غرقت أوروبا في السنوات الأخيرة في موجة استعداء شديدة للإسلام و المسلمين،ظهرت تداعياتها جلية بعد تفجيرات نيويوركوواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر2001.وقد جاء في مقال لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، بداية هذا الأسبوع، أن أوربا تشهد تناميا ملموسا للحركات الإلحادية التي تسعى إلى التأثير على الساحة السياسية ودوائر صنع القرار، وأضافت "إن الدول الغنية - وخاصة في أوروبا - تشهد تزايدا في عدد الأشخاص الذين لا يؤمنون بأن هناك إلها للكون أو نارا أو أي شيء آخر سوى الحياة الدنيا". وتحمل الحركات الإلحادية في أوروبا شعارات مخيفة ومتطرفة حتى على الطبيعة لإنسانية، من مثل "لقد ولدت مُلحدا من جديد" و "الملحد السعيد"وغيرها من الشعارات المناهضة للأديان المطبوعة على الملابس والتي بدأت تنتشر بشكل متنامٍ في شوارع العواصم الأوروبية كالعاصمة البريطانية لندن. وفي السياق ذاته أوضحت الصحيفة أن "عضوية جمعيات وحركات الملحدين في تزايد مستمر، إضافة إلى أن الكتب المعادية للأديان احتلت قائمة الكتب الأكثر مبيعا، ومن أبرزها كتاب "أكذوبة الرب" لصاحبه ريتشارد دواكنز الأستاذ بجامعة أوكسفورد البريطانية". وأشارت الصحيفة إلى أن الملحدين ينطلقون من الجامعات الأوروبية، وخاصة بريطانيا، مشيرة إلى أن "الجمعية العلمانية الوطنية" وهي جماعة ملحدة تسعى لفتح فروع في عدد من الجامعات البريطانية، أما "رابطة الإنسانيين البريطانيين" وهي جماعة ملحدة بارزة، فقد تضاعف أعضاؤها في عامين ليبلغوا 6500 عضو، وهذه الزيادة شهدتها أيضا جماعة ملحدة تابعة للبرلمان البريطاني، من 25 عضوا إلى 120 عضو في عام واحد. وقالت الصحيفة الأمريكية بأن عدد مدونات الإنترنت التي تروج للإلحاد تزايدت، بشكل كبير، موضحة أنها الوسيلة التي يلتقي من خلالها الملحدون الذين يفتقدون لدور العبادة، موضحة أن الملحدين يبقون أقلية بالرغم من الزيادة الملموسة في عددهم، مشيرة إلى أن استطلاعات الرأي الحديثة أظهرت أن 3 من كل 4 مواطنين في العالم متدينون. وعن كيفية التحرك داخل المجتمع قالت الصحيفة إنهم وجدوا أن مصطلح "ملحد" يحمل معنى عدوانيا، لذلك لجأوا إلى إطلاق مسميات على أنفسهم مثل علمانيين أو إنسانيين أو واقعيين. ولم تقتصر أنشطة تلك الجماعات عند ذلك الحد، وإنما تكثف للتأثير سياسيا في الدول الموجودة بها والترويج لها عبرا لفضائيات، حيث تقول "دورين ماسي" وهي عضو بمجلس اللوردات البريطاني وتنتمي لإحدى الجماعات الملحدة إنها وأعضاء آخرين يضغطون ضد قرارات ذات أبعاد دينية، مضيفة "إننا لا نقبل أن تكون الأخلاقيات والقيم الروحية حكرا على الأديان.. فالآن أصبحت الجماعات الملحدة أكثر ثقة في نفسها وأكثر قوة، وتدرك أنها تمثل طموحات عدد من الناس". وتروج الجماعات الملحدة أيضا في بريطانيا وإسبانيا وإيطاليا لإقامة حفلات زواج وجنازات وغيرها من المناسبات الدينية دون ربطها بالدين، وتفريغها من أية مقولة أو نص إلهي، كما تطالب بإغلاق الأماكن المخصصة للعبادة بالمستشفيات العامة، بحجة أن المسلمين يطالبون بحجرات للصلاة بتلك المستشفيات أسوة بالمسيحيين، معتبرين أن الحل يكون بحظرها على الجميع مسلمين ومسيحيين. ويرى خبراء أن الحركات الإلحادية بدأت تظهر في دول يلعب الدين دورا كبيرا فيها مثل الهند وإسرائيل، وقال الأكاديمي الأمريكي فيل ذوكمان الذي كتب كثيرا عن الإلحاد في العالم قائلا "إن ظهور الحركات المناهضة للدين في مجتمع ما دليل على قوته.. فإذا كان الدين ضعيفا، فلا يشعر مثل هؤلاء الملحدين بضرورة تشكيل جماعات مناهضة له". ما تجدر الإشارة إليه في ختام هذا المقال الهام، أن أوروبا تتحرّك بين النقيضين، فهي إما بين أيدي اليمين المتطرف، الذي يكيل الكره للإسلام و المسلمين ويطلق إنذارات متواصلة بشأن مخاطر "أسلمت"أوروبا، وبين الإلحاد الذي يريد أن يقضي على ما "تبقى" من المسيحية فيها وأي دين آخر..أوروبا في خطر لأنها ارتمت في أحضان التكنولوجيا والعلم بعيدا عن منظومة أخلاقية تدّعي تبنيها والدفاع عنها، فهل بالإمكان القول أنّ القارة العجوز تعيش مرحلة "تآكل داخلي" أو أنها تقطع مرحلة من مراحل المخاض، الله وحده أعلم بالمولود الذي ستضع؟ ما هو أكيد اليوم، أن أوروبا باتت بين أيد تريد بها شرا، مثلما أراد المسيحيون الجدد بالأمريكيين شرا؟؟ م.هدنه/الوكالات