تدلّ جميع المعطيات المتوفرة هذه الأيام بخصوص أسعار بعض المواد الاستهلاكية واسعة الانتشار لدى الجزائريين. * أن الحكومة ووزير الفلاحة تحديدا يوجدان أمام خيار صعب، بين توفير دعم للفلاحين المهددين بالإفلاس نتيجة انخفاض أسعار البطاطا والطماطم والتفاح، أو تجنب أزمة اجتماعية كبيرة كتلك التي وقعت العام الماضي عندما بلغت الأسعار سقفا فضح عورة القدرة الشرائية الضعيفة للمواطنين ورسخّ مفهوم (دولة غنية بشعب فقير)! * لاشك أن الحكومة التي تمتنع حتى الآن عن وصف حالها المادي وارتفاع أسعار البترول بالبحبوحة وتنتقد كل من يستعمل هذا الوصف، سواء كان خبيرا متخصصا أو مواطنا بسيطا، باتت تدرك اليوم خطورة التحرش غذائيا بالجزائريين عشية شهر رمضان، علما أننا في مثل هذا الوقت من العام الماضي شهدنا فضيحة كبرى اضطرت الجزائريين إلى استهلاك بطاطا كندية مخصصة للخنازير، وهو الخلاف الذي كان قائما على أشدّه بين وزيريّ الفلاحة والتجارة، والغريب أن كليهما تنصّل من المسؤولية حتى بتنا نطالب على سبيل التهكم والسخرية بإنشاء وزارة منتدبة للبطاطا وأخرى للزيت لكي نعلم المسؤول المباشر عن رفع أسعارهما أو خفضها! * المفارقة الغريبة أيضا أن الحكومة باتت تخيّرنا بين تفقير الفلاحين والموالين أو تعليب المستهلكين، ولا تجد بين هذا وذاك حلاّ وسطا يضمن للفئة الأولى حقوقها وللثانية كرامتها، كما أن حلول الدعم والإبقاء على الدولة باعتبارها المحتكر الوحيد للمواد الاستهلاكية هو أسلوب يُناقض الخيار الرأسمالي والليبرالي الذي التزمت به دوليا (...) صحيح أننا لا ندعو إلى إقامة دولة (رجال الأعمال)، لكن الجزائر مضطرة لانتهاج أسلوب اقتصادي واحد وليس اعتماد (شكشوكة) رأسمالية اشتراكية! * نكاد نجزم بصورة قطعية أن الحكومات المتعاقبة أخفقت في تسيير ملف غذاء المواطنين، والدليل أن أسعار البطاطا والزيت والتفاح وغيرها من المواد، أصبحت تشكل أزمة، سواء انخفضت أو ارتفعت، كما أن الجولات الماراطونية في الحوار بين اتحاد الفلاحين والوزارة الوصية برهنت عدم جدواها وأنها كانت عبارة عن حوار (طرشان) أو التقاط صور جماعية للذكرى وفقط، طالما أنّ مسألة الدعم ما تزال تطرح نفسها بحدة على الصحف كلما ارتفعت الأسعار في الأسواق أكثر مما تُذكر على طاولات الحوار في الفنادق، وذلك هو خطأ النظام، البحث دوما لمشاكل الشعب عن حلول غير شعبية!