انتشرت الممهلات في بلادنا كالفطريات، وأضحت عضوا أساسيا في الطرقات، وهي اليوم في تزايد مستمر رغم ما تشكله من خطورة على المواطن وعلى التنمية الاقتصادية التي تلقت طعنة غير مباشرة جراء هذه الهضبات التي تسمى مجازا ب"ممهلات"، وهي في الواقع مهلكات للبشر والمركبات وضربة للاقتصاد الوطني. هذه الكتل الإسفلتية دخلت يوميات الجزائريين، وأصبحت ديكورا عاديا في الأزقة والطرقات مثلها مثل إشارات المرور والأرصفة وأعمدة الإنارة، فأينما تقلب بصرك ترى ممهل من انجاز مصالح البلدية أو فرضه مواطنون على طريقتهم الخاصة، فالشوارع عبر كافة المدن الجزائرية لا تكاد تخلو من هذه الأجسام الغريبة التي تخلت عنها الدول المتطورة، بينما عندنا لازالت الطريق الأسهل والأسوأ للتقليل صوريا من حوادث المرور، والأسئلة التي تفرض نفسها كيف يتم انجاز ممهل وعلى أي أساس أو معيار يُعتمد شكلها وحجمها، وهل هناك دراسة علمية تعتمد قبل إنجازها أم كلما احتج الناس ننجز ممهلا، وهل أدت هذه الممهلات الدور المنوط بها، وهل ساهمت فعلا في تخفيض عدد حوادث المرور، وهل يعي المسؤولون عواقب وأضرار هذه الكتل المرتمية في الطرقات وآثارها السلبية؟. بمعاينة ميدانية للممهلات عندنا نجد أنها مختلفة الأشكال والأحجام والطول والعرض فهي لا تخضع لأي مرجع وهناك ممهل عرضه نصف متر أو مترين أو يزيد وآخر يقتصر على بضع سنتيمترات، وأما الارتفاع فتلك هي الكارثة الكبرى، فهناك ممهلات يزيد علوهها عن 30 سنتمترا، وهناك ممهلات تشبه الهرم أو الهضبة التي لا يمكن تجاوزها إلا بشق الأنفس، وحسب المختصين فإن الممهلات المنتشرة في البلاد أغلبيتها سلبية ولا تخضع للمقاييس المعمول بها، وهي تشكل خطرا على السائق والمركبة ولها مساوئ عديدة، وحتى عند عامة الناس والسائقين منهم خاصة فهناك شبه إجماع على أن الممهلات الحالية ضارة ولا منفعة ترجى منها، وينبغي الاعتراف أنها في العديد من الأحيان كانت وراء ارتفاع حوادث المرور، خاصة بسبب تركيبتها العشوائية، فبولاية سطيف مثلا احتج مواطنون إثر حادث مرور أودى بحياة طفلة وطالبوا بوضع ممهل، لكن بعد مدة نفس الممهل تسبب في مقتل طفلين وامرأة في حوادث مرور خطيرة، حيث فاجأ الممهل السائقين وكان وراء انحراف مركباتهم ووقعت الكارثة، ومثل هذه الحوادث تكررت أكثر من مرة عبر الوطن وكان الممهل العشوائي المتهم الأول. الممهل هو العدو الأول للسيارة الحصار الذي فرضته الممهلات على السائق نجمت عنه خسائر معتبرة تتعلق بالمركبة التي تعد من ضحايا الممهل، فحسب السيد عومار مسعودي من سطيف الخبير في الميكانيك فإن السيارات الحديثة ارتفاعها محدود فمثلا المرسيدس يصل ارتفاعها عن الأرض إلى 16سنتمترا، وأما البيام فلا يتجاوز ارتفاعها 12 سنتمترا والممهل عندنا يصل علوه إلى 30 سم، مما يعني أن الممهل سيلتهم الجهة السفلية للسيارة ويتسبب دون شك في إصابتها بعطب، ويؤكد محدثنا أن أغلبية الأعطاب التي تعالج في ورشات الميكانيك سببها الممهل، بداية بنظام الفرملة والصفائح التي أصبحت مادة مستهلكة يضطر الساق إلى تغييرها في بعض الأحيان مرة كل ثلاثة أشهر أو أقل، ونفس الشيء بالنسبة للنوابض ومفاصل السيارة وكذلك الكارتير، حيث يقول أحد السائقين الذين التقيناهم بورشة للميكانيك بأنه كان على متن سيارة من نوع مرسيدس فاصطدم بممهل عال الارتفاع فانكسر الكارتير واضطر إلى تغييره بمبلغ 6 ملايين سنتيم، ويقول زبون آخر بأن الممهل التهم أسطوانة التدخين التي انكمشت في مؤخرة السيارة بسبب اصطدام مفاجئ، وأما سائق سيارة أجرة يشتغل بضواحي المسيلة فيقول بأن هناك ممهل مرتفع جدا يعترض طريقه فيضطر إلى إنزال الزبائن حتى يعبره ثم يركبهم من جديد ليواصل مساره. الشركات الأجنبية المستفيد الأول من الممهلات هذه الأعطاب التي تصيب المركبات في الجزائر تعني بالضرورة زيادة في استهلاك قطع الغيار، وحسب السيد شريف الشيخ عضو النادي الاقتصادي الجزائري فإن الممهلات تعتبر ضربة للاقتصاد الوطني لأنها ترفع في فاتورة استيراد قطع الغيار، والعملية كلها منحصرة في الاستيراد على اعتبار أن الجزائر لا تصنع أي قطع تستحق الذكر والشركات الأجنبية هي المستفيد الأول، فكلما أنجزنا ممهل عشوائي أخرجنا كمية من العملة الصعبة ووضعناها في جيب المتعامل الأجنبي، وحسب الاحصائيات الجزائر استوردت سنة 2009 ما قيمته 496 مليون دولار من قطع الغيار، بينما في سنة 2014 الفاتورة ارتفعت لتتجاوز 7 ملايير دولار أي أن هناك ارتفاع مذهل في الكمية المستوردة. من جهة أخرى يؤكد السيد بشير الشريف وهو مستورد لقطع الغيار بأنه في أواخر التسعينيات كان يستورد من 4 إلى 5 حاويات في السنة، لكن حاليا يستورد بين 84 و88 حاوية في السنة أي أن هناك ارتفاع بحوالي 22 ضعف، وبالنسبة المئوية الزيادة وصلت إلى 2200 بالمائة، وهي زيادة كبيرة جدا، صحيح فيها نسبة متعلقة بزيادة عدد المركبات في بلادنا لكن بالمقابل يؤكد المستوردون أن الزيادة مرتبطة بتزايد عدد الممهلات، فأغلبية القطع المستوردة تتعلق بنظام الفرملة والنوابض والمفاصل وغيرها من القطع التي يتم تغييرها نتيجة تعرض المركبة لصدمة عنيفة. بين كل ممهل وممهل فكر عشوائي يعاقب الناس العيب لا يكمن فقط في عشوائية الممهلات التي تنجزها البلديات، بل في انتشارها المذهل في كل مكان، فهي موجودة في الطرق السريعة وعند المنعرجات والمرتفعات والمنحدرات وقد نجدها يوما ما داخل منازلنا وإداراتنا، وحسب السيد شريف الشيخ عضو النادي الاقتصادي الجزائري فإن الطريق الرابط بين سطيف وبرج بوعريريج الممتد على مسافة 65 كلم يوجد به 30 ممهلا، أي بمعدل ممهل كل 2 كلم في طريق وطني، بينما السيد مسعود بن حليمة الناطق الرسمي باسم جمعية طريق السلامة التي يرأسها محمد العزوني يقول بأن الممهلات الحالية تعتبر أكبر خطأ ارتكبته البلديات، ومن غير المعقول أن تنتشر بهذا الشكل، وعلى سبيل المثال الطريق الرابط تازمالت وبجاية الممتد على مسافة 90 كلم يوجد به 135 ممهل، يعني وصلنا إلى أكثر من ممهل في كل واحد كلومتر، وهذا أمر لا يتقبله أي عقل ولا يوجد في أي بلد، وبالنسبة لجمعية طريق السلامة الظاهرة سلبية ينبغي محاربتها، ويؤكد محدثنا أنه تم نزعها ببلدية القبة بالعاصمة، نظرا للخطورة التي تشكلها على السائق والمركبة والمجتمع ككل. من جهة أخرى فإن كثرة الممهلات وراء مضيعة الوقت، حيث يقول السيد شريف الشيخ إن المسافة بين سطيف ومقرة تقدر بحوالي 73 كلم كنا في السابق نقطعها في ظرف ساعة واحدة، لكن اليوم نقطعها في ظرف ساعتين بسبب تزايد عدد الممهلات فهناك وقت ضائع من شأنه أن يؤثر على التنمية الاقتصادية، وحسب ما أكده لنا سائق شاحنة لنقل البضائع فإن الممهلات أثرت على استهلاك الوقود الذي تضاعف بسبب الفرملة وتخفيض السرعة ورفعها من جديد، وزيادة الوقود تعني التأثير على البيئة وتلويث أكثر للمحيط. محتجون يريدون ممهلات وآخرون يطالبون بتنحيتها لإنجاز ممهل الأمر يتطلب دراسة تشرف عليها لجنة مختصة تضم ممثلين عن وزارة الأشغال العمومية والنقل والسكن ومصالح الأمن ورئيس البلدية، وهي اللجنة التي يرأسها والي الولاية أو ممثل عنه، ومن المفروض أن تدرس الموقع وحركة المرور به، وعدد الحوادث المسجلة وكل العوامل التي تستدعي انجاز ممهل، لكن العديد من الأحيان يتم تجاوز هذه اللجنة وتقوم مصالح البلدية بإنجاز ممهل دون أي دراسة، وذلك بمجرد أن يتم تسجيل حادث مرور يحتج على إثره السكان الذين يقومون بقطع الطريق ويطالبون بإنجاز ممهل أي أن القرار يتخذ لإسكات السكان وإطفاء جذوة الغضب. الغريب أننا سجلنا بمدينة سطيف حركة احتجاجية طالب من خلالها السكان بانجاز ممهلات، وبعد مدة احتج أصحاب حافلات النقل الحضري في نفس المكان للمطالبة بإزالة الممهلات لأنها ألحقت أضرارا بمركباتهم، وحتى المقاولين الذين تحدثنا إليهم أكدوا لنا في حالة تكليفهم بإنجاز ممهل لا يتلقون أي تعليمات أو مقاييس لأداء هذه المهمة بل يتصرف المقاول حسب اجتهاداته الخاصة، وهذا بالرغم أن الأمر محدد حسب القانون المؤرخ في 6 أفريل 2006 المنشور في الجريدة الرسمية العدد رقم 27 والذي يحدد طبيعة وشكل ومقاسات الممهل، حيث تشير المادة رقم 2 إلى نوعين من الممهلات فهناك نوع يكون على شكل ظهر حمار ونوع ثاني على شكل شبه منحرف، وحسب المهندس المعماري عبد المالك بوترعة فإن مواصفات الممهل تم تحديدها في ملحق يشرح المقاييس المعمول بها عالميا، فالممهل يمتد عرضا على مسافة 4 أمتار وارتفاعه يبدأ من الصفر ليصل في المنتصف إلى 10 سنتمتر لا أكثر مما يسمح للسيارة بالصعود فوقه بلطف والمرور دون إصابتها بأضرار، وهذا عكس الممهلات المنتشرة في أغلب البلديات، ويؤكد السيد رابح بن محي الدين المكلف بالاعلام بالمديرية العامة للحماية المدنية أن الممهلات في بلادنا تحوّلت إلى ظاهرة سلبية للغاية لأنها لا تخضع للمعايير العالمية المعمول بها، وفي كل دشرة أصبحنا نجد ممهلا عشوائيا خطيرا لا يعكس أي دراسة، وهو في الواقع عبارة "حدبة" لا تخضع لأي نظام وبالتالي على البلديات أن تراجع شكل الممهل للحد من حوادث المرور، ويؤكد المختصون لو تم احترام هذه المقاييس لجنبتنا العديد من المشاكل، وما اضطرت البلديات إلى نزع الممهلات عند الزيارة الرئاسية مثلما جرت عليه العادة، ولا عند برمجة سباق للدراجات الهوائية، لأن مهمة الممهل هي إرغام السائق على إنقاص السرعة وليس تحطيم المركبة أو التسبب في انقلابها وخلق حوادث جديدة. هل فرملت الممهلات آلة الحوادث إذا كان الهدف من وضع الممهلات هو التقليل من حوادث المرور فالسؤال المحرج الذي نوجهه للمسؤولين هل كانت الممهلات المنتشرة كالفطريات سببا في انخفاضها، الواقع يكذب ذلك لأن الحوادث في تزايد مستمر وأرقامها مفزعة، حيث نسجل سنويا أكثر من 4000 قتيل و50ألف جريح و2000 معاق حركيا، والممهلات لم تفرمل هذه الكارثة التي ظلت دوما في تزايد وهناك حوادث تسببت فيها الممهلات ذاتها. الحقيقة أن الدول المتطورة لم تعد تعتمد على الممهلات، ولا يمكن أن نراها منتشرة بالشكل الموجود عندنا بل هي تشكل حالات استثنائية جدا، حيث تم الاستغناء عنها وتعويضها بكاميرات ترصد السواق المغامرين لمعاقبتهم، وهي أفضل بديل للبهدلة الموجودة في الطرقات، فالكاميرا الواحدة تغني عن عشرات الممهلات التي أضحت في الواقع قاتلات ومهلكات وأضرارها امتدت إلى القطاع الاقتصادي وهذا ما خلفه التفكير العشوائي في بلادنا.