جغرافيات أخرى ليس بالمهمة السهلة، ولن تقوم بها جهة واحدة، وإنما يحتاج الأمر إلى استراتيجية وطنية، ورؤية واضحة، بعيدة عن الارتجال وموضوع النشر المشترك، لن يحل المشكلة، ولن يحقق الهدف وحده، وإنما هو بحاجة إلى الكثير من الجهود المشتركة، كما أن النشر المشترك تعترضه الكثير من العقبات القانونية والبيروقراطية والعلمية». وأضاف ماضي: «النشر المشترك الحقيقي يتطلب مجموعة من الشروط غير متوفرة في الجزائر، (منها غياب الشرط/الإطار القانوني). فكيف نتحدث عن نشر مشترك ونحن لا نملك شركة أو مؤسسة لتوزيع الكِتاب. أعتقد أن الساحة الجزائرية ليست مؤهلة له، وإن كان لدار الحكمة وجهة نظر في الموضوع، فإننا بحاجة إلى تعاون أكثر بين كل المؤسسات الوطنية الرسمية والأهلية والمثقفين». من المفترض أن تكون شراكة الطبع ذات فائدة للقارئ أولا ثم للكاتب في حين، عبد الكريم ينينة، مدير دار «أوال» للنشر والتوزيع، ثمّنَ تجربة النشر المشترك، ورد قائلا: «نعم تجربة النشر المشترك بين دور نشر جزائرية وأخرى عربية هي شراكة من المفترض أن تكون ذات فائدة للقارئ أولا ثم للكاتب إذا أخذنا ضرورة وأهمية انتشاره خارج حدود بلده، ثم داري النشر في الجانبين وحضورهما خارج حدود بلديهما». ينينة، أضاف معلنًا: «دار -أوال-الفتية والتي تأسست مؤخرا، تفكر جديا في مسألة الطبع المشترك وسنعمل مستقبلا في هذا الاتجاه بالشروط التي ستعود بالفائدة لهذا الثالوث، «القارئ/الكاتب/دار أوال»، بحيث سنوفر الكثير على الكُتاب الراغبين في الطبع خارج الوطن وكذلك خدمة للقارئ، فكثير من الأعمال الممتازة التي طُبعت لجزائريين خارج الوطن لم يطلع عليها القارئ الجزائري كما ينبغي، مثلما حدث لرواية -الموت في وهران- للحبيب السايح و-ثقوب زرقاء- للخير شوار». نؤمن أن الطبع المشترك يساهم في خدمة الأدب الجزائري وفي إيصال صوته وانتشاره أما صاحب دار فيسيرا للنشر والتوزيع، توفيق ومان، فيرى أن النشر المشترك، مر بتجارب عديدة، لكن أكثرها لم تستمر، لأن هذه التجارب حسبه تخضع لمعيار الموسمية، لا أكثر، وهنا قال: «بالنسبة للشراكة في الطبع، كانت هناك تجارب متفرقة خصوصا مع دور نشر عربية لكن لم تدم طويلا، حيث كانت محاولات شبه فاشلة وكانت موسمية فقط،محصورة خاصة بمناسبة صالون الجزائر الدولي للكتاب، لهذا لم يُكتب لها الاستمرار، وهذا لأن الدور الأجنبة، أو العربية، تريد الفائدة والهيمنة على الدور الجزائرية وهي غالبا تتعامل بنظرة فوقية.أذكر أنه كانت هناك مثلا تعاملات مع دار الفارابي بالنسبة للمؤسسة الوطنية للنشر والإشهار ولم تدم.كما كان نفس الحال بالنسبة لدار فيسيرا مع الفارابي ودار الجيل، هذا بالنسبة للنشر المشترك وهناك أمثلة كثيرة مع دور نشر أخرى لم يكتب لها الاستمرار». وحين سألنا ومان، إن كانت دار فيسيرا لن تفكر في النشر المشترك مرة أخرى، ولا تأسيس شراكة مع دور نشر عربية أخرى، رد بسرعة: «لا، أبدا، عندنا على مستوى فيسيرا الكثير من المشاريع وهي متنوعة ومختلفة، وسنواصل في إنجاحها وتوسيعها مع أن العملية غير سهلة، ومع هذا لا ننوي قطع شراكتنا في مجال الطبع، إذ وبكل جدية، سنستمر مع دار الجيل اللبنانية، وسنسعى إلى توسيع نشاطنا معها هنا في الجزائر وفي لبنان، هذا لأننا نؤمن أن الطبع المشترك يساهم في خدمة الأدب الجزائري، وفي إيصال صوته وإنتشاره عربيا». الطبع المشترك فرصة جيدة للكاتب والكِتاب الطيب لسوس، مدير دار ميترو للنشر والتوزيع، يرى في الطبع المشترك فرصة جيدة للكاتب والكِتاب، وقد صرّح قائلا: «أرى أن النشر المشترك، خطوة مهمة، يجب أن تُدرس من كل الجوانب، وهي فرصة للكاتب الجزائري، أن ينتشر في بقاع أخرى وأن يسافر أدبه خارج الوطن وأن يتجاوز الإنشار المحلي، إلى انتشار أوسع، عربيا أو عالميا إن أمكن. شخصيا أثمن أي تجربة نشر مشترك، خاصة حين تكون جدية وعميقة وإيجابية، لأنها تشكل مكسبا حقيقيا». لسلوس، لا يرفض أن يخوض غمار مثل هذه الشراكة، ويقول: «مبدئيا أرحب من خلال دار ميترو، بالعمل المشترك في مجال الطبع مع دور نشر عربية أو فرنسية، المهم أن نتفق على النقاط الكبيرة، وأن نؤمن بالفكرة، بعدها، يمكننا أن نذهب بعيدا في التجربة، وأن نحقق الانتشار والنجاح معا»