تمر، الثلاثاء، الذكرى الرابعة لمقتل الزعيم الليبي معمر القذافي على يد مجموعة مسلحة من "الثوار"، بعد اندلاع انتفاضة شعبية في البلد الإفريقي الغني بالنفط في فيفري من عام 2011 في سياق أحداث ما سمي ب"الربيع العربي". الجداريات التي تسخر من معمر القذافي في شوارع المدن الليبية، ليست كل ما تبقى من ذكرى "العقيد". فإرث الديكتاتور الذي قتل قبل أربع سنوات، لا يزال يخيم على ليبيا التي فشلت حتى الآن في استبدال نظام حكم الفرد والعائلة بدولة مؤسسات فعالة. ويقول مايكل نايبي-اوسكوي، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة ستراتفور الاستشارية المنية الأمريكية، لوكالة فرانس برس: "اختار القذافي أن يبني دولة تتمحور حول شخصه، ثم استخدم العامل العسكري معتمداً على عائدات النفط لقمع أي معارضة، بدل أن يبني دولة مؤسسات يمكن أن تستمر في غيابه". ويضيف "لم تكن هناك دولة مؤسسات في ليبيا، الأمر الذي دفع نحو السقوط في الفوضى عقب الإطاحة بالقذافي"، مشيراً إلى أن تبعات سياسات "الدولة المفككة" التي أوجدها القذافي "ستتواصل لعقود". وقتل القذافي الذي عرف بتصرفاته غير المتوقعة وملابسه البدوية وخطاباته المطولة، في 20 أكتوبر 2011 على يد مجموعة مسلحة في مدينة سرت، مسقط رأسه، بعدما حكم البلاد منذ كان في السابعة والعشرين من عمره إثر انقلاب عسكري ، ولأكثر من أربعة عقود. ومنذ مقتله، تشهد ليبيا فوضى أمنية وسياسية واقتصادية، إذ لم تستطع الحكومات المتعاقبة منذ الإعلان عن "التحرير الكامل" من نظام القذافي في 23 أكتوبر 2011، ترسيخ حكم ديمقراطي بمؤسسات فعالة، وهي عناوين نادت بها "الثورة". ومنذ أكثر من سنة، تتقاسم الحكم في البلد المطل على البحر المتوسط والغني بالنفط والغاز، سلطتان، واحدة يعترف بها المجتمع الدولي (حكومة طبرق) مستقرة في شرق البلاد، وأخرى لا تحظى بالاعتراف وتسيطر على معظم مدن غرب ليبيا، وبينها العاصمة طرابلس، بمساندة تحالف جماعات مسلحة تحت مسمى "فجر ليبيا". ولم تؤت الجهود التي تقوم بها الأممالمتحدة لتشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع الطرفين ثماراً حتى الآن. ويقول نايبي-اوسكوي: "اسم القذافي سيبقى عنواناً رئيسياً، خصوصاً مع محاكمة رموز نظامه وأفراد عائلته، وعودة حوادث معينة إلى الواجهة، مثل تفجير لوكربي". نظرياً، كان نظام القذافي في "الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى" يقوم على "حكم الشعب"، أي ممارسة السلطة من خلال مؤتمرات شعبية تضم ممثلين عن كل المناطق. إلا أنه في الواقع، كان يختصر بالزعيم الليبي الذي أطلق على نفسه لقب "ملك ملوك إفريقيا" وحكم بمزاجيته أكثر منه وفق قوانين "الكتاب الأخضر" الذي وضعه بنفسه حتى. ورغم ذلك، فرض القذافي على أرض الواقع استقراراً أمنياً لم تنعم به ليبيا منذ نهاية 2011 بعدما فشلت السلطات الجديدة في نزع أسلحة الجماعات التي قاتلت النظام السابق والتي باتت تتقاتل في ما بينها. كما لم تنجح في وضع دستور جديد للبلاد التي تستند حالياً إلى إعلان دستوري مؤقت صدر في العام 2011. ويوضح نايبي-اوسكوي: "سيمر وقت طويل قبل أن تترسخ في ليبيا هوية وطنية موحدة ويعود إليها الاستقرار الأمني الذي كانت تتمتع به خلال فترة حكم القذافي". ويقول مسؤول حكومي في طرابلس رفض الكشف عن اسمه "نعمل منذ نهاية 2011 على التخلص من التركة الثقيلة التي خلفها الديكتاتور. لقد أفسد كل شيء، من السياسة إلى الاقتصاد إلى المجتمع، وحتى الرياضة". وكان القذافي جعل من النفط المحرك الأوحد للاقتصاد ولعائدات الدولة. واليوم، يدفع استمرار النزاع الاقتصاد نحو "الانهيار التام"، بحسب ما يحذر مسؤولون ليبيون، بعدما انخفضت صادرات النفط، المصدر الوحيد للإيرادات في فترة ما بعد القذافي أيضاً، إلى نحو 400 ألف برميل يوماً، أي أكثر من النصف. ويتابع المسؤول الحكومي "لم يمح مقتله ذكراه السيئة. سيظل حاضراً بيننا حتى نقضي على تبعات أربعين سنة من الفوضى. أتمنى ألا نحتاج إلى أربعين سنة أخرى لتخطي هذه التبعات". وأعيد الأسبوع الماضي تسليط الضوء على تفجير طائرة بان أميركان فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية في العام 1988 الذي راح ضحيته 270 شخصاً، بعدما أعلنت النيابة العامة في اسكتلندا تحديد هوية ليبيين جديدين يشتبه بتورطهما في التفجير. ويعتقد أن أحد المشتبه بهما الجديدين هو عبد الله السنوسي، رئيس المخابرات الليبية في عهد القذافي والذي حكم عليه بالإعدام في نهاية جويلية الماضي إلى جانب شخصيات أخرى من رموز النظام السابق، بينها نجل القذافي، سيف الإسلام، بتهمة المشاركة في قتل متظاهرين. كما يتهم نظام القذافي بأنه شرع الأبواب أمام الهجرة غير الشرعية إلى السواحل الأوروبية التي لا تبعد سوى بضع مئات من الكيلومترات عن الساحل الليبي. وتتطلع الدول الغربية والاتحاد الأوروبي خصوصاً إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا ترسخ لقيام دولة مؤسسات قادرة على مكافحة الهجرة غير الشرعية ومحاربة الجماعات المتطرفة التي وجدت في الفوضى الليبية موطئ قدم لها، ومن بينها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي يسيطر منذ أشهر على سرت (450 كلم غرب طرابلس). في طرابلس، تنتشر على الجدران المقابلة لمجمع باب العزيزية الشهير، المقر السابق للقذافي والذي لم تبق فيه سوى بعض الأبنية، رسوم تسخر من الديكتاتور السابق وتمجد "الثورة"، وبينها رسم له داخل صندوق للقمامة. ويقول أحمد الذي يملك محلاً لبيع السجائر في منطقة المجمع "كنا نخاف حتى أن ننظر إلى الأسوار. اليوم، تغير الوضع طبعاً، لكن الرهبة التي نشعر بها حين نمر قرب المجمع، لا تزال تذكرنا به". ويتابع "قد تمر أجيال قبل أن يتخطى بعضنا شعور الرعب الذي زرعه فينا".