كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحا عندما وصلت "الشروق اليومي" إلى المركز الحدودي ببوشبكة، وهو أحد أكبر المراكز الحدودية بالجزائر، خاصة من الناحية الشرقية. * قبل الدخول إلى المركز، كان التوجه نحو بعض المحلات التجارية لمدينة بوشبكة التابعة إقليميا لبلدية الحويجبات، ولاية تبسة، حيث كانت السمة البارزة هي لغة التجارة، فالكل يبيع والكل يشتري، خاصة العملات، فحوالي 40 فردا مستولين على تجارة الصرف، وهم من قبيلة واحدة، فلا يسمح كما قيل لنا لغير "الفراشيش" بأن يتاجروا في العملات، وهو منطق أبناء المنطقة، وكل من يفكر في هذا الأمر تكاد له المكائد والمصائب، مثل ما هو الحال في المراكز الحدودية الأخرى، فكل مركز يقوم به رجاله.. تحدثنا مع بعض تجار الصرف والأسعار، فأكدوا بأن 100 دينار تونسي تعادل 6500 دج و100 أورو وصلت إلى 12000 دج و1000دينار ليبية تصل إلى 6000 دج و01 دولار ب 74 دج. * في محلات المواد الغذائية، كل شيء متوفر، سواء البضائع التونسية أو الجزائرية، وبأثمان لا تختلف كثيرا عن عاصمة الولاية تبسة. شبان مدينة بوشبكة أكدوا بأن الحركة بمدينتهم لا تتوقف ليلا ونهارا، سواء في تجارة العملات أو غيرها، فالكل كما قالوا مرتاحون ويأتون بأرزاقهم من حيث لا يحتسبون. وغير بعيد عن المركز ببضعة أمتار، لفتت انتباهنا محطة الوقد، والتي قصدناها فضوليا للسؤال عن البنزين أو المازوت، فكانت الإجابة المنتظرة بأن كل شيء نفذ، وهي مشكلة أن أي سائح جزائري أو مغترب أو أجنبي عليه أن لا يفكر في المازوت أو البنزين إلا بوصوله مدينة تبسة. * * وبعد الجولة الخفيفة، تم توقيف السيارة بالحظيرة بمبلغ مالي يدر ب 50 دج، حيث كان الاتجاه الأول نحو القاعة الخاصة بالخروج، وعلى الصدفة كان الالتقاء بالمدير الولائي للجمارك الذي طاف بنا ببعض المكاتب وأبرز بعض التجهيزات الحديثة التي تندرج جميعها في إطار تسهيل حركة دخول وخروج المواطنين. وأول شيء لفت انتباهنا ونحن في قاعة الدخول أوالخروج، هو الحركة المحتشمة والمتواضعة للمواطنين، إذ أن عدد من وجدناهم يعدون على الأصابع، وقد قيل لنا أن الكثير منهم من سكان ولاية تبسة يعودون إلى أرض الوطن بعد نصف ساعة فقط، أي بمجرد وصولهم إلى الجمارك والشرطة التونسية ويختمون في جوازات سفرهم، يعودون لأنهم حققوا الهدف من ذلك، وهو ضمان "التصريفة من البنك". * * وفي هذا الإطار، أفادتنا مصالح الشرطة والجمارك من خلال رئيسي المركز بأن عدد الذين دخلوا الجزائر يوم 2008/07/12 مثلا 414 مواطن، في حين كان عدد الخروج 494 مواطن، والرقم يكاد يكون نفسه تقريبا يوميا، وهو رقم جد ضعيف إذا تمت مقارنته بالسنوات الفارطة، خاصة في التسعينات ومع مطلع سنة 2000، حيث كان مركز بوشبكة يستقبل يوميا الآلاف من المواطنين، وكانت الطوابير طيلة فترات الليل والنهار وكل مواطن بسيط يريد الخروج من مركز بوشبكة عليه أن يفكر في العلاقات قبل الخروج. ولكن ما وقفت عليه "الشروق" أن مركز بوشبكة حسب ما أكده رئيس المركز الخاص بالجمارك حسين قدوش أن الحركة بسيطة جدا، فباستثناء الفترة الصباحية من 08 إلى 10 والفترة المسائية من 16 إلى 19، يتوقف بالتقريب كل شيء، وهو عزوف متوقع حسب المواطنين الذين التقتهم "الشروق" وتحدثت معهم، والذين أكدوا بأن غلاء المعيشة والإقامة والتنقل في تونس تجعل من أي جزائري لا يفكر في التوجه نحو تونس، أضف إلى ذلك كما قال البعض ممن رجعوا من المركز التونسي أن عطلة لأربعة أفراد مثلا يمكن لأي جزائري أن يقضيها بالقالة أو سكيكدة أو بجاية مثلا بمبلغ لا يصل 50٪ مقابل عطلة في نابل أو سوسة أو حتى تونس العاصمة، كما أن الظروف الأمنية الجيدة للجزائر وخاصة بالمدن الساحلية شجعت الجزائريين على الاكتفاء بالسياحة محليا. والحقيقة التي وقفت عليها "الشروق" كذلك أن من بين 14 سيارة التي وجدتها متوقفة بالمركز لمغادرة أرض الوطن نحو تونس توجد منها 03 سيارات فقط من خارج ولاية تبسة، والبقية كلها مرقمة بالولاية رقم 12، في حين أن السنوات الفارطة كانت كل أرقام الولايات تشاهدها بمركز بوشبكة. * * وفي هذا الإطار، كشفت مصالح الشرطة والجمارك أن عدد السيارات في اليوم الذي سبق زيارة "الشروق" لم يتجاوز عدد السيارات المتوجهة نحو تونس 119 والقادمة نحو الجزائر 82 سيارة، وهو رقم ضعيد جدا! * * وعلى العكس من ذلك، فإن مركز بوشبكة يسجل يوميا الدخول إلى أرض الوطن لما لا يقل عن 130 أجنبي، ومن مختلف الجنسيات العربية والأوروبية. وعن ظروف العمل والاستقبال والإجراءات، أكد رئيس المركز الحدودي الخاص بشرطة الحدود، أن كل الظروف تسير على أحسن مايرام، وأن رجال الشرطة والجمارك يقومون بعمل موحد من أجل المسافرين طيلة 24 ساعة؛ فالمواطن لا يمكث بقاعة الانتظار إلا دقائق معدودات ليجد نفسه متوجها نحو تونس أو عائدا إلى الجزائر. ومن جانب آخر، كشف محدث "الشروق"، الضابط مناصرية الزبير، بأن المركز استفاد من إنشاء مركز لاستقبال الجزائريين المغتربين للتكفل بهم في أحسن الظروف، سواء أثناء دخولهم أرض الوطن أو الخروج منه بعد قضائهم للعطلة بالجزائر. * * وبخصوص الانشغالات والنقائص التي طرحها المسافرون بمركز بوشبكة، انعدام وكالات التأمين بالمركز يومي الخميس والجمعة، وهو ما يفسح المجال واسعا للوكالات التونسية للاستفادة من هذا الجانب، رغم غلائها، حيث تقدم بحوالي 30 دينارا تونسيا، أي ما يعادل بالعملة الوطينة 2000 دج تقريبا في حين لو تفتح وكالات تأمين جزائرية بالمركز الحدودي فإن المواطن الجزائري سوف لن يدفع إلا 700 دج فقط، وهذا ما يؤدي بوكالات التأمين التونسية لتدخل خزينته يوميا من الجزائريين مئات الدنانير، وهذا بسبب عدم فتح وكالة قد لا تتجاوز مساحتها 03 أمتار مربع، والأمر كذلك بالنسبة للقسيمة (الكيتونس)، فباستثناء يوم الجمعة فقط، يمكن للمسافرين تسديدها بالمركز، عدا ذلك فيتحتم عليهم تسديدها بمصلحة الضرائب، وهو ما يطرح معاناة للكثير من المواطنين الذين تمنوا أن تكون العملية بالمركز طيلة فترات الأسبوع. * * هذا ولم يفوت بعض المسافرين فرصة الإشادة برجال الشرطة والجمارك، خاصة مع توفر العنصر النسوي للقيام بعمليات تفتيش ومراقبة، خاصة مع النساء المسافرات، وهو أمر كان مفقودا من قبل. * * وقبل مغادرة المركز تمنى العشرات من المسافرين أن يجدوا مستقبلا المركز في صورة أجمل وأحسن، خاصة من حيث التهيئة، وأن يكون بالمركز ناد أو كافيتريا، ولما لا محلات صغيرة شبيهة بما هو في المطارات، مع توفير الجرائد والمجلات وبعض الهدايا التي تعبر عن أصالة الجزائريين، وهي أمور بإمكان المسؤولين القيام بها، خاصة في ظل تواجد عشرات المستثمرين في هذا الجانب.