المحاكم ومجالس القضاء من أبرز الهيئات التي لا تتوقف عن النشاط طيلة أيام السنة وحتى صيْفا، الأمر الذي جعل المختصين ومنهم الهيئة المدنية لإدماج ذوي السوابق العدلية والوقاية من العَوْد، تدق ناقوس الخطر من ازدياد عدد المُنخرطين في عالم الإجرام. تؤكد السلطات كل مرة انخفاض الأجرام في الجزائر السنوات الأخيرة، لكن ما نراه من مُحاكمات يومية في قضايا الجنح والجنايات، وتواصلها حتى في عز الصيف وتناوب القضاة على عطلتهم السنوية، يجعلنا نجزم بازدياد الجريمة في المجتمع وليس العكس. وعن هذا الموضوع، اعتبر عمّار حمديني رئيس الهيئة المدنية لإدماج ذوي السوابق العدلية والوقاية من العَوْد في اتصال مع الشروق أن "من أسباب انتشار الجريمة في المجتمع، السياسات الترقيعيّة للدولة، وعدم متابعتها للمسبوق قضائيا بعد مغادرته السجن، فبدل تركيز الدولة على سياسة القضاء على البطالة وبناء مراكز تكوينية ومهنية للشباب، وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني بمختلف الأحياء ومراقبة نشاطها، تعكف على بناء السجون وأنْسنتها". ويرى محدثنا أن بناء السجون التي فاق عددها 130 بين سجن ومؤسسة عقابية، يضرُّ بسمعة الجزائر أكثر ما ينفعها "يقولون إن السجون أضحت تضمن التعليم والتكوين.. وأنا أردّ أن الفئة التي تواصل تعليمها وتكوينها في السجن قليلة مقارنة بعدد السجناء عبر الوطن، ومن يتحصّل على شهادة في السجن يكون هدفه التخفيف من عقوبته أو استفادته من عفو، والدليل أن غالبيتهم تخلوا عن الدراسة بعد اكمال عقوبتهم". وطالب مُحدّثنا بعقد جلسات وطنية تجمع أهل الاختصاص ومختلف الوزارات لمناقشة أسباب انتشار الجريمة في المجتمع، مع إعداد دراسة موضوعية تساهم فيها مختلف المؤسسات والهيئات الوطنية. وبدوره اعتبر إبراهيم بهلولي، محام بمجلس قضاء الجزائر، في تصريح ل"الشروق" أن نجاح المؤسسة العقابيّة لا يُقاس بالكمّ بل بكيفية ضمانها عدم عودة السجين إليها، فبناءُ السجون يُشجّع بطريقة غير مباشرة على الإجرام بعدما تحوّلت إلى فنادق، فالأصل في بناء السجن أن يكون مرقدا للسجين وفقط، كما أن المؤسسات العقابية أضحت عبئا على الدولة ومضرة بالاقتصاد الوطني، لأن الإنفاق عليها يكون مدى الحياة"، وتساءل بهلولي لمَ لا نجبر السجين على القيام بعمل للمنفعة العامة لتعويض هذه المصاريف، فبدل الحكم عليه بعشر سنوات سجنا، يتحصل على نصف العقوبة ونرسله للعمل في بناء الطرقات، نزع الحلفاء، غرس الأشجار في المناطق الصحراوية، استصلاح الأراضي؟ وواصل قائلاً: العمل الشاق يجعل الشخص يفكر قبل دخوله السجن، وضرب محدثنا المثل بالصين، التي ترسل سجناءَها إلى دول أخرى كيدٍ عاملة رخيصة، كما أن انضمام الجزائر إلى اتفاقات دولية ومنظمات حقوق الإنسان المتمخضة عن العولمة، نزعت عن السجون طابع "التعزير والعقاب"، وجعلتها تُخرج السجين من مجتمع كبير وتضعه في مجتمع مصغر ربما يكون أحسن من المجتمع الأول في الرفاهية. واستغرب المحامي استنكار بعض المنظمات في الجزائر "سوء تغذية السجين" رغم أن الدولة تصرف عليهم الملايير لتوفير وجبات كاملة في إطار برامج إصلاح السجون، زيادة على قُفف الأهالي التي تحتوي ما لذ وطاب من اللحوم والفواكه. وعكْس الجزائر تعمل كثير من الدول جاهدة على إنقاص عدد سجونها، ومنهم السويد التي أعلنت السنة المنصرمة إغلاق أربعة سجون ومركز احتجاز واحد، بعد الانخفاض الحاد في عدد سجنائها. وحسب مسؤوليها فان الجريمة انخفضت بنسبة 36 في المئة، بعد تركيز الدولة جهودها على تطوير خدمات التأهيل. وبينما تحتل أمريكا المرتبة الأولى من حيث عدد المساجين مقارنة بكثافتها السكانية، توجد الجزائر في المرتبة 87 عالميا.