.أكدت آن غيوديتشيلي، الخبيرة الأمنية وصاحبة مؤسسة "تيرو ريسك"، أن "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" نجحت في الحصول على دعم تنظيم "القاعدة" في مجال التخطيط للعمليات وهيكلة الخلايا والتجنيد والدعاية أكثر من الحصول على الدعم اللوجستي، موضحة في السياق ذاته أن استهداف المدنيين اعتُبر ضربة قاصمة للجماعات الإرهابية في الجزائر وباقي دول العالم الإسلامي أفقدتهم تعاطف الشعوب الإسلامية وجعلت عملياتهم تحظى بالاستياء والاستنكار * مصداقية "القاعدة" ضُربت في الصميم لأنها استهدفت المسلمين الأبرياء * - شهدت الجزائر انخفاضا محسوسا فيما يخص تنفيذ العمليات الإرهابية، هل يدل ذلك على نجاح الخطة التي تبنتها أجهزة الأمن في الجزائر، أم على ضعف هذه الجماعات الإرهابية نفسها؟. * * إذا عدنا إلى الاعتداءات الإرهابية الأخيرة التي طالت الجزائر في شهر جوان الماضي وقارناها بالعمليات السابقة التي شهدتها الجزائر في السنة الماضية، خاصة هجمات 11 أفريل و11 ديسمبر، فإننا نلاحظ أن التنظيم الإرهابي غيّر شيئا من استراتيجيته، حيث اعتمد منهجا تصعيديا بتنفيذ هجمات عديدة، اذ قام بحوالي 5 عمليات خلال ستة أيام في شهر جوان الماضي فقط، ولكنها لم تكن بحجم وقوة العمليات الأولى. لقد صار من الصعب عليهم أن ينفذوا هجمات ذات نوعية مثل تلك التي قاموا بها في السنة الماضية، ولكي يظهروا قدرتهم الميدانية فإنهم يلجؤون إلى هذه العمليات كتعويض وتحذير بأنهم لا يزالون متواجدين وأنهم يمكنهم تشكيل خطر وتهديد. كما أنه من الواضح اليوم أن الاستراتيجية التي لجأت إليها الأجهزة الأمنية الجزائرية تؤتي ثمارها على صعيد العمليات ذات المدى والصدى الكبيرين، فتأمين الأماكن الحساسة وتوقيف عدد من أعضاء التنظيم صعّب مهمة القيام بتفجيرات نوعية، لكن بالمقابل هذا لا يعني أن قدرة هذه الجماعات على المناورة والهجوم أصبحت معدومة، فهم يمكنهم اللجوء إلى خطط أخرى للتأقلم مع الوضع الجديد بالتنسيق مع الدول المجاورة مثل موريتانيا، وهم يلجؤون إلى دول الساحل ويربطون اتصالات مع جماعات أخرى مبثوثة على أراضي هذه الدول من أجل الدخول في مرحلة أخرى من مراحل المواجهة. لكن الهدوء الظاهري الذي يعرفه المشهد الأمني الجزائري منذ شهرين تقريبا يُعتبر شيئا غير كبير في تقدير الجماعات الإرهابية، ولهذا يجب أخذ الحيطة وتوخي الحذر. * - هل هناك استراتيجيات جديدة قد تلجأ إليها (الجماعة السلفية) للتأقلم مع الأوضاع الأمنية الجديدة؟ فمثلا اعتمدت الجماعة خطة تقضي بتجنيد الأطفال، ثم الشيوخ والنساء، فما هو أبرز مشاهد المرحلة الحالية برأيكم؟ * * أعتقد أنه من الصعب الجزم بشيء حول هذا الموضوع، ولكن إذا تأملنا مجريات الأحداث يمكننا القول إن أحد أهداف التنظيم اليوم هو توظيف المقاتلين خارج الحدود الجزائرية وإنشاء جماعات تتحرك وتقوم بمناورات وعمليات ميدانية في الدول المجاورة. * -هناك أيضا مسألة ارتباط الجماعة السلفية للدعوة والقتال بتنظيم القاعدة، وهو أمر لا زال يثير جدلا إلى الآن حتى بعد تبني أيمن الظواهري للتنظيم الجزائري ومباركته انضمامه، فهل يوجد لديكم معطيات جديدة حول هذا الموضوع؟ * * لقد كان البحث منصبا منذ مباركة الظواهري وإعلانه انضمام (الجماعة السلفية للدعوة والقتال) تحت راية تنظيم (القاعدة) حول ما إذا كانت هناك علاقة فعلية بين التنظيمين: هل هناك علاقة لوجستية، أم أن الأمر أحيط بهالة دعائية تخدم مصلحة التنظيمين وإن لم يكن بينهما ارتباط فعلي؟ * - لقد أظهرت الوقائع منذ نهاية عام 2006 أن (الجماعة السلفية) التي لم تعد تشكل خطرا على أمن الجزائر حصلت على إمكانيات لم تكن تملكها من قبل، ونحن نعلم أن "القاعدة" ليست تنظيما مهيكلا يخضع لسلم هرمي واضح، "فالقاعدة" مجموعة من الجماعات والأفراد التي التقت في مواطن القتال وتمكنت من تبادل الخبرات، واستطاعت عبر خلايا موجودة عبر العالم من ربط اتصال مع جماعات يملكون علاقات مع من يملكون إمكانيات لوجستية. * - لكن، هل يمكن القول إن هناك فعلا علاقة بين التنظيم المحلي والعالمي أم أن الأمر لا يعدو أن يكون توافقا ايديولوجيا ودعاية إعلامية؟ * * هذا الموضوع كان محل بحث وتساؤل، وأنا أعتقد أن الترابط بين التنظيمين ليس ترابطا أيديولوجيا أو لوجستيا فقط، بل هناك أيضا الترابط الإستراتيجي، وهو الأوضح، ويتجلى ذلك بوضوح في الاعتداءات الإرهابية التي تعرضت لها الجزائر في سنة 2007، حيث بدا واضحا أن هناك تغييرا كبيرا في استراتيجية (الجماعة السلفية للدعوة والقتال) إلى درجة تُشبه حدّ التطابق ما يقوم به تنظيم (القاعدة). الطريقة التي نُفذت بها العمليات الإرهابية لم تكن تستدعي تقنيات عالية، لكن تحديد الأهداف المراد مهاجمتها وتقنيات الاستقطاب والتجنيد والدعاية وطريقة تنفيذ العمليات بدت متطابقة، وهو ما يعني برأيي أن الدعم الذي تلقته "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" من طرف تنظيم "القاعدة" يكمن في هذه الآليات المذكورة وليس في الدعم اللوجستي، خاصة وأننا نرى أن السلاح المستعمل في العمليات لا يحوي خصوصية معينة، ويمكن الحصول عليه عن طريق عصابات التهريب والإجرام النشطة في شريط الساحل. * - ندرة العمليات الإرهابية على الأراضي الأوروبية أعطت انطباعا بتفوق الأجهزة الأمنية الغربية على تنظيم (القاعدة)، هل تعتقد مصالح الأمن الأوروبي اليوم أن تنظيم (أسامة بن لادن) لا يشكل خطرا عليها؟ * * نشاط الجماعات الإرهابية يحظى باهتمام أوروبي كبير، خاصة لدى الدول المتوسطية مثل إسبانيا وفرنسا وإيطاليا، وأجهزة الأمن الأوروبية تتابع بانتظام ما يحدث في دول المغرب العربي من حيث الجانب الأمني، ورغم ندرة العمليات الإرهابية على الأراضي الأوروبية إلا أن درجة اليقظة والمتابعة لا تزال عالية جدا، والتنسيق بين أجهزة الأمن الأوروبية والمغاربية، خاصة الجزائرية منها، كان كبيرا من حيث التنسيق وتبادل المعلومات، لاسيما وأن التهديد داخل أوروبا يأتي من طرف الخلايا النائمة، وحتى الاتحاد المتوسطي الذي أسس رسميا في 13 جويلية ضمّ بندا متعلقا بالجوانب الأمنية رغم تركيزه على قضايا الهجرة غير الشرعية. * وفي الجزائر، العمليات الإرهابية في 11 أفريل و11 سبتمبر التي خلفت عشرات الضحايا من المدنيين أحدثت نقاشات حادة داخل أوساط (الجماعة السلفية للدعوة والقتال) حول مشروعية استهداف المدنيين، وحُسم الخيار لصالح تيار عبد المالك درودكال الذي اعتبر أن المدنيين ليسوا بالضرورة أبرياء وإنما قد يكونون "متواطئين أو عملاء للحكومة"، فالإدانة تلحق المدني بمجرد أنه يعمل في مبنى حكومي أو يعمل لصالح شركة أجنبية تُعتبر في أدبيات التنظيم الارهابي عدوا، أو يُعتبر ضحية تواجدت في وقت العمليات في المكان الخطأ. وبعد كل عملية يُصدر التنظيم بيانا يُحذّر فيه المواطنين من الاقتراب من المباني التي يرتادها "الكفار أو المرتدون" حسب تعبيرهم، وكأنه إبراء للذمة إذا سقط هنالك ضحايا.. استهداف المدنيين في الجزائر أثر كثيرا على التنظيم، خاصة فيما يتعلق بتجنيد أعضاء جدد. * - هذا يعني أننا نشهد بعث عقيدة (الجماعة الإسلامية المسلحة) من جديد، رغم أن التنظيم يزعم أنه يرفض سلوكياتها ويتبرأ منها؟ * * نعم.. كانت هذه إحدى الاتهامات التي وجهت إلى (الجماعة السلفية)، حيث اعتُبر ما تقوم به رجوعا إلى الوراء وترسّمًا لخطى (الجيا) الذين أفتوا بعموم ردة الشعب الجزائري، رغم أنهم يعتبرون أن تنظيمهم أحدث قطيعة تامة مع أفكار (الجيا)، وأنهم يمثلون الامتداد العالمي لحركات "الجهاد" في أفغانستان والعراق. لكن المؤكد هو أن الجزائريين لا يؤيدون على الإطلاق تنظيم (الجماعة السلفية).