أصبحت صناعة و تصميم و تطوير تطبيقات الهواتف النقالة من اهتمامات مئات الجزائريين، الذين تحول حلمهم إلى هواية فمصدر رزق يدر عليهم بملايين الدينارات، ولعلّ من أهم أسباب هذا التحول دخول خدمات الجيل الثالث للهاتف النقال حيز الخدمة في الجزائر، وهو ما يجعل تحقيق فكرة صنع في الجزائر أو«made in Algeria» أمرا ممكنا وقابلا للتجسيد. ويعود السبب الرئيسي لهذا التحول، إلى كون الاستثمار في هذا المجال لا يحتاج إلى إمكانيات مادية كبيرة، حيث يكفي جهاز إعلام آلي مربوط بالانترنت، مما أدى بالكثير من الشباب الجزائريين "هواة ومحترفين" إلى التفاعل مع عالم التطبيقات، خصوصا مع دخول خدمات الجيل الثالث من الهاتف النقال حيز الخدمة جانفي 2014، لتكون بذلك بمثابة الانطلاقة الأولى لتطبيقات الهواتف النقالة في الجزائر، ورغم اختصار التطبيقات على عدد من البرامج إلا أنه مع مرور الوقت ستحدث لا محالة ثورة في تطوير وصناعة التطبيقات، وستجعل تجربة استخدام الهواتف أكثر متعة وفائدة، وستتحول إلى نمط معيشي يومي في حياة الجزائريين. تطبيق "مايسترو" يلم شمل الاصدقاء في عطلة نهاية الأسبوع يقول الطالب "أومعزيز محمد أمزيان" صاحب تطبيق مايسترو الذي صممه رفقة زميلته "سنينات نسرين" وهي طالبة سنة ثالثة اعلام الي بالمدرسة الوطنية للإعلام الالي بواد السمار، في تصريح ل "الشروق" إن تزايد الاعتماد على الهواتف الذكية ساهم في إحداث طفرة نوعية في صناعة التطبيقات، مشيرا إلى أن هذا الأمر دفع بالكثير من الشباب إلى التنافس في تطوير تطبيقات ستلبي الاحتياجات الأساسية وستمكن المستخدمين من الحصول على خدمات مختلفة في جميع مجالات الحياة، إضافة إلى مطالب الشباب المتمثّلة في تأمين فرص العمل وزيادة الفرص الاقتصادية أمامهم. وبخصوص تطبيق "مايسترو" فأوضح المتحدث، أنه عبارة عن دليل للتظاهرات الجزائرية، بحيث يمكن لأي حامل لهاتف ذكي ينزل التطبيق من الاطلاع على مختلف الاحداث والنشاطات القريبة منه خاصة الثقافية والفنية والفكرية والسياحية، دون عناء، كما يساعده على معرفة جميع تفاصيل تلك النشاطات من تواريخ وأسعار، وأماكن تنظيمها وغيرها، مع مشاركة الأصدقاء تلك المناسبة، وعن فكرة تصميمه للتطبيق، يقول المتحدث أنها نتيجة انعدام المعلومات عن نشاطات قد يستغلها الجزائريون لقضاء عطلة نهاية الأسبوع. ويرى المصمم أن مستقبل تطبيقات الهاتف النقال في الجزائر، سيكون واعدا، وسيتطور ليشمل جميع مناحي الحياة على غرار ما هو معمول به في الخارج، ولكن الفرق فقط في كون التطبيقات ستكون جزائرية التصميم 100 بالمائة. " DZ Code Route " في خدمة مليون جزائري يبحثون عن رخصة السياقة سنويا وفيما يتعلق بالمقابل المادي، أوضح "بن ديمراد أحمد أنس"، مصمم تطبيقDZ Code Route الذي يسمح بتعلُّم قانون المرور الجزائري، أنه يأتي من خلال اقرار رسوم معينة لتحميل التطبيق، أو جعل التطبيق مجانا مع بيع المساحات الإعلانية داخله، أو من خلال بيع ميزات خاصة داخل التطبيق مع بقاء مجانية تحميله. وبخصوص فكرة التطبيق قال المتحدث أنها جاءت بعد الصعوبات الكبيرة التي واجهها أثناء تحضيره لاجتياز امتحان الحصول على رخصة السياقة، مضيفا أنه عندما حاول الاطلاع على قانون المرور على النت لم يجد سوى قوانين المرور الأجنبية، في غياب قانون مرور جزائري، وما زاد في رغبته في تصميم هذا التطبيق اكتشافه لوجود أزيد من 1 مليون جزائري مترشح لاجتياز امتحان رخصة السياقة سنويا، قبل أن يقترح الفكرة على زميله ''سناج يونس''، حيث سيسهل التطبيق على آلاف الجزائريين الراغبين في الحصول على رخصة السياقة الاطلاع على قانون المرور من خلال لمسة واحدة على الهاتف النقال. وأبرز المتحدث أن أي شاب يريد أن يستثمر في مجال التطبيقات، ما عليه إلا أن يأتي بفكرة مبدعة، ثم يتوجه إلي أحد المواقع التي تساعده في بناء التطبيق ومن ثم يقوم برفعه على منصات التحميل المعروفة، مشددا على أن الشباب الجزائريين بإمكانه تحصيل أموال وهم جالسون إلى مكاتبهم في بيوتهم، قبل أن يعود ليؤكد على أن العملية تبقى مجرد هواية قبل كل شيء. Smart StuDZ للقضاء على البيروقراطية في الجامعة ويقول الأستاذ الجامعي دواس بلال صاحب تطبيق Smart StuDZ أن الأخير يساعد الطالب على تسيير مساره الدراسي وتنظيم حياته من خلال الوظائف التي يوفرها (التوزيعات الزمنية، الغيابات، النتائج، تعقب الادوات المقرضة أو المقترضة)، وأضاف أن التطبيق يدخل في إطار مشروع أوسع ويهدف إلى إنشاء بيئة رقمية شاملة للجامعة الجزائرية تتوفر على أدوات وحلول لكل الفاعلين فيها(أساتذة، طلبة،إدارة،مكتبة،...) أو المتعاملين معها على شكل أرضية و مجموعة من البرامج النقالة التي تعتمد عليها. وحول الفكرة يقول بلال إنها نابعة عفويا من علاقته اليومية مع الوسط الجامعي ومعرفته بتفاصيله والعراقيل التي تواجه محاولات للنهوض بالقطاع بحيث أن رقمنة البيئة الجامعية من شأنها القضاء تماما على مظاهر البيروقراطية الإدارية من خلال توفير المعلومة آليا لكل من له الحق في الولوج إليها من دون وسائط. وبشأن مستقبل التطبيقات النقالة في الجزائر يرى المتحدث أنه يرتبط أساسا بمدى تعميم تقنيات الجيل الثالث فما فوق للولوج لخدمات الإنترنيت فالسوق المحلية بحسبه واعدة لكن الأمر أيضا مرتبط بعوامل سياسية و اجتماعية. ومع ذلك نستطيع القول أن الجزائر تتوفر على كل العوامل التي تسمح لها بأن تتطلع لنمو واعد في هذا المجال خاصة من حيث الكفاءات الشابة التى تبحث عن أطر لتحقيق نجاحات، أيضا بإمكان كل الفاعلين الاقتصاديين تحفيز النمو في هذا المجال لمصلحة الكل". وأشار بن ديمراد إلى أن عملية تطوير التطبيقات ليست صعبة، حيث إن المنصات جاهزة والخدمات موجودة وما على المطور إلا أن يستخدم الشفرات والبرمجيات لتقوم بأداء وظيفة معينة، مطالبا المؤسسات المعنية بمساعدة الشباب بتقديم دورات وبرامج تعليمية، لمساعدة المطورين الهواة على جعل تطبيقاتهم مصدرا للربح، وتعليمهم كيفية الحصول على مردود مالي من التطبيقات في سوق الهاتف في الجزائر الذي سيصل الى نحو 30 مليون هاتف، إلى جانب إقامة المسابقات لتحفيز الشباب على الابتكار وإدخال مادة التطبيقات في المناهج الدراسية والتعليمية، وهو ما من شأنه أن يوجد تطبيقات واعدة تنافس إقليميا وعالميا، كما سيمكن من ضمان قرابة نصف مليون وظيفة للشباب البطال. المصمم عبد القادر بن خالد مدير شركة دي زاين ل "الشروق" غياب التشريعات القانونية للتطبيقات الموبايل يعرقل الابتكار والاستثمار فيه ما هو واقع صناعة تطبيقات الموبايل في الجزائر؟ مازالت تطبيقات الموبايل في الجزائر في فترة الحضانة، فنحن لم نفلح بعد في تقديم تطبيقات منافسة محليا علاوة على المنافسة العالمية، وهذا راجع في الأساس على التأخر الفادح في تسويق خدمات الأنترنت المحمول بجيليه الثالث والرابع، وكذلك إلى مستوى التكوين الأكاديمي الذي يتلقاه الطالب في كليات الإعلام الآلي والذي يبقى بعيدا عن تلبية احتياجات السوق المحلية من المطورين والمبرمجين، وعليه فواقع هذه التطبيقات مازال في خانة "تطبيقات الهواة". كيف تقيمون مستوى تطبيقات الموبايل التي صممها جزائريون؟ كما قلت آنفا، مع أني أشجع المنتوج المحلي من التطبيقات إلا أن مستواها يبقى في خانة "تطبيقات الهواة" في الوقت الذي نبحث عن تطبيقات احترافية خالية من المشاكل التقنية والفجوات الأمنية وتقدم أفكار جديدة للمستخدم المحلي والأجنبي، كما أني ألقي باللوم أيضا على زبائن هذه التطبيقات، وأقصد بالتحديد الهيئات الحكومية ومتعاملي الهاتف النقال الذين يصرون على التعامل مع شركات أجنبية دون إعطاء الفرصة للشباب الجزائري. ألا تعتبرون أن عبارة "صنع في الجزائر" او "made in Alegria" بدأت تجد نفسها من خلال تطبيقات الموبايل؟ ليس بعد، فغالبية التطبيقات المصنوعة محليا لا يمكن مقارنتها على الاطلاق بالتطبيقات الأجنبية، ولا أقصد بالأجنبية أوربا أو أمريكا، أنا أتكلم على دول في مستوى الجزائر أو أدنى منها شأنا في المجال الاقتصادي والديموغرافي، إذ لا يعقل دول مثل تونس ولبنان والمغرب وغيرها أن تنجح في صناعة سوق محلية لتطبيقات الويب والموبايل فيما تبقى الجزائر بعيدة عن هذا الشأن، فحتى التشريعات القانونية والاقتصادية لم تغط بعد هذا النوع من التجارة، فلو أراد الشاب الجزائري – أو حتى الأجنبي – تأسيس شركة في الجزائر متخصصة في تطبيقات الموبايل سيجد صعوبات جمّة في اختيار رمز النشاط الاقتصادي. إلى أي مدى تتضمن تطبيقات الموبايل الجزائرية الهوية الوطنية؟ هذا ايضا مشكل عويص آخر، يفترض أن أول تطبيقات الموبايل احتواءً للهوية الوطنية هي التطبيقات الرسمية التي لم تر النور بعد، على غرار خدمات الدفع الالكتروني والاطلاع على الرصيد والخدمات الإلكترونية الأخرى، فكيف إذن نطلب من المبرمج الشاب الذي يعتمد على إمكانات بسيطة أن يصمم تطبيقا جيدا ويتضمن هوية وطنية واضحة؟؟ إن الحصول على تطبيق جيد هو تحالف وتضافر جهود مختلفة من الديزاين (التصميم) والبرمجة وقبل كل ذلك الفكرة الإبداعية وتجاوز النسخ واللصق. ألا تعتقدون أنه من الأهمية بمكان أن تواكب سلطة الضبط التطور الحاصل في سوق النقال، من خلال استحداث هيئة خاصة لمتابعة مضمون تطبيقات الموبايل التي تصمم في الجزائر؟ سلطة الضبط، تبدو غير متحكمة بشكل جيد في سوق الهاتف النقال وخدمات الاتصال، فكيف لها أن تهتم أيضا بسوق تطبيقات الموبايل ؟؟ يجب استحداث هيئة قوية للمرافقة والدعم والتطوير والتفكير الاستراتيجي وليس في المراقبة وكبح الإبداع. كيف يكون العائد المادي لمصمم التطبيقات؟ وهل يمكن لسوق التطبيقات أن يقلص من نسبة البطالة في الجزائر؟ نعم هذا لا شك فيه، نحن الآن أمام ثورة تكنولوجيا أكبر وأشمل، فالدراسات تقول أن الجزائر تخسر أزيد من 6 مليارات دولار سنويا لتباطئها في إطلاق خدمات الجيل الثالث والرابع، بل وتخسر أزيد من نصف مليون وظيفة عمل دائمة ومباشرة، لذلك أنا أتكلم عن فرص حقيقية لخلق مناصب الشغل وإدماج الشباب في الحقل الرقمي. أهم ما سيدرّ أموالا طائلة في مستقبل الأيام، هو الخدمات والمنتوجات التي ستوجه للاستهلاك حين تعميم إطلاق شبكة الجيل الثالث، والرابع مستقبلا، وأكاد أجزم أن تطبيقات الهاتف النقال على مختلف المنصات (أنرويد - الويندوز فون - البلاك بيري - iOS ..) ستنال حصة الأسد سواء كانت تطبيقات خدماتية أو ترفيهية، ومن ذلك تطبيقات تحديد المواقع وتطبيقات الأمان والتطبيقات المكتبية وغيرها .. غير أن هذا لن يكون سهلا بالنظر إلى أمرين اثنين يجب علينا مراعاتهما : الأول : غلاء اليد العاملة المؤهلة كما كل القطاعات، سنجد صعوبة في إيجاد يد عاملة مقبولة حتى لا أقول مؤهلة، لكن المشكل يزداد تعقيدا عند الوصول إلى قطاع التكنولوجيا، فإيجاد مطوّر ويب أو مطور تطبيقات يكاد يندر، وهو ما دفع إلى ارتفاع أسعار مثل هكذا كفاءات وهذا يشكل عائقا أمام أي تقدم سريع في مجال التقنية، ويمكن حل هذا المشكل في النقطة الثانية. الثاني : خريجو الجامعة الجزائرية ما زال المنهج المعتمد في جامعاتنا الجزائرية وبالخصوص في كليات الإعلام الآلي، يعتمد على برامج تعليمية جدّ قديمة أكل عليها الدهر وشرب، فما فائدة تخريج آلاف المهندسين الذي لا يحسنون تطوير مواقع إلكترونية تنافس المواقع العالمية، فضلا عن برمجة وتطوير تطبيقات للهاتف النقال ؟؟ إن إلقاء نظرة سريعة على الكليات في الوطن العربي (كليات الإعلام الآلي) نجد تخصصات حديثة لا تتواجد في أي جامعة جزائرية على غرار تخصص التصميم الرقمي، أو البرمجة الكفية (التطبيقات..)، ومع هذا، سنشهد مستقبلا ميلاد العديد من الشركات التي لها اهتمام في هذا المجال، لذا فهذه دعوة للشباب لتحضير أنفسهم والاهتمام بالبرمجة والتقنية للمساهمة جميعا في نهضة البلاد.