لعل أنسب عنوان يصلح إطلاقه على القمة الحكومية الثالثة المنعقدة مؤخرا في دبيبالإمارات العربية المتحدة هو "قمة الحياة الذكية" بامتياز، خصوصا وأنها استشرفت مختلف مناحي الحياة المستقبلية وكيفية تعاطي الحكومات والدول والشركات والمواطنين معها، في ظل تطور تكنولوجي ورقمي متسارع. وتطرقت القمة إلى سبل وكيفيات تطوير المناهج التعليمية التي تجعل من أطفال وتلاميذ اليوم مبدعين ومبتكرين في الغد، وكيف نمكن الوالدين من متابعة المسار الدراسي للإبن عبر الهاتف الذكي من نتائج الامتحانات وسلوكه مع زملائه وأساتذته وغيرها. وعرجت القمة على كيفية تحسين وتطوير الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين، حيث تم تخصيص جائزة دولية لأفضل خدمة حكومية عبر الهاتف المحمول، على المستويات الوطنية والعربية والعالمية وفئة طلاب الجامعات في دولة الإمارات، وهو ما قد تستفيد منه الجزائر خصوصا أن عدة دوائر وزارية قد أطلقت خدمات عن بعد وأخرى عن طريق السجلات الوطنية، مثل الحالة المدنية وسجلات السوابق العدلية وغيرها من الوثائق التي يطلبها المواطن الجزائري، واللافت أن جل الخدمات الذكية التي فازت قدمت عبر تطبيقات محلية من عدة بلدان سوا عربية أو أجنبية. ومن خلال ما تم عرضه ما توصلت إليه عديد البلدان العربية وغير العربية يتبين أن الجزائر ما زال أمامها شوط كبير تقطعه لجعل "الحياة الذكية" واقعا ملموسا في حياة الجزائريين، وان التوجه نحو هذا النمط من الحياة والمعاملات ما زال محتشما عدا قطاعي الداخلية والعدالة، في وقت عممت فيه الكثير من الدول استخدام التكنولوجيا والهواتف الذكية في الدراسة والتعليم وتسيير المدن لتصبح هي الأخرى "مدنا ذكية" والصناعة والفلاحة واستهلاك الطاقة وترشيده وقطاع الصحة والعلاج والخدمات ومختلف مناحي الحياة. وفي السياق أعلنت دولة الإمارات خلال القمة عن إطلاقها لجائزة الإمارات للروبوت والذكاء الاصطناعي" وذلك بقيمة مليون دولار أمريكي في نسختها العالمية وستكون مفتحة أمام المخترعين بمن فيهم الجزائريون، ويمكن المشاركة وهذا من خلال موقع www.roboticsforgood.ae .
الحياة الذكية سبيل لسعادة ورفاهية المواطنين ومع النمو السريع للأسواق الناشئة في جميع أنحاء العالم، أصبح من الضروري على الحكومات إيجاد طرق أفضل لقياس رفاهية مواطنيها، وكانت هذه هي الرسالة في اليوم الأخير من القمة الحكومية، في جلسة نقاشية بعنوان "قياس ما هو مهم للحكومات: نحو مؤشرات عالمية للخدمات الحكومية". ويرى الدكتور شانتيان ديفاراجان، كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في البنك الدولي أن الاقتصادات النامية في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا شهدت نمواً بنسبة تصل إلى 8% سنوياً على مدى العقد الماضي، حيث انتشر بين الدول اهتماماً كبيراً لتحسين مستويات تصنيفهم في المؤشرات العالمية، مشيراً إلى أن هذا بمثابة دافع للحكومات في بعض الدول الناشئة لوضع نفسها في قائمة هذه التصنيفات العالمية مثل نمو الناتج المحلي الإجمالي. وأكد الدكتور ديفاراجان أن التوسع الاقتصادي السريع يساعد على ازدياد فرص النمو والثروة. من ناحية أخرى، قالت الدكتورة سوزانا لونتي من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن أصحاب المصلحة والشركاء الإستراتيجيين يجب عليهم إعادة ترتيب الأولويات عند وضع التصنيفات والمؤشرات، والبدء في تعديل وتحسي السياسات من أجل تطوير الخدمات الحكومية. كما يرى تييري غيغر الذي يشغل منصب مدير مساعد بالمنتدى الاقتصادي العالمي، أنه على الرغم من أنه يمكننا أن نحدد ما هي النسبة المئوية من الناس التي تثق في حكومتها وما هي مشاعرهم تجاهها، على سبيل المثال فأن الأكثر أهمية "هو تحديد لماذا يشعر الناس بهذا الأمر" من أجل قياس مستويات سعادتهم ورضاهم عن مستويات الخدمات الحكومية.
سرعة الثورة التكنولوجية تفوق التوقع وعلى الحكومات مواكبتها وخلال تواجده بالقمة أكد كلاوس شواب، رئيس ومؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس)، أن العلاقة بين الحكومات والابتكار هي التحدي الذي يواجهه العالم اليوم، مشيرا إلى أن انهيار الثقة بين الحكومات ومواطنيها هو تحد أساسي يواجهها، ومؤكداً أهمية الحاجة إلى القيادة الأخلاقية والمسؤولة، لأن القيادات يجب أن تستجيب لحاجات الأفراد الذين يعولون عليها في تحقيق متطلباتهم واحتياجاتهم. وأشار المتحدث إلى أن العالم يمر اليوم في مرحلة ما بعد الأزمة المالية العالمية وسيشهد في هذه المرحلة نمواً في وتيرة بطيئة خلال السنوات المقبلة، ولهذا فإن على الحكومات أن تكون فعالة ومبدعة وواعية، تبتعد عن البيروقراطية وتوجد نوعا من التواصل البناء والتعاون المثمر بين القطاعين الحكومي والخاص، للوصول إلى التطور الذي يمكنها من الوصول إلى حكومة المستقبل. وبين أن العامل المهم في السنوات المقبلة هو الثروة والثورة التكنولوجية التي أصبحت تتدفق بشكل كبير ومتسارع يفوق جميع التوقعات، ولهذا فإن آليات العمل الحكومي بأسره لابد أن تتغير، ليعتمد على الابتكار، ويتمكن من الاستفادة الكبرى من دخول عالم الانترنت المتسارع والعالم التقني الذي يعزز من تفوق العمل الحكومي ويقود إلى تحقيق أعلى معدلات التنافسية للحكومات على المستوى العالمي.