من كان يصدق أن رباعي محمد عدلان الذي ظل طريح الفراش أربع سنوات كاملة دون أن يسمع عنه إلا القليلون فقط، سيتحول بين ليلة وضحاها، إلى قضية رأي عام، لتصنع قصته ومعاناته الحدث، داخل وخارج الوطن. مأساة عدلان بثت قبل نحو أسبوع على قناة الشروق عبر برنامج "وافعلوا الخير"، البرنامج الذي وجد ليكون حلقة وهمزة وصل بين المحسنين، وبين كل من هو بحاجة ماسة للمساعدة، عدلان بث نداءه وصرخته عبر البرنامج . وكما كان متوقعا، لبى الجزائريون كالعادة النداء، وبفضل الله وأهل الخير والبر والإحسان في هذا الوطن، وفي كافة بقاع العالم، حيث يتواجد كل جزائري حر، تحركت فيه النخوة والشهامة الجزائرية المعهودة، عادت البسمة لترتسم من جديد على محيا عدلان ووالده ووالدته. قصدنا منزل عدلان بالصومعة بالبليدة، بعد ما صنع الجزائريون أروع صور التضامن والتعاطف معه، ما كنا لنصدق أن ذلك المنزل الهادئ قد تحول إلى ما يشبه خلية النحل، عشرات الشباب من الجنسين، توزعت مهامهم ما بين استقبال المكالمات الهاتفية للمحسنين، وتنظيم خرجات تضامنية لمختلف الأماكن والمرافق العمومية، والمراكز التجارية، لجمع التبرعات، ومساعدة العائلة على استقبال العشرات، بل والمئات من المواطنين المتضامنين مع عدلان، والقادمين من مختلف ولايات الوطن، من الشرق والغرب والجنوب، من العاصمة وضواحيها، وحتى من خارج الوطن، أفراد العائلة بدوا غير مصدقين ولا مستوعبين لهذه الهبة التضامنية الشعبية الرائعة معهم، الكل كان مجندا، متحمسا، متطوعا، وحملوا جميعهم شعارا واحدا "كلنا عدلان". والدة عدلان وفي حديثها للشروق، قالت إن برنامج "وافعلوا الخير" كان فاتحة خير على عدلان وفتح الباب لأفواج المتطوعين والمتضامنين مع ابنها، عدلان ابن 29 عاما، خريج علم النفس، ومريض الهيموفيليا الذي كان أول مريض يستفيد من عملية تركيب قدم اصطناعية في الوطن العربي والجزائر، لكنها للأسف الشديد كانت عملية فاشلة بامتياز، وترك عدلان بعدها ليواجه مصيرا مجهولا، على مدار أربع سنوات كاملة. روت والدة عدلان مواقف لن نبالغ إن قلنا أنها بطولية لجزائريين وجزائريات، أبوا إلا ان يقدموا العون والمساعدة لعدلان، قالت أن سيدة مسنة كانت تستعد لزيارة البقاع المقدسة، لكنها غيرت وجهتها وحملت كل تكاليف حجها وحتى الملابس التي كانت ستحملها إلى بيت الله الحرام، إلى عدلان، وطالب قدم منحته الجامعية كاملة، وموظف، تبرع براتبه الشهري كله، وطفل صغير قدم 480 دج، كان مصروف جيبه الذي ظل يدخره لأيام، وفتاة عرضت التبرع بركبتها لعدلان، وآخرون كثيرون اختلفت مساعداتهم وتنوعت، لكن الهدف كان واحدا للجميع، أن يصل عدلان لمبلغ 4 ملايير سنتيم ويسافر إلى فرنسا للعلاج. لم يقتصر التضامن مع عدلان على فئات الشعب البسيطة، بل تعداه إلى وجوه فنية ورياضية معروفة، لاعبو الفريق الوطني الجزائري، ولاعبو عدد من الفرق الوطنية كاتحاد العاصمة وشبيبة القبائل وغيرهم، أبدوا مساندتهم الكاملة واللامشروطة لعدلان، وذكر لاعب شبيبة القبائل "سي عمار ابراهيم"، أن لاعبي الفريق سينزلون اليوم السبت في مباراتهم أمام العميد بأقمصة تضامنية مع عدلان، تعبيرا منهم عن عميق تضامنهم معه. المواقف البطولية، والقصص التضامنية مع عدلان كثيرة وكثيرة جدا، وما ذكرناه نبذة بسيطة فقط عنها، عدلان اليوم يقترب شيئا فشيئا من المبلغ المالي الخاص بعمليته الجراحية في فرنسا المحدد موعدها بيوم 21 أفريل المقبل، ويناشد عبر صفحات جريدة الشروق الجزائريين لمواصلة دعمهم ومساندتهم له، والدته قالت أنها نسيت أن عدلان ابنها، وهي تعتبره من الساعة التي تفجرت فيها قضيته ابنا للجزائريين جميعا، فهل سيتحقق حلمها، وهل سيعود عدلان سالما إلينا، تلك أمنيتنا جميعا، وتحية إجلال وإكبار وتقدير لهذا الشعب العظيم.