جاء الإسلام دينا يبني الرجال الصادقين المخلصين بتعاليمه وشرائعه، لقد وجد الدنيا بأهلها وسكانها في واقع مرير ورأى فيهم أن الحياة عليهم سلطانا يهدر كل قيمة، يقاتل في سبيلها يحب، يٌبغض في سبيلها يطغى ويمنع، من هذا المنطلق عاش الناس على الأرض مضطربة وبعقول متناقضة، فقد شغلهم نصب الصخب فيها وملأ قلوبهم حب الدنيا وزينتها، يركضون في فجاجها مع رغائب البدن، لا يذوقون طعم الراحة النفسية الروحية، يشعلون نيران العداوة والبغضاء بين الناس وبين صلة الادحام وذوي القربى والجار الجنب وجميع الخلائق. كانوا عبيد الملادة وعبيد الهوى يتباهون فخرا وافتخارا يحتقرون الناس وكأنهم ملائكة يمشون في الأرض يظهرون ما لا يبطنون وساتحالت الدنيا عليهم (إلا من رحم ربه) نارا تلظى، وانها لعمري تدعو إلى الرثاء المخزن. ومن هنا وهناك كانت رحمة الله وسعت كل شيء أرسل الله رسله يصلحون في الدنيا كل انحراف أو خلل ويبغونها صلاحا واستقامة وهداية. وكانت شرائعهم تعمل في محيط الإنسان تحدد لهم معالم الطريق السوي لعيش كريم ودنيا فاضلة بفرائض أودعها الله خيره ونعمائه وجعل له دوافع الكمال في ورع وخشية تكون بذدكل توفيقا وحفظا من رعاية الله عز وجل ولعل أهم وأسمى العبادات السامية الصوم أبلغ آية في تكوينه فيه آيات قرآنية محكمات من بينات فيه السبع المثانى فواتح أم الكتاب. إن الإنسان المسلم حق الإيمان يجد مناحى وهموم الحياة تؤرقه وتتفرق به في لج الظلمات فيجد في الصلاة سكينة وطمأنينة والصوم صبرا والزكاة مبعث حب ورحمة والحج طريق ألفة ومودة وتعاون وتعارف واخلاص ترابط أرواح مجندة في ملكوت الرحمن علام الغيوب. فالصوم جنة ووقاية للمسلم فبصومه وقد اختلى على أعين الرقباء واختفى فلا تراه عين باصرة ولا تمسه منهم فاحشة والتحلي بكل فضيلة شهرا كاملا بل أشهرا كاملة فيا ويح من ظن نفسه أنه قديس ملائكي رهباني يدعى وهو كله نفاق وعدم الوفاء بالعهود ويتدخل في شؤون لاتهمه ولاتعنيه حتى يلقى مالايرضيه من الله ومن عباده، نجانا الله جميعا من أهل هذا الصنيع المشين. إن الإنسان وهو يؤدي فريضة الصوم يجب أن يتأدب بآدابه ويلتزم بحدوده يحاسب نفسه قبل فوات الأوات فليس الدهر بمخلّد، ما أحوج المسلم وهو أقرب إلى الله من حبل الوريد كان على ربك حتما مقضيا أن يوقظ ضميره الغافل، ويبعث كوامن الخشية لله، ما يعاني الفرد مرجعه إلى الضمائر الميّتة والقلب الغليظ الحقود تحركها مفاصل البغي وتنكرها لأبسط قواعد الأخلاق الكريمة. إن شهر الصيام شهر مبارك تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب جهنم وتغل فيه الشياطين. فمن الواجب الحتمي الشرعي التخلق بخلق من أخلاق الرسول الأكرم القائل: "إنما بعثت لأتتم مكارم الأخلاق". فالمقصود بالصيام الالتزام، بهذه الفريضة يعود بالنفع المؤكد على الإنسان المسلم التقي ظاهرا وباطنا من ناحيتي الجسم والروح. طوبى للذين صاموا صوما مقبولا يدخله ولا يداخله الرياء والتفاخر فإما صوم حقيقي أم غير ذلك مشكوك فيه بسوء الأخلاق، لأن الصوم هو العبادة الوحيدة والفريدة التي تتمثل السر الذي يشهده الله وحده وهي غير ظاهرة للناس. قال لي والدي الشيخ محمد النذير زاوية الشيخ العموري حينما كنا في عمرة في رمضان يعاتبني على كسلي يا ابني شهر القرآن أنزل حقا للعالمين فصم رمضانه واشكر له هو جنة من جنان الحق فيه من المودّدة تبدي لك صلة الأرحام ما أنت يا ابني إلا عبد ضعيف عابر فيا عبد الرحمن عليك بالقرآن شفاك بالعقل والتعقل في رمضان وطيب اللسان لا فرق بين هذا وذاك عند اللّه حرام. الحقيقة يا اخوتي في الله والسلام، أوصيكم ونفسي بطاعة الله وتقواه تحلوا بلباس الرحمة والتراحم لأن رمضان الصيام يعود بعد عام وعام وما نحن بداركين ما بقى لنا في الحياة مدد وقدر محتوم فبادروا قبل فوات الأوان في الأجل مكتوب (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدعه طعامه وشرابه) أو كما قال صلى الهل عليه وسلم - إنما الصوم جنة، فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجعل وإن امرؤ قاتله أوو شاتمه فليقل: اللهم إني صائم اللهم إني صائم. إني العبد الضعيف قدمت أمام ساداتي القراء، في جريدة الشروق، شروق نور ومشرقة أنوار الأبصار فإنها لاتعمي الأبصار لكن تعمى القلوب التي في صدور، قدمت بعض النصائح لنفسي أولا وإلى عامة من أطلع على هذه التوطئة الموجزة نُرضى بها ربنا وننصر بها ديننا وقد قدمته بأسلوب ميسور وما قصدت بذلك إلا وجه الله، وأدعو الله أن يوفقني لأعود وأكمل المشوار مع جريدتنا الغراء الشروق، فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والله لي التوفيق فهو حسبي ونعم الوكيل. تقبل الله صلاة وصيام وقيام جميع المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها وجعل بلدنا بلدا آمنا مستقرا وارزق أهله من الثمرات والنعم لعلهم يشكرون وماذلك على الله بعزيز.