"الجماعة السلفية لا تزال قادرة على زعزعة الأمن في الجزائر" أوضحت آن غيوديتشيلي، الخبيرة الأمنية الفرنسية المختصة في قضايا الإرهاب، أن العمليات الإرهابية الأخيرة التي تعرضت لها الجزائر تكشف عن جوانب من قدرة تنظيم "الجماعة السلفية" لزعزعة الأمن والاستقرار بالجزائر، مع الإشارة إلى أن أجهزة الأمن الأوروبية لم تستطع تحديد مواصفات دقيقة تجمع المنخرطين في سلك الجماعات الإرهابية. كما أعطت في السياق ذاته قراءتها الخاصة لتفجيرات 11 ديسمب بداية، هل هناك تقديرات بخصوص عدد الإرهابيين المنخرطين في صفوف "الجماعة السلفية للدعوة والقتال"؟ تقدير عدد الإرهابيين الناشطين يعتمد أساسا على مصدرين، الأول منهما مصدر رسمي، وهو متعلق بتصريحات المسؤولين الأمنيين الجزائريين، في حين أن المصدر الثاني هو تقديرات المصالح الأمنية الغربية المتتبعة للقضية. ولهذا، أعتقد أنه من الصعب إعطاء رقم دقيق لعدد الإرهابيين في الجزائر، فهناك الإرهابيون الناشطون، وهناك الإرهابيون المعتقلون في السجون. وهناك التائبون، كما أن هناك من عاود الالتحاق بالجماعات الإرهابية بعد استفادته من تدابير المصالحة الوطنية، وهناك جماعات الدعم والإسناد، والخلايا النائمة.. وباعتبار كل هذه المعطيات، أعتقد أن العدد الحالي للإرهابيين يتراوح بين 800 إلى 1000، على أكثر تقدير. وكيف يتم تجنيد أعضاء جدد في تنظيم "الجماعة السلفية"؟ لقد لاحظنا أن هناك تجنيدا كبيرا بالنسبة لصغار السن من المراهقين، وهم يسهل إقناعهم بما لا يقتنع به غيرهم من الراشدين، ويظهر هذا جليا في بعض أشرطة الفيديو الدعائية للتنظيم الذي نشرها على شبكة الأنترنت، حيث يظهر عدد معتبر من المراهقين. وحتى بالنظر إلى العمليات الانتحارية السابقة، فإن بعض من نفذها أطفال مراهقون يبدو أنهم استغلوا لتفجير أنفسهم لسطحية أفكارهم وسهولة تعبئتهم بأفكار جاهزة تهدف إلى أغراض معينة. ولكن، ليس الأطفال فقط هم من ينضمون إلى "الجماعة السلفية"، لأن التنظيم يستفيد من أفراد مكونين ومدربين ومهيئين للعمل العسكري. وتجدر الإشارة هنا إلى أن التنظيم الإرهابي يعمل وفق نظام الخلايا المستقلة، ولهذا لا يُسمح بالتواصل بين المُجندين الجدد الذين يخضعون لنظام هرمي مستقل لكل خلية على حدة. تصريحات المسؤولين الجزائريين تقول إن تنظيم "الجماعة السلفية" الذي أصبح يُعرف باسم "قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي" تضعف ولم تعد تشكل خطرا على الأمن القومي، لكن الواقع يُثبت غير ذلك.. وإذا كان من الصعب الجزم بأن قوتهم تزداد، إلا أنه من المجازفة أيضا القول إنهم يضعفون.. لأنه ما بين 11 أفريل و11 ديسمبر ربما أمكنهم إعادة تنظيم صفوفهم، بل وحتى تلقي دعم خارجي، وهو ما سمح لهم بالقيام بعمليات تثير صدى كبيرا، على الصعيد الأمني والإعلامي. حاولت الأجهزة الأمنية الأوروبية وضع مواصفات محددة يجتمع عليها الإرهابيون، فهل يمكن فعلا إدارج الإرهابيين في خانة واحدة؟ لقد حاولت الأجهزة الأمنية الأوروبية وضع وصف يمكن من خلاله تصنيف الإرهابيين، ولكن النتيجة التي توصلوا إليها هو أنه لا يوجد وصف محدد للمنخرطين في سلك الجماعات الإرهابية، وإن كانت هناك بعض المحددات التي يمكن اعتبارها قاسما مشتركا لأغلبيتهم. فالإرهابيون الجدد أغلبهم من الشباب، ثم إنهم في مجملهم ذوو مستقبل محدود، ولديهم مشاكل تتعلق بالهوية، كما أنهم ينقمون على النظام السياسي ويعتبرونه ظالما ولابد من تغييره، ونحن نلاحظ أن بعض وصايا الانتحاريين التي يعدونها قبل تفجير أنفسهم يتحدثون بكثرة عن "الظلم" و"العدالة المنشودة"، وهذا يعني أن أكبر محرك لهم هو الشعور بالظلم والإقصاء من طرف المجتمع أو من طرف الدولة. هناك من قال إن مخططي تفجيرات 11 ديسمبر حاولوا إيصال رسائل معينة، فما الذي تقرأونه من هذه العمليات الأخيرة؟ أول رسالة يمكن قراءتها هي الكشف عن إمكانيات التدمير التي يحظى بها تنظيم "الجماعة السلفية"، فالرسالة الأولى تقول بوضوح: "لا زلنا قادرين على إلحاق الضرر بكم وزعزعة أمنكم واستقراركم". كما أن الرسالة الثانية جاءت بضرب رمز محلي وآخر دولي: فالهدف المحلي المتمثل في المجلس الدستوري يعني رفض رموز النظام وما يمثله من هيئات ومؤسسات، كما أن الهدف الدولي المتمثل في مقر هيئة الأممالمتحدة يعني عزل الجزائر وإرجاعها إلى سنوات التسعينيات بواسطة ترهيب الأجانب ودفعهم إلى مغادرة الجزائر. ويمكن إضافة إلى هذا إضافة قراءات بين السطور، ولكنها في الغالب تحليل وليس معلومات خبرية، حيث أن سن الانتحاريين يوحي ضمنا بأن "قاعدة الجهاد في المغرب الإسلامي" لا تستغل الأحداث والصبيان، وإنما يؤمن بمبادئها الشباب والشيوخ كذلك. وهل تعني هذه التفجيرات أن هناك خللا أمنيا ما في المنظومة الأمنية الجزائرية؟ لا ينبغي أن ننسى أن القيام بتفجيرات انتحارية في منطقتي بن عكنون وحيدرة يعني ضربة نوعية، لأنها أصابت عمق أكثر المناطق أمنا في العاصمة، واستهدافها هو بمثابة كسر طابو لم يتمكن أحد من كسره من قبل. ثم إن طبيعة التحضير لعمليات إرهابية يعني القيام بمراقبة الأهداف ودراستها واكتشاف الثغرات الأمنية التي يمكن الدخول منها، وهذا ما فعلته "الجماعة السلفية" ونجحت فيه لأنها وجدت ثغرة أمنية تمكنت من استغلالها. لو نقارن ما حدث في 11 ديسمبر بتفجيرات 11 أفريل، فإن الدولة أعطت حينها انطباعا بالتحكم في زمام الأمور، وتلا ذلك توقيف أو القضاء على أعضاء بارزين في التنظيم الإرهابي، لكن هذه العمليات جاءت لتعاكس مسار هذه "الانتصارات" الأمنية وتضعها موضع التشكيك. وهل تُعتبر الجزائر منطقة غير آمنة بالنسبة للمستثمرين الأجانب بعد التفجيرات الانتحارية في هذه السنة؟ بعد تفجيرات 11 أفريل، لم تقدم الدولة الجزائرية إشارات مهدئة للمستثمرين الأجانب، وهو ما جعل بعضهم يعتقد أن الجزائر ستنزلق إلى سنوات العشرية الحمراء، وما يرتبط بها من مخاوف وآلام. لقد انتظر الرأي العام، الجزائري والدولي، تصريحات للرئيس عبد العزيز بوتفليقة عقب العمليات الانتحارية لإعطاء مزيد من الثقة وطمأنة الجزائريين والأجانب المقيمين في الجزائر، لكن هذا لم يحدث إلى حد الساعة. في الحقيقة، هناك خطاب قوي لدعم المصالحة، ولكن هذا في رأيي لا ينبغي أن يطغى على حساب تبني سياسة واضحة لمكافحة الإرهاب. حاورها: مصطفى فرحات