ما من شك في أن مبادرات الشراكة والتنمية باتت تخضع في عالم اليوم إلى وضع استراتيجيات مشتركة متكاملة، تقوم بها مراكز استطلاعية للاستثمار مخصصة بدراسة الأسواق ومتطلباتها، وكذا مدى موائمة آليات التعاون مع خصائص الدول والمناطق المختلفة. * لذلك يمكن تحليل ما صرحت به المستشارة الألمانية، أنجيلا ماركل، في زيارتها الأخيرة إلى الجزائر في قولها "بأن هناك إمكانية كبيرة لبناء علاقات اقتصادية" بأنه يتماشى مع مبادئ واستراتيجيات السياسة الألمانية في مجالي الاستثمار والتنمية، فعلى سبيل المثال: التعليم المهني الذي تدعمه الحكومة الألمانية لصالح الدول الشريكة يهدف إلى إكساب الشباب مؤهلات جديدة تسهّل عليهم الحصول على فرص مناسبة للعمل هو مجال تنموي من جهة، كما يقف أيضا على المهارات والمؤهلات التي يحتاجها الاقتصاد في تلك الدول من أجل الاستثمار. * والمعلوم أن الجزائر تعد من الدول العربية التي تستفيد من وكالة التعليم المهني (GFZ) بالإضافة إلى تونس والمغرب ومصر واليمن ومناطق السلطة الفلسطينية، ويبلغ حجم اتفاق ألمانيا لهذا الغرض، حسب المركز الألماني للإعلام التابع لوزارة الخارجية الألمانية، 75 مليون أورو، وإذا كنا نتوقف مليا عند أساس التعليم المهني وهو (التعليم المزدوج) فلأنه سر نجاح ألمانيا الاقتصادي كما يعترف بذلك خبراء اقتصاد ألمان وغيرهم، وإليه يعود الفضل في جودة المنتجات الألمانية، فالتعليم يسير فيه في خطين متوازيين نظري وتطبيقي أي المدرسة إلى جانب المصنع، وهو ما تفتقر إليه غالبا الدول العربية الشريكة ذات الطابع المدرسي الذي لا يراعي الواقع العملي، ويلاحظ على أرض الواقع أن المشروع قد ساعد في دول عديدة على خلق فرص تأسيس شركات صغيرة ومتوسطة كما في تونس التي يقدر عدد الشركات الجديدة فيها بفضل هذا المشروع ب5000 شركة، كما ساهم في زيادة القدرة التنافسية لهذه الشركات على الصعيدين المحلي والدولي، وفي مصر يغطي 28 مهنة مختلفة كما أن عدد من يزاولون أو أنهوا تعليمهم من الطلبة يقدر ب 11500 يتوزعون على محافظات كثيرة، ومن المناسب القول إنه بالنظر إلى إمكانيات الجزائر الاقتصادية الكبيرة فإنه من المفترض أن يطال هذا التأهيل مجالات أكثر تنوعا مما عليه الأمر في الدول العربية الأخرى. * وعلى صعيد آخر، يتعلق بمشاريع البنية التحتية المخطط تنفيذها حتى سنة 2009 تدعم 100 شركة ألمانية عاملة في الجزائر هذه الطموحات والتي تصل إلى مبلغ 80 مليار دولار كما جاء على لسان وزير الخارجية الألماني، شتاينماير، مضيفا أن ألمانيا تعتبر الجزائر موردا موثوقا به للطاقة وأنها تريد أن تجعل من الإمداد بالغاز المسال المصدر الرئيس الثاني للطاقة (المركز الألماني للإعلام). * وتجدر الإشارة إلى أن آفاق التعاون في مجال الطاقة بين الجزائروألمانيا قد تتناول مجالات جديدة مستقبلا خاصة بعد توقيع اتفاق في جانفي الماضي بين الوكالة الجزائرية للطاقة المتجددة NEAL وبين المركز الألماني لأبحاث الطيران والفضاء DLR الواقع في مدينة كولن بهدف تحقيق المزيد من التعاون في مجال أبحاث الطاقة الشمسية (مجلة دوتشلاند). * في النهاية، نشير إلى أن امتيازات الشريك الألماني الرائد على عدة أصعدة والتي جعلت منه أكبر دولة مصدرة في العالم، قد تفتح الطريق واسعا للاستفادة من معايير الجودة الألمانية بالنسبة للسوق الجزائرية، خاصة في ظل ما ذكرناه سابقا وهو ضمان التأهيل والتكوين المتخصص للشباب. * يبقى أن تلقي هذه الشراكة بظلالها على العلاقات الثقافية والاجتماعية بين البلدين عن قريب، خاصة وأنه لا توجد عوائق نفسية أو تاريخية تحول دون ذلك. *