تشكلّ السياحة عاملا مهما في اقتصاد الدول المتطورة والنامية التي تستعمل وسائل تكنولوجية مختلفة للترويج لمنتوجها الاقصادي والخدماتي وبهدف الجذب الكبير للسياح لزيارتها، فاستعملت السياحة الإلكترونية كوسيلة مهمة لتحقيق هذا الهدف باستغلال شبكة الأنترنت التي كسرّت الحدود الجغرافية للدول، لكن يبدو أنّ السياحة الإلكترونية في الجزائر، ما تزال تسير بسرعة السلحفاة ولم تلتحق بعد بركب السياحة العالمية الالكترونية. للتوغل في عمق الموضوع وكشف أسباب التأخر والغياب معا، للسياحة الإلكترونية في الجزائر، عدا المحاولات الفردية القليلة لم التي تعدّ على الأصبع ولم تطف إلى السطح نتيجة لعدة أسباب، أرادت "الشروق اليومي" أن تقف عند الجوانب المظلمة والمشرقة من إشكالية السياحية الالكترونية التي رفعت دولا وأنزلت أخرى، منها الجزائر، فتحدثت إلى خبراء ومسؤولي في القطاع السياحي والاقتصادي وعادت بصور حقيقة لواقع مظلم لا ينبئ بالخير إلا إن توفرت الإرادة وتظافرت جهود القطاع العام والخاص.
ألو....ألو.... مراسلكم لا يردّ لو تتصفح المواقع الإكترونية الخاصة بالسياحة في بلادنا سواء مواقع فنادق أو وكالات أسفار أو لمؤسسات عمومية، لوجدت العدد جدّ قليل، ولا يعكس ثلّة من القرارات التي اتخذت في هذا المجال بغرض تطويره ودفع عجلة التنمية السياحية بأنواعها، فغياب بنك معلومات سياحي ووجود مواقع سياحية برتبة "بريستيج" أو "مانكا" (عارضة)، فقط دون فعالية شكلا ومضمونا، فضلا عن توقف أرقام الهواتف عن الخدمة أو إذا تم الاتصال فالردّ أقرب إلى المستحيل، ويرجع السبب إلى ثقافة الإدارة السياحية الجزائرية وطريقة تعاملها مع الزبون والقوانين التقليدية التي تحكم التعاملات البنكية أو التجارية. ورغم تفاؤله قال الخبير الاقتصادي عبد المالك سراي الخبير بأنّه متفائل بمستقبل أفضل للسياحة الالكترونية رغم تعثر الجهات الرسمية التي ما تزال -حسبه- متخوفة من فتح هذا الميدان إنّ صح التعبير، نظير عديد الاعتبارات أهمّها الهاجس السكني المتعلق بقلّة الفنادق ذات الخدمات العالية، بغض النظر عن بعضها الموجود حاليا على مستوى الوطن، سواء في العاصمة أو وهران أو تلمسان، بحيث ما تزال ولايات أخرى من دون فنادق ذات خمسة نجوم أو أربعة نجوم، فضلا عن انعدامها كلّية في ولايات داخلية وصحراوية. ويؤكد عبد المالك سراي بأنّ الجهات الرسمية وعلى رأسها وزارة وفدراليات السياحة ما تزال حركتها بطيئة ولم ترق إلى المستوى المطلوب منها، بدفع عجلة السياحة الالكترونية في بلادنا، بسبب التخوفات الأمنية كسبب أولّ من خلال إمكانية استغلال السياح لفرصة تواجدهم على أرض الوطن وخدمة أجندات ومصالح أجنبية معينة تحت غطاء السياحة، لكن يشير المتحدث على خلفية ما يتوفر من فنادق ووكالات سياحية بأنّ هذا الجانب ضعيف جدا ليس فقط على مستوى عدد الفنادق بل في جانب الخدمات، بحيث -كما يقول "العديد من الفنادق تضع في مواقعها العناوين من أرقام هواتف وإمايلات وصور الغرف والمكان، وغيرها، لكن أثناء تصفحك للموقع تفاجأ بأرقام خارج التغطية أو معطلّة وإمايلات إلكترونية خاطئة أو لا يجيب أصحابها، كما لا تعكس الصور حجم الفندق، ما يجعلها شبيهة ب"مانكا" أو مجرد بريستيج فحسب، ولا تدلّ على جوهر ومحتوى الفندق". وأوضح المتحدث في معرض حديثه بأنّ هذه السلبيات والتعامل اللامنطقي مع الزبون مهما كان البلد الذي ينتمي إليه، يجعلها تخسر صفقة كانت في صالحها، كما تمسّ سلبيا بصورة البلد السياحية وفقا لهذا التصرف الذي لا يوجد عند بلدان عربية جارة. بالمقابل أكدّ على صحوة الشباب الذي تمكن من فتح باب خاص بهذا النوع من السياحة الذي يعدّ نافذة على تاريخ وثقافة وتراث الجزائر، من خلال تكثيف تبادل الزيارات مع الأجانب في إطار منافسات رياضية وسبل التعارف على مواقع التواصل الاجتماعي: "الفايسبوك والتويتر واللينكدإين.."، بحيث عوضت هذه الأخيرة الموقع الإلكترونية الحكومية والخاصة وبعض وكالات السياحة التي تشبه "مانكا" المحلات ومجملة بماكياج هواتف وامايلات، هي أصلا خارج الخدمة. وقدمت صورة حسنة عن جمال البلاد أحسن مما قدمته الحكومة. من جهة أخرى أشار سراي بأنّه لو تحقق ما صرّحت به وزيرة السياحة والصناعات التقليدية نورية يمينة زرهوني بتشييد 800 فندق واستحداث مؤؤسات سياحية خاصة، ستكون الصورة بعد خمس سنوات إيجابية ومغايرة وتماما للواقع المزري اليوم للسياحة الجزائرية بكلّ ما تحمله من زخم حضاري وفكري وتاريخي، ناهيك على أنّ أسعار حجوزات الفنادق والرحلات الجوية والبرية تساعد كثيرا السيّاح، لأنّها منخفضة إذا ما قورنت بدول أخرى، إلا أنّ العائق الوحيد يتمثل في تدّني مستوى الخدمات الفندقية والسياحية بشكل عام.
الدفع الإلكتروني وبنك المعلومات... في خبر كان بدوره صرّح به الخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول ل"الشروق" الذي أكدّ بأنّه هذه الظروف تطرح من جديد أسئلة حول ضرورة تطوير التسويق الإلكتروني والسياحة الإلكترونين سواء على مستوى المؤسسات الرسمية التي تمثلّها وزارة السياحة والفنادق العمومية أو عند الخواص الممثلة في وكالات السياحة والأسفار وأصحاب الفنادق..ووو، مع ضرورة التعامل بثقة مع الزبون أو السائح القاصد للجزائر وتوفير كافة المعطيات له عن المكان والإقامة...إلخ. كما لم يغفل مبتول التنويه الى ثقافة الناس والجزائري الذي لا يزال بعيدا عن الممارسة الجيدة والتحكم في مثل هذه الأمور التقنية إذا ما قورن بأفراد المجتمع الأوربي وحتّى أفراد بعض البلدان العربية التي شكلّت قفزة نوعية في هذا الميدان. داعيا في معرض حديثه إلى ضرورة تطوير الاقتصاد وتنويعه خارج المحروقات، وفي مقدمته تطوير السياحة الإلكترونية التي لا تزال متعثرة بصورة مخيفة باعتبار عديد العوامل أبرزها غياب الدفع الإلكتروني وبنك معلومات الذي يعدّ دليلا شاملا للوجهات السياحية الجزائرية وخارطة معطيات للفنادق والوكالات السياحية وغيرها. واعتبر المتحدث بأنّ اعتماد المؤسسات الاقتصادية في بلادنا في شاكلة البنوك على الطرق التقليدية فيما يتعلق بدفع الأموال ك"الشيك" مثلا زاد من تعقيد الوضع، ونفرّ السائح الأجنبي والعربي على حدّ السواء. في السياق لفت إلي أنّه لا بد من التعامل مع الواقع كما هو، فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي الجزائري بصورة عامة، باعتباره لا يقوم على السياحة فقط بمختلف أنواعها أو الفلاحة والزراعة، بل لأنّه قائم أساسا على تصدير المحروقات بنسبة 97 ٪، وقال: "لقد اطلّع الجميع على ما جرى في القاهرة بعد تصريح وزير الخارجية المصرية بأنّ الجزائر لا يمكنها أن تستثمر في مصر". ويعتقد مبتول بأنّ هذا التصريح يكشف ضعف الاقتصاد الوطني والمؤسسات الجزائرية، ويدلّ بشكل قاطع بأنّ الاقتصاد الجزائري يقوم على تصدير البترول والنفط والغاز ولا شيء غير ذلك"، مضيفا مع بأنّ السياحة الإلكترونية متأثرة بصفة كبيرة بالوضع غير المطمئن للاقتصاد الوطني، عكس بعض الدول التي عرفت نهضة سياحية مهمة على غرار تونس والمغرب وتركيا. ويتأسف سنوسي إلياس رئيس النقابة الوطنية للوكالات السياحية على الواقع المتدهور للسياحة في الجزائر، والتي تحتاج إلى شروط وظروف لخصها في إلزامية توفر طريقة الدفع الإلكتروني التي اعتبرها حجر الزاوية في السياحة بأيّ بلد، وعن الجزائر كشف بأنّها لا تعتمد على هذه الطريقة الحديثة في الدفع، فعوض أن يتوجه الزبون إلى مقرّ الوكالة ويقطع مئات وربما آلاف الكيلومترات، يمكنه تسديد المال إلكترونيا وفي زمن جدّ قصير، وبالتالي لا يمكن للجزائري بشكل عام أن يشتري أو يبيع إلكترونيا، نتيجة غياب هذه التقنية التي باتت ضرورة ملّحة. وأكدّ في السياق بأنّ انعدام بنك معلومات يمنع من تسويق المنتوج السياحي سواء بالنسبة للوكالة السياحية أو أصحاب الفنادق أو حتّى الدولة، عكس رواجه في فرنسا وباقي أنحاء أوروبا، دون أن ينفي وجود بعض المحاولات الفردية من قبل الخواص لكنّها تبقى غير كافية، وبحاجة لإرادة قوية من طرف الحكومة.
أرقام خارج الخدمة وخطوط معطلّة تفضح أصحاب الفنادق وبحكم جولة استطلاعية، عبر مواقع ثلة من الفنادق الجزائرية، وبعد عدة محاولات بالاتصال بها، تبيّنّ أنّ بعضها يضع أرقام هواتف متوقفة عن العمل، وأخرى، لا تردّ إدارتها، فضلا عن غياب معطيات سليمة عن الموقع وصور الغرف وسعر الحجز دون أدنى عمليات تحديثها وتجديدها، بعد وجود تواريخ نشر وتحديث قديمة، وفي السياق أعاب سنوسي إلياس لا مبالاة المستثمرين ومالكي الفنادق لعدم تحديث وتجديد المواقع الإلكترونية بحيث أنّ أغلب الفنادق المنتشرة عبر التراب الوطني لا تولي أهمية كبيرة للتعامل بالهاتف أو الفاكس أو البريد الإلكتروني، بل أنّ معظمها خارج الخدمة. وقدمّ مثالا عن ذلك بقوله: "ذات يوم اتصلت بي سائحة أجنبية، لتستفسر عن رقم هاتف فندق بولاية باتنة وبعد شهر .. وهي تجري عمليات اتصال بإدارته، لكن المفاجأة أنّ الردّ منعدم من قبل إدارة الفندق". واعتبر المتحدث بأنّ الحكومة لم تعط أولوية للسياحة الاكترونية بدليل غياب مؤشراتها في مواقع الأنترنت وإن وجدت فهي لا تعمل، لذلك وجب على الحكومة أن تعيد النظر في هذا القطاع الحساس عبر دفتر شروط يلزم المتعاملين الاقتصاديين في مجال السياحة والأسفار أن يحدّثوا المواقع ويعرضوا كافة المعطيات والمعلومات حول منتوجاتهم السياحية "خرائط، صور، معلومات، الكمية المتاحة للعروض، السعر، جغرافية المكان...."، كما يشترط توفير موارد بشرية متخصصة وخدمات إلكترونية آمنة للزبون.
انعدام التشريعات يرهن تسويق المنتوج ويخلط أوراق المعاملة التجارية على ضوء هذه القراءات يكون تشجيع تدفق السيّاح لدخول التراب الوطني وزيارة المواقع السياحية من مواقع أثرية وطبيعة وحمامات معدنية وصحراء ووو...، يستدعي ترقية وتوحيد القوانين المنظمة للإقامة السياحية ببلادنا ووضع لجنة بين القطاعات لتشجيع هذا القطاع تشمل القطاع الخاص والعام من أجل السهر على سير العملية بدقة لتكلل بالنجاح من خلال الاستعمال الشبكة العنكبوتية التي توفرّ الوقت وتتيح التبادل السريع للمعلومات وتهيء كافة الوسائل اللازمة لتسويق المنتوج السياحي عبر مواقع فعالة تضع تحت تصرف الزبون كلّ المعطيات من كيفية الترتيبات للسفر وموعد حجز الرحلات وكذا تحديد الوجهة التي سيقصدها والفندق أيضا. وبالتالي أدّى غياب التشريعات والقوانين المنظمة للتعاملات التجارية وعلى سبيل المثال الدفع الإلكتروني والحجز عبر النت، إلى غياب الجزائر عن واجهة السياحة الإلكترونية العالمية التي تشهد رواجا ونشطا كثيفا، حسب الخبير الاقتصادي عبد الرحمان مبتول الذي دعا إلى الاندماج في شبكات السياحة الدولية قبل فوات الآوان، وهذا بالتعجيل لإطلاق رؤية حول نص قانوني حول التجارة الإلكترونية الخاصة بالسياحة، رغم بدء بعض وكالات السياحة الخاصة باللجوء إلى هذه الفكرة، بعدما ارتبطت بشبكات سياحية ووكالات أجنبية بخصوص الزبائن المحور الرئيس في العملية التجارية السياحية.
عقدة مليونيّ سائح وحلم2030 وعبرّ عيسى دردور رئيس الفدرالية الوطنية للسياحة عن هذا الموضوع بقوله: "بالنظر الى الكفاءات المهنية الموجودة، فإنّه يمكن للسياحة الإلكترونية الجزائرية الرّقي إلى مصاف العالمية، بناء على التحكم الأمني في المعلومات التي تنشر على المواقع والحفاظ على معلومات الزبون، بالإضافة الى التسيير الجيّد من ناحية المراقبة والخدمات، لكن لا تشمل هذه العوامل كافة الفنادق وإنّما بعضها كتلك المصنفة بخمسة أو أربعة نجوم وعلى سبيل المثال المتواجدة بالعاصمة وقسنطينة"، بحيث تجدها مجهزة بكامل اللوازم الإلكترونية التي تسهلّ عملية الدخول إليها بأمان والتجول فيها بكلّ حرية مع توفر كلّ المعطيات المتعلقة بالفندق". ورغم الخلل والتعثر المسجل أشار عيسى دردور إلى الجهود التي تبذل لإعادة الاعتبار للسياحة من خلال تطوير وتحديث الفنادق وترميم المواقع السياحية وغيرها، وهو ما تعمل عليه الفدرالية التي سطرّت برنامجا خاصا لبلوغ تنمية سياحية إلكتروينة بيئية ومستدامة وثقافية، وتثمين الطاقات الطبيعية في آفاق 2030، وبالتالي ولوج عالم الاستثمار السياحي الإلكتروني بتطويع وسائل التكنولوجيا الحديثة وتحقيق مردودية مميزة بتحسين الخدمات وتوفير الجو الملائم للسائح في مختلف الجوانب. ولفت المتحدث الانتباه إلى ضرورة تكاتف الجهود مع وزارات النقل والسياحة والثقافة والمتعاملين الاقتصاديين الخواص من خلال إعدادا مخطط تنسيق يجمع كلّ الأطراف لتجاوز عتبة مليونيّ سائح يدخل الجزائر كلّ سنة بطرق مختلفة عبر وكالات سياحية أو مهمات رسمية في إطار شراكة معنية بما فيها المهاجرين. في الوقت الذي لا تزال فيه المعطيات غير دقيقة بشأن المقبلين على الحجز الإلكتروني دون التخليض طبعا عبر مواقع الوكالات السياحية الجزائرية، يبقى تطوير بوابة إلكترونية شاملة وجامعة ضرورة ملّحة تفتح شهية السائح الأجنبي إلى الجزائر من نافذة الأنترنت.