تحول خلاف بين زوجين بالعلمة إلى قضية إنسانية أقدمت خلالها الأم، المزدوجة الجنسية، على ترحيل ابنتها القاصر "وفاء" إلى فرنسا دون ترخيص من والدها الذي حرم من رؤية ابنته منذ عام، ما دفعه إلى رفع شكوى إلى العدالة تتضمن إبعاد قاصر إلى الخارج. وبالمقابل وجد نفسه مطالبا بالامتثال أمام القضاء الفرنسي في نفس القضية، بالرغم من أن القنصل العام للسفارة الفرنسية بعنابة يعطي الحق في الفصل في النزاع إلى السلطات الجزائرية، ليبقى الإشكال قائما بين العدالة الجزائرية والفرنسية، في الوقت الذي يطرح تساؤل كبير عن كيفية تمكن الأم، التي تملك جنسية فرنسية، من ترحيل الطفلة وفاء دون إذن من والدها. كل شيء كان عاديا بالنسبة للشاب (م.س) المتزوج بالعلمة (ولاية سطيف) من امرأة مزدوجة الجنسية، والتي أنجب معها بنتا تجاوزت الآن السادسة من عمرها تدعى "وفاء" والتي دخلت السنة الماضية، مرحلة التمدرس بالعلمة، لكن بعد نشوب خلاف بين الزوجين انتقلت الزوجة إلى بيت أهلها رفقة ابنتها، وبعد مدة علم الأب أن ابنته غابت عن المدرسة، ولما استفسر عن الأمر اخبره أهل الزوجة، أن ابنته توجهت إلى فرنسا رفقة والدتها وستزاول دراستها هناك، هذا الخبر نزل على الوالد كالصاعقة، وبمجرد السماع به سقط مغشيا عليه، وهنا بدأت متاعب هذا الرجل التائه بين القضاء الجزائري والفرنسي من أجل أن يتمكن من رؤية ابنته التي فارقته منذ عام. فالأم أخذت ابنتها قبل أن يتم الطلاق بينها وبين زوجها، وكان ذلك بتاريخ 03 نوفمبر 2006، حيث توجهت إلى مطار 8 ماي 45 بسطيف، إذ ركبت رفقة وفاء الطائرة المتوجهة إلى مدينة ليون الفرنسية، وهي الرحلة التي أثارت جدلا كبيرا، لأن القانون الجزائري يمنع الطفل القاصر من مغادرة الوطن دون إذن من والده. كما أن الطفلة وفاء كانت في فترة التمدرس وانقطعت عن الدراسة فجأة وسط العام الدراسي دون علم والدها الذي قام بإيداع شكوى لدى محكمة العلمة بتاريخ 06 نوفمبر 2006 تحت رقم 9405، وتتضمن إبعاد قاصر متمدرس دون تسريح أبوي وهي الشكوى التي تم على إثرها فتح تحقيق تبين من خلاله أن الطفلة غادرت الوطن دون إذن من والدها، وبالرغم من التحجج بخروج الأم بجواز سفر فرنسي، إلا انه - حسب محامي الوالد الأستاذ فرحاتي طارق - فإن "القانون الجزائري لا يسمح بخروج قاصر إلا بتصريح أبوي حتى وإن كانت الأم تحمل جواز سفر فرنسي والأكثر من هذا الأب لا يعلم مكان تواجد ابنته وحرم من حق الاتصال بها وهو حق مشروع قانونا". بالمقابل وجد الأب نفسه مطالبا بالامتثال أمام القضاء الفرنسي، إثر شكوى تتعلق بالحضانة رفعتها ضده الزوجة بمكان تواجدها بفرنسا، حيث أخذت شكواها بعين الاعتبار، رغم أنها تزوجت في الجزائر، إذ تم استدعاء الأب أكثر من مرة، لكن المعني رفض التوجه الى فرنسا للامتثال أمام العدالة الفرنسية، باعتبار أنه جزائري ويملك عقد زواج جزائري. وبالتالي، فإن الحكم في القضية من صلاحيات العدالة الجزائرية. ويقول محامي الوالد إن "القانون ينص على ضرورة الاحتكام للقضاء الجزائري وفقا لمكان إبرام عقد الزواج ومسكن الزوجية". وأمام تنامي الجدل بين القضاء الفرنسي والجزائري قام الوالد ببعث رسالة الى القنصل العام للسفارة الفرنسية بعنابة، الذي رد بدوره بمراسلة رسمية مؤرخة في 23 مارس 2007 ممضية من طرف نائبه "باتريس ماتون" يؤكد فيها أن القنصلية ليس لها حق التدخل في الخلافات العائلية، ويدعو المعني الى الاتصال بالقنصلية الجزائريةبفرنسا المكلفة بالدفاع عن مصالح الرعايا الجزائريين. أما وزارة العدل الفرنسية، فقد دعت المعني للتحول الى السلطات الجزائرية المختصة في الفصل في هذا النزاع وفق الاتفاقية المبرمة بين الدولتين بتاريخ 21 جوان 1988 المتعلقة بالزواج المختلط بين الفرنسيين والجزائريين. وحسب مسؤول مكتب الخدمات المدنية والتجارية الدولية التابع لوزارة العدل الفرنسية، فإنه بإمكان هذه الأخيرة أن تزود وزارة العدل الجزائرية بكل المعلومات المتعلقة بهذه القضية. كما قام الوالد ببعث رسالة الى رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، وأجابته مصالح الرئاسة أنه مطالب بانتظار ما ستؤول إليه القضية، طالما أنها مطروحة على القضاء للنظر فيها. وبالرغم من أن المعني بعث كذلك رسالة الى وزير العدل والمدير العام للشرطة، إلا أنه لحد الساعة لم يتلق أي رد، لتبقى القضية محل خلاف من حيث الاختصاص، فالزوج يطالب بالامتثال أمام القضاء الجزائري والزوجة تطلب تدخل العدالة الفرنسية، وبين الأمرين يبقى الوالد محروما من رؤية ابنته "وفاء" الموجودة في مكان ما بفرنسا، وهي الآن مشتاقة للتلفظ بكلمة "أبي" التي تعني كثيرا بالنسبة لطفلة في السادسة من عمرها. سمير مخربش