تفطن القصر الملكي في المغرب أخيرا إلى أن خسائره الاقتصادية والدبلوماسية في إبقاء القطيعة سياسيا وغلق الحدود مع الجزائر لن تعود إلا بالوبال وسوء الأحوال على نظامه وتجارته وشعبه بالمناطق الحدودية. لذا تعتبر الدعوة لإعادة فتح تلك الحدود بزعم أن الوقت حان لترتيب أوضاع منطقة المغرب العربي هي حجة لا يمكنها أن تقنع حتى أبسط دارس مبتدئ للعلوم السياسية والعلاقات الدولية، كما أن إطلاق الدعوة بعد تعثر المفاوضات مع البوليساريو يعطينا إشارات تجعلنا نعتقد أن من ذهبوا إلى مانهاسن وتفاوضوا هناك تطرقوا إلى ملف الحدود المغلقة بين البلدين وليس إلى موضوع تقرير مصير الصحراويين!المثير في موقف الجزائر الرسمي أنه لم يكن حاسما بالقدر الكافي، خصوصا أن الصراع الدائر في الظل بين الجزائر والرباط أخذ بعدا إعلاميا كبيرا، وأحيط بهوشة دعائية جعلت المغاربة يعتقدون أن دعوة الملك جاءت استجابة لكلمة عابرة قالها الرئيس بوتفليقة لرويترز مضمونها أن فتح الحدود أمر وارد، أما نحن في الجزائر، فقد تم تسويق الأمر على أن المغرب يعاني اقتصاديا ويلّح على فتح الحدود اليوم قبل الغد، وكلا التفسيرين مخطئ، ولو أنهما يتضمنان بعض الصواب، لكنهما لا يحملان أي دوافع مشجعة على فتح الحدود وإعادة العلاقات إلى مجراها العادي بعيدا عن لغة العاصمة الأقوى والأخرى التابعة التي تحاول الرباط التسويق لها منذ سنوات، مستغلة الأوضاع الصعبة التي مرت بها البلاد وكذا عمق مستنقع الإرهاب الذي غرقت فيه! ملف الحدود بين المغرب والجزائر بدأ اقتصاديا وسياسيا، وقد كانت له علاقة مباشرة بسيادة كل دولة في موقفها، لكنه آل بعد سنوات من الشد والجذب إلى نهايات أمنية بالأساس، ذلك أنّ صاحب قرار فتح الحدود اليوم، سيكون لزاما عليه غدا إقناعنا أنه نجح في تأمين كل المعابر من مافيا المخدرات والمتفجرات والعابرين بدون شرعية فوق الحدود المغلقة، علما أنّ الظرف التي أتخذ فيه قرار الغلق قبل 14 عاما تضاعفت معطياته الآن بشكل أكثر قوة، كما أن حلّ المشكلة لن يكون إعلاميا مثلما بدأ، بل تقنيا بالأساس لحساب ورصد أرباح الدولتين وخسائرهما من فتح الحدود أو إبقائها مغلقة إلى إشعار آخر!