لاتقتصر المعتقدات الشعبية والخرافات على يومياتنا في الحياة، بل تمتد لتشمل كذلك تعاملنا مع الموت عبر طقوس بعضها معروف لدى الجميع وبعضها الآخر خفي لايلجأ إليه إلا البعض لاغراض مختلفة. يتباين تفسيرها من عائلة الى أخرى ومن منطقة الى أخرى. ومن خلال هذا الاستطلاع استعرضنا آراء بعض الناس حول هذا الموضوع وتعرفنا أكثر على هذه الطقوس التي بدا بعضها غريبا جدا ولاعلاقة له مع عادات الدفن الاسلامية البسيطة.
صابون الميت وماؤه...هاجس أسرة الفقيد وأهم شيء ركزت عليه آراء المستجوبين الذين التقيناهم وهم من شرائح عمرية مختلفة ....هو أن الصابون والماء اللذين يغسل بهما الميت لا ينبغي أن يوضع بين أيدي غير آمنة أوأناس لانثق في تقواهم وابتعادهم عن كل أشكال الشعوذة والسحر. ولهذا فان طريقة التخلص منهما تختلف من عائلة الى أخرى، وفي هذا الخصوص تقول الحاجة " ثلجة" من سطيف ومقيمة بالعاصمة "ان الصابون الذي يغسل به الميت لا بد أن يتم التخلص منه مباشرة برميه بعيدا، لان من يستعمله بعد ذلك تتشقق يداه. ولا يسمح للأطفال غير البالغين الاقتراب من الماء الذي غسل به الميت لان ذلك يؤدي إلى تشققات في الأرجل تكون غير قابلة للشفاء نهائيا. وينبغي أن يرمى هذا الماء في التراب أوالمرحاض من طرف شخص بالغ". وإذا كان هذا رأي الحاجة ثلجة فان السيدة لويزة مسح الدين، ذات 50 سنة من منطقة القبائل، والتي التقتها "المساء" بساحة الشهداء، فتقول "أنه تبعا لعاداتنا فان كل الأدوات المستعملة في تغسيل الميت تدفن معه حيث يربط بين رجلي الميت الصابون والعطر و"الكاسة" حتى نتجنب أن تستعمل هذه الأدوات في أعمال السحر". أما عن الماء الذي يغسل به الميت فيتم سقي النبات به -حسب ذات المتحدثة- لان هناك من يستعمل ذلك الماء في قتل الرغبة بالزواج لدى الشابات والشبان، كما يتم تجنيب الفتيات من الدوس على الماء لتفادي العنوسة. وأكدت نساء أخريات أن الطريقة المثلى التي يعتمدنها من أجل التخلص من صابون و"كاسة الميت" وهي قطعة قماش للغسل هي ان تدفن أوتحرق حتى يرتاح بال أهل الميت. إلا أن الغريب هو أن تقول السيدة جميلة من باب الوادي، والتي توفي زوجها منذ مدة، أنها قامت بمنح الصابون والكاسة و"الفوطة" أي المنشفة كصدقة دون أن تخبرالشخص الذي أخذها أنها استخدمت لغسل ميت. وتفسر ذلك بكون رميها أوالتخلص منها يعد تبذيرا فهناك من هو بحاجة إلى مثل هذه الأشياء ولاضرر في إعطائها للآخرين.
وللمكان الذي يرقد به الميت حكاية جرت العادة أن يوضع الميت في وسط غرفة منزله متجها نحو القبلة في انتظار دفنه. ولكن ما اكتشفناه من خلال استطلاعنا أن هناك أيضا طقوسا تتبع قبل إخراجه إلى مثواه الأخير، وفي هذا الخصوص تقول السيدة فاطمة 60 سنة "من عاداتنا أن تقوم زوجة المتوفى أوأي شخص من أفراد أسرته ممن يقيمون معه بوضع عملة نقدية أوشيء من المجوهرات الفضية بيد المتوفى وتردد هذه العبارة "بعتلي أولادي وأنا شريت" وتأخذ العملة من جديد وتكرر العبارة على مالها ونفس الشيء على بيتها وعلى كل ما لديها من أموال أوممتلكات". وتؤكد انه بعد الانتهاء تخفي العملة التي استعملتها بحيث لا يجوزاستخدامها. وتفسر ذلك قائلة "حتى لايموت شخص آخر من العائلة أويزول بعده المال من البيت". وفي سياق متصل تقول الآنسة حورية، من باب الوادي، أنها اعتادت حضور الجنائز ولاحظت وجود تقليد متوارث حتى في أسرتها...فبعد أن يتم إخراج الميت لمثواه الأخير يتم إجلاس سيدة طاعنة بالسن في مكانه اعتقادا في أن ذلك سينهي الأحزان بالبيت. وأضافت قائلة "يلجأ البعض الآخر إلى تحطيم فنجان في مكان المتوفى ويمنع الجلوس فيه لنفس الغرض". ولعل ما أثار الدهشة لدينا ما روته لنا السيدة نزيهة (30 سنة) حيث قالت انه بعد وفاة والدها والذي دفن في اليوم الموالي لموته جاءت جارة لهم بالليل ووضعت سكينا على بطنه قائلة "حتى لا ينفجر بطن الميت" كونها رأت بطنه منتفخة، مع العلم تضيف محدثتنا "أن والدي كان لديه بطن كبيرة"، كما قامت الجارة بنصب الشموع حول رأسه لاعتقادها أنها ستضيء قبره. ويلجأ البعض إلى وضع مفتاح أوأي شي مصنوع من مادة حديدية على المتوفى، والزغردة عليه لحظة إخراجه من البيت من منطلق انه مثلما فرحوا به لحظة ميلاده يفرحون به لحظة توجهه إلى الدار الآخرة وحتى تحضر الملائكة أيضا. ويعمد البعض الآخر الى إشعال البخور في البيت. وتقول الآنسة هاجر، بائعة بمحل للعطور في ساحة الشهداء، في السياق، "لاحظت وجود عادة جد غريبة حين حضرت جنازة توفي فيها صديق أبي حيث قامت زوجته بندب وجهها وأفخاذها وعندما سألنا عن سبب هذا الندب قيل لنا بان الندب هو الدليل على الحزن الحقيقي". ومن ضمن العادات المطبقة لدى عائلة المتحدثة هي أن يقوم كل المقربين من عائلة المتوفى بالتعطر بالعطر الذي عطروه به قبل دفنه في اليوم الثالث للوفاة بعد الاستحمام. وفي حالة التأخر في دفن الميت لسبب أولأخر وتجنبا لخروج الرائحة منه يتم غلق عينيه انفه وفمه وأذنيه بالقطن بشكل جيد ومحكم !!.
"طاسة" الماء وتفاسيرمختلفة لعل الزائر لأي مقبرة أيا كان مكان تواجدها يشاهد على بعض القبور وجود إناء ماء يسمى ب "الطاسة" وقد اختلفت التفاسير حول معنى وجود هذا الإناء بالمكان. فهناك من يرى بان الغرض هو سهولة التعرف على القبر، وهناك من يفسر وضع الإناء وملئه بالماء بكونه صدقة لعابر السبيل الباحث عن ماء للشرب، أوحتى تشرب منه الطيور فتكون بذلك صدقة جارية على الميت. ويذهب آخرون إلى أبعد من ذلك حيث يعتبرون الماء بمثابة وسيلة لسقي الميت. وتعطي، السيدة جميلة، تفسيرا مغايرا حيث تقول "اعتدنا في كل مرة عند زيارة القبر أن نأخذ معنا الماء لأن المتوفى ينتظر دائما من يأتي لزيارته ويفرح بما يحمله له وبالتالي الماء هو خير هدية نقدمها للمتوفى، فنقرأ له القرآن ثم نرش كل القبر بالماء ونضع الباقي بالإناء حتى لا يظمأ المتوفى. وتقول السيدة خيرة، ذات 56 سنة من عمرها من ولاية البليدة، كنت أذكر أن جدتي الكبيرة عندما تعزم على زيارة القبر تأخذنا معها وكانت تطلب منا أن نقوم بمضمضة أفواهنا من الماء الذي نجده بالإناء حتى لا تسقط أسناننا "! وهناك عادات أخرى في المقابر منها نثر القمح أوالشعير على القبر ورشه بالماء، وهي من عادات أهل وادي سوف التي حدثنا عنها محمد السوفي، بائع ملابس بساحة الشهداء، إلى جانب وضع الكسكسي فوق القبر والخبز والتمر وحتى الحلويات من منطلق أنها صدقة جارية يعود فيها الأجر للمتوفى فقد تأكل منها حيوانات أوعابري السبيل. وللنباتات التي تغرس على القبور حكاية أخرى حيث تقول السيدة وردة، من القصبة، أن العادة تقتضي زراعة النباتات التي تحافظ على اخضرارها مثل النعناع والريحان وخديوجة، مسك الليل وهي عادات متوارثة عن الأجداد. كذلك اختيار سبع وريقات من نبتة الريحان تقرأ عليها ثلاث سور قرآنية ثم تلقى فوق القبر ولا ينبغي رمي كل الباقة لأنه فال سيئ للميت على حد قولها. وإذا كان البعض يجتهد من أجل غرس النباتات التي تجمل القبر أوتعطيه عطرا خاصا فان البعض الآخر اتجه نحو غرس بعض الأشجار بالقرب من القبر ولكل معناه، فزرع شجرة الزيتون مثلا يرجى منه التخفيف من عذاب المتوفى في قبره، أما غرس شجرة الدالية فلتضلل عليه وهناك من يعتقد بان الهدف من غرس الأشجار لا سيما المثمرة مثل النخيل يهدف الى تمكين الطير والبشر من الاستفادة بثمارها وتكون بالتالي صدقة جارية.
الثياب تحرق أو تدفن في الغالب وعند وفاة أي شخص يسارع المقربون من الفقيد إلى التخلص مباشرة من كل ملابسه وحتى صوره حتى يزول الحزن عنهم وذلك عن طريق التصدق بمقتنياته للفقراء، إلا أن ما اكتشفناه من خلال جولتنا أن هناك طرقا أخرى يتم التعامل فيها مع الثياب من أهمها حرق الثياب. في هذا الشأن تروي الحاجة زهية "أن من عاداتنا عدم ارتداء ثياب الفقيد وعدم الإحتفاظ بها في المنزل إذ بمجرد أن يدفن الميت يتم إخراج كل ما كان يلبسه ويحرق بعيدا عن المنزل". وبعض النسوة حريصات على إخفاء كل ثياب فقيدهم حيث يقمن بجمع ملابسه ودفنها تحت التراب كما يدفن صاحبها. وفي زيارة لإحدى المقابر الموجودة بالعاصمة التقينا بمجموعة من العمال الذين يقومون بصفة دورية بمهمة تنظيف المقبرة وسألناهم عما يثير انتباههم من عادات يحرص الجزائريون على القيام بها عند زيارتهم للمقابر فكان جوابهم يدور عامة حول كأس الماء أوالطاسة وغيرها من الأطعمة التي تترك فوق المقابر من باب التصدق، أما ما استنكروه واعتبروه أعمال سحر وشعوذة فهو العثور على الرصاص المذوب فوق القبر أوإلى جانبه، وبعض الأقمشة المطوية المغروس بها ابر وشعر للنساء وخمارات وفساتين وغيرها كثير. وعلق أحد العمال بقوله أن مثل هذه الأشياء نتجنب الاقتراب منها لأننا نخاف منها، وينبه المتحدث في ذات السياق إلى انه عندما يتم حفر القبر من أجل دفن الميت تتم مراقبة القبر جيدا حتى لا يلقى فيه أي شيء لا سيما من طرف العجائز اللواتي يستغللن هذه المقابر لرمي بعض ما أعدوه من أمور للشعوذة من أهمها الصور و"الحروز" وهي كتابات غير واضحة تستخدم لأغراض السحر.
دفع المضرة عادة حميدة ولمعرفة رأي الدين في الموضوع توجهنا نحو مسجد بالعاصمة حيث التقينا بمرشد ديني وحول الموضوع قال "لا بد أن يدرك الجميع أن أول قاعدة لا بد أن تراعى عند وفاة أي شخص هي التسريع في دفنه وتجنب الإبقاء عليه حتى يصل أهله فهذا عمل غير مستحب، أما فيما يخص ماء الميت و صابونه وغيرها التي يستغلها البعض في أعمال السحر والشعوذة فان القيام بإحراقها أودفنها لدفع منكر واحدة من الأفعال المستحبة. فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول من سنة سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة". ويضيف "أما ما يعتبر من المستحدثات المنكرات التي لا ينبغي الاقتداء بها فهي زيارة القبور بغرض الدردشة أووضع الورود تقليدا للغرب أومن خلال التباهي في بناء القبور تشبها بالنصارى". وفيما يخص غرس النباتات حتى يأكل الطير قال انها من المستحدثات المستحبة ولكن أن يتم القول بان الغرض من غرس نبتة معينة على القبر هي من أجل التخفيف على الميت فهي من المستحدثات المنكرة وهي منقولة على النبي صلى الله عليه وسلم والذي يروى انه مر يوما على مقبرة فسمع شخصان يئنان فقام بغرس أغصان من النخيل فوق قبرهما وقال بان ذلك للتخفيف من عذابهما، ولكن لا يمكننا الاقتداء به هنا لأننا لسنا في منزلة الرسول الكريم، وبالتالي يقول المتحدث في حال الشك دائما حول مدى جواز عرف من الأعراف المتوارثة ما علينا إلا الرجوع للكتاب والسنة من خلال القياس عليهما والتمييز بين ما وجد لدفع مضرة أولتحقيق مصلحة.