لا حجة اليوم لمن كان قد ربط مصيره أو مصير الاستحقاق الرئاسي القادم بفرضية ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة رابعة، لأن الرئيس، وبتوافق مع أركان الدولة، يكون قد حسم الموقف حتى قبل بث صور آخر اجتماع لمجلس الوزراء هذا الاثنين، مع استبعاد تعديل الدستور وغياب أية إشارة إلى الاستحقاق الرئاسي القريب. قبل شهرين كنت قد جازفت باستشراف لخصت مفرداته في العنوان "لا تمديد ولا تجديد بل تأبيد لعهد بوتفليقة" اعتبرت فيه أن الرئيس ليس بحاجة إلى عهدة رابعة، بعد أن نجح في الشهور الأخيرة في توحيد رأس قيادة الجيش، ومعالجة بؤرة مديرية الأمن والأبحاث "دي آر اس" بما يسمح للمؤسسة بالتعامل مع المستجدات ومنها الاستحقاق الرئاسي القادم. الآن وقد اقتنع الجميع أو يكاد يقتنع باستحالة الذهاب إلى عهدة رابعة، وخسر المرشحون المعلنون وقتا ثمينا في الترقب، وفي تفكيك رسائل التضليل التي سربها النظام عبر وسائطه في قيادة جبهة التحرير والأجرام الدائرة في فلكها، عليهم أن يتعاملوا مع الخطة الاحتياطية للسلطة، التي تفترض وجود مرشح بديل تحت اليد، قد تم إعداده والتفاهم معه على أدق التفاصيل، حالما يتأكد النظام من امتناع الرئيس عن الترشح. دعونا نساعد هؤلاء في استجلاء بعض المواصفات للشخصية التي يكون قد رسا عليها الرأي كخليفة محتمل للرئيس بوتفليقة. لنتذكر أن الجزائر قد حكمت منذ الاستقلال بسبعة رؤساء، جاء جميعهم من مخزون جيش التحرير: بومدين، بن جديد، زروال، علي كافي، وبوتفليقة، أو من قيادات المنظمة السرية: الجهة المؤسسة لجبهة التحرير وجيش التحر: بن بلة وبوضياف، ولا أرى أن البلد قد شهد ضعفا في بنية السلطة الحاكمة منذ الاستقلال، حتى يسمح بفتح التداول على رأس الدولة لشخصية لم تعجم كنانتها وتمحص داخل مؤسسة الجيش الوطني الشعبي وريث جيش التحرير. فلا سبيل إذا للبحث عن مرشح السلطة القادم خارج هذا الوعاء، ويبقى فقط البحث عن مواصفات إضافية: منها مقدار انضباط "المختار" بسنن السلطة العرفية، وتحرره من وهم التوكل على قوة خارج قوة المؤسسة، ومواصفات كثيرة لا يتسع المقام لتفصيلها. أكثر من تجمعت له اليوم مثل هذه المواصفات، رجل من الدولة العميقة، خريج كلية أشبال الثورة، وعقيد سابق في جيش التحرير، تولى مناصب قيادية عليا منها رئاسة الحكومة، ليس له خصومات تذكر، لا مع قيادة الجيش الحالية، ولا مع فريق الرئيس الحالي، ولا مع أدوات السلطة في الأحزاب والنقابات، وله قبول دولي يسهل تسويقه، مع اكتسابه في التسعينيات لصفة رجل الإصلاحات في السياسة والاقتصاد، وفي نشوء التعددية السياسية والإعلامية، لم يكن محسوبا على التيار الاستئصالي في السلطة، ولم تكن له عداوة مع مكونات الإسلام السياسي. فهل أنا بحاجة بعد هذا التوصيف إلى القول: إن مرشح الإجماع البديل الذي سوف تتحرك الآلة السلطوية عما قريب لتسويقه والترويج له، إنما هو ابن الشمال القسنطيني رئيس الوزراء الأسبق مولود حمروش؟