اختار أوباما صيغة الحوار مع صحيفة "نيويورك تايمز"، لينقل أكثر من رسالة تهديد ووعيد لدول وشعوب الخليج العربي، بالقول أولا:"إن الخطر الذي يهددهم ليس هو التعرض لهجوم من إيران، بل مصدره سخط الشباب داخل بلادهم"، وثانيا:"إنه على الولاياتالمتحدة أن تتساءل كيف يمكن تعزيز الحياة السياسية في هذه البلاد حتى يشعر الشبان أن لديهم شيئا آخر يختاروه غير تنظيم داعش؟" وثالثا:"إنه يريد أن يناقش مع الحلفاء في الخليج كيفية بناء قدرات دفاعية أكثر كفاءة؟". الآن وقد عُقدت الصفقة التي يقال إنها حيّدت"التهديد الإيراني" لمصالح الولاياتالمتحدة، عاد أوباما ليقول للعرب صراحة:"لا خوف من إيران" وتحت الطاولة:"لا خوف من الكيان الصهيوني" وأن الخطر يأتيها من أبنائها، وهي مغالطة مفضوحة، لأن الإحصائيات الغربية نفسها كشفت أن أغلب الشباب الوافد على الدولة الإسلامية هو من شباب المجتمعات الغربية الديمقراطية، بما يعني أن أوباما، إنما يحرر هنا تهديدا مبطنا لدول وشعوب الخليج، يتوعدهم بتحويل وجهة المجاميع الإرهابية التي صنعتها أمريكا لتفكيك المنطقة. التهديد الثاني مضمَر في الجملة الثانية، بالقول:"إن الولاياتالمتحدة تتساءل كيف يمكن تعزيز الحياة السياسية في هذه الدول؟" أي بالضغط على أنظمة الخليج لإعادة النظر في منظومتها السياسية، كشرط لاستمرار دعم وحماية الولاياتالمتحدة لها، وقد تعلمنا، منذ خطاب القاهرة، كيف أن"النصيحة" في الخطاب الأمريكي هي أمرٌ يتبعه تهديد، وأنه ما لم تذعن دول الخليج لهذا الفرمان الإمبراطوري، فإنها سوف تتعرض لواحدة من الصيغتين: ربيعٌ ناعم سوف يستعان فيه بنفس المجاميع التي اُختبرت في تونس ومصر، أو ربيع دام كالذي أدارته الولاياتالمتحدة في ليبيا وسورية. هذا عن التهديد، فما المطلوب من دول وشعوب الخليج؟ الجواب يتكشف في الجملة الثالثة:"إنه يريد أن يناقش مع"الحلفاء" في الخليج كيفية بناء قدرات دفاعية أكثر كفاءة؟" وهذا هو بيت القصيد في خرجة أوباما، الذي يريد أن يدفع بدول الخليج، والدول العربية التي اشتركت معها في عاصفة الحزم في اليمن، إلى بناء قوة عربية"دفاعية" صرفة وقد اجتهد لتثبيط عزيمة الأتراك وباكستان عن المشاركة فيها. ما هو مقترحٌ هو بناء حلف عسكري عربي"دفاعي" صرف، يضمن للولايات المتحدة أمرين: استمرار تنشيط المركّب الصناعي الحربي الأمريكي بصفقات التسلح، ومواصلة حماية تدفق النفط، لن يكون موجها لا ضد إيران، ولا ضد إسرائيل، وقد يُرخّص له بالتدخل في الفضاء العربي ضد القوى المارقة عن قوانين الإمبراطورية، وبمعنى آخر تشكيل"نيتو" عربي تحت إمارة الولاياتالمتحدة، يكفل لأمريكا المنسحبة من الشرق العربي نحو آسيا، وقد رفعت الحماية المباشرة عن عرب الخليج، ألا يسقط هذا الفضاء لا بيد الإيرانيين، ولا بيد أبنائه من القوى التي قد تدخل في صدام مع الولاياتالمتحدة، أو تهدد الحليف الأول: إسرائيل.