الجزائر التي كانت سباقة إلى ترسيم مبدأ تجريم الانقلابات العسكرية في الاتحاد الإفريقي، وتجميد عضوية أي بلد يحكمه انقلابيون، كانت السباقة – على لسان وزير خارجيتها – إلى اعتبار تجميد عضوية مصر تسرعا ويجب أن تعود بسرعة.. وكانت السباقة إلى خرق هذا المبدأ بسعيها الحثيث لإرجاع مصر إلى كنف المنظمة القارية، وكانت السباقة إلى استقبال وزير خارجية الانقلاب المصري، وكانت السباقة إلى استقبال عمرو موسى أحد عرابي الانقلاب، استقبالا رسميا من طرف رئيس الجمهورية دون أن تكون له أية صفة رسمية سوى التذرع بصفته السابقة كأمين عام سابق للجامعة العربية.. والمسيء في كل هذا أنها توجت هذه السلسلة المعيبة باستقبال قائد الانقلاب على الشرعية في مصر الفريق السيسي، الذي رقى نفسه إلى مشير ثم فرض نفسه رئيسا على المصريين.. لقد غدت الجزائر دولة دون هوية ديبلوماسية ولا مواقف مبدئية، تناضل من أجل مبدأ ثم تتصرف ضده في انتهاك صارخ، وتناقض معيب.. فكيف لبوتفليقة رجل الحوار و السلم والمصالحة – كما أكد أكثر من مرة - الذي جاء لإخماد نار الفتنة وترسيم المصالحة الوطنية ومحو ما خلفه الانقلاب في الجزائر، يستقبل رسميا قائد الانقلاب في مصر، الذي يتفنن في اقتراف ما رفضه بوتفليقة ويعمل على إصلاحه ومحو آثاره الكارثية منذ أكثر من خمسة عشر عاما.. قد يكون من مصلحة الجزائر ألا تتجاهل الأمر الواقع على اعتبار أن التعامل مع السيسي أصبح شرا لابد منه، على ضوء المستجدات المحلية والإقليمية، لكنها كانت في غنى عن هذه السقطة الدبلوماسية التي تسيء إليها كبلد يسعى إلى إشاعة الديمقراطية والحوار وتكريس الحريات واحترام حقوق الإنسان التي تدفعه إلى الالتزام بمبدأ التحفظ تجاه رئيس مدان داخليا وإقليميا ودوليا.. فلا تشرفه بأن يكون أول بلد يزوره ويحظى فيه باستقبال رسمي كبير ويعيره اهتماما دبلوماسيا ملفتا..