سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عبّان كان مخالفا للقيادة.. وبومدين حاول شراء صمت بن طوبال وخيضر بالمناصب رئيس جمعية قدماء مجاهدي وزارة التسليح والاتصالات العامة دحو ولد قابلية في حوار ل "الشروق":
في هذا الحوار الحصري ل"الشروق"، يكشف رئيس جمعية قدماء مجاهدي وزارة التسليح والاتصالات العامة "المالغ" دحو ولد قابلية الأسباب الحقيقية لانسحاب الأب الروحي للمخابرات الجزائرية عبد الحفيظ بوصوف من المشهد السياسي للجزائر المستقلة، وكيف حاول الراحل هواري بومدين تجريده وسحب صلاحياته المتعلقة بالتسليح والاتصالات العامة والجوسسة، وإلحاقها بقيادة الأركان التي كانت تحت وصايته وكيف رفض بوصوف التنازل لبومدين، وكيف خطط هذا الأخير لعزل الحكومة المؤقتة وتفاصيل عن مؤتمر طرابلس الذي قطع حبال الود بصفة نهائية بين قيادة الأركان والحكومة المؤقتة وأسقط الأقنعة وكشف مطامع وطموحات متنامية لدى بعض القيادات. ويكشف ولد قابلية خلفيات قرار الثورة تصفية عبان رمضان، والتحالف الذي ربط أول رئيس للجزائر أحمد بن بلة المدعوم من قبل رابح بيطاط بخليفته بومدين، بعد أن فشل في إقناع محمد بوضياف "بصفقة" المكتب السياسي، الذي قلب الطاولة على الفرنسيين وخرق اتفاقيات ايفيان قبل دخولها حيّز التطبيق وقبل رحيل المستعمر، ومدى تأثير جيش الحدود الذي كان يقوده بومدين في ترجيح الكفة لصالح بن بلة في مقابل تنازل غير مشروط قدمه بن يوسف بن خدة ورحيل دون رجعة لمبنى رئاسة الحكومة، لحقن دماء الجزائريين عشية وقف إطلاق النار، وسعي بومدين لتعزيز موقعه بعد التصحيح الثوري بمحاولة شراء سكوت بعض قادات الثورة من طينة لخضر بن طوبال وخيضر، حيال "الانقلاب" بمناصب مسؤليات شرفية. الحوار يكشف أيضا، كيف اقتص جمال عبد الناصر من بومدين بسبب "الانقلاب " على بن بلة وكيف حجز وصادر 15 ألف قطعة سلاح كانت في مخازن "المالغ" بالإسكندرية ومرسى مطروح، ويفضح أكاذيب وأراجيف فتحي الذيب بخصوص الدعم المصري للثورة الجزائرية وكيف ضخم الأرقام وزيّف الحقائق. ويتحدث ولد قابلية للشروق عن الوجهة التي أخذتها 50 طنا من الوثائق السرية، كانت ملكا "للمالغ"، ومصير ما تبقى من هذه الوثائق التاريخية، وكيف أطاح مدير العلاقات الخارجية والجوسسة المضادة كمال لحرش، بمسعود زڤار، وكيف تخلّص الشاذلي من ظل قاصدي مرباح بعد أن صنع منه رئيسا للجزائر.
لاشكّ أنّ تأسيس وزارة التسليح والاتصالات العامة المعروفة ب"المالغ"، قد شكّل قفزة نوعية في مسار الثورة التحريرية، لكن في المقابل وكأي جهد بشري، تشوبه النقائص وتحيط به ظروف العمل، هل تعتقدون اليوم بعد أكثر من نصف قرن أنكم قد أخطأتم في قرارات ما أو مواقف ورفقاء لكم؟ تأسييس وزارة التسليح والاتصالات العامة، ضمن أول حكومة جزائرية مؤقتة في 19 سبتمبر 58، لم يأت من العدم، فبالعودة إلى صلاحيات رئيسها عبد الحفيظ بوصوف ضمن هذه الوزارة يتبين أن المهام التي أنيطت به هي نفس المهام والوظائف التي كان يمارسها ضمن لجنة التنسيق والتنفيذ في أوت 57، وكانت هذه المهام تخص سلاح الإشارة والاتصالات والمصالح الاستخبارتية، بنوعيها الاستخبارات والجوسسة المضادة، هذه المصالح كانت عملية وكانت في خدمة كل الوزراء وتحت تصرفهم، ومسؤولي جيش التحرير داخل البلاد وخارجها، وجميعهم كانوا راضين بأداء وخدمات هذه الوزارة، كانت غاية في الأهمية واستفادت منها الثورة كثيرا بجميع مصالحها وأذرعها، لكن خارج تسيير هذه المصالح بوصوف كان مسؤولا سياسيا، مثله مثل إخوانه في المجلس الوطني للثورة الجزائرية ولجنة التنفيذ والتنسيق، وفي هذا المستوى الذي كانت تظهر بعض التجاوزات والتباينات السياسية أو الإيديلوجية مع بعض الإخوان والمناضلين ضمن لجنة التنفيذ والتنسيق، وعلى وجه الخصوص وتحديدا ما حدث مع عبان رمضان الذي كان صاحب نظرة خاصة لكيفية تسيير الثورة.
تقصدون أن نظرة عبان رمضان كانت لا تتطابق ورؤية الجماعة؟ نعم، عبان رمضان كان صاحب توجه خاص لكيفية تسيير الثورة، وهذا التصوّر كان مخالفا جملة وتفصيلا لتصوّر القادة العسكريين للثورة.
هل كان لعبان رمضان أنصار داخل لجنة التنسيق؟ أبدا، هنا أؤكد أن رؤية عبان رمضان كانت معزولة ولم يكن لديه أي مؤيدين وكان يتعمد تقزيم رفقائه في الجهاد، وأقولها الرجل كان صاحب نظرة استعلاء وكان يحتقرهم، لدرجة أن احتكاكاته المتكررة بالرفاق استدعت في عديد المرات تدخل فرحات عباس. ألم يكن هناك حلول أخرى أمام الثورة و"المالغ" تحديدا سوى تصفيته؟ في عديد المرات التي سجل فيها التاريخ احتكاكا بين عبان ورفقاء له، كان يتدخل رئيس الحكومة المؤقتة فرحات عباس لفض الخلافات والتنبيه إلى أن تسيير الثورة بحاجة الى إجماع، إلا أن الرجل لم يكن يؤمن بضرورة الإجماع والتوافق في الآراء، والأخطر من هذا أنه كان يرفض النقاش مع رفاقه وينعتهم بأوصاف قبيحة، وكتب فرحات عباس في مذكراته أن عبان كان ينعت رفاقه "بالبغال"، فهذا الاختلاف والتباين على طول الخط بين عبان والقادة العسكريين للثورة تحوّل إلى مسألة وجود وبقاء، ولهذا، فإذا أردت من السؤال الاستفهام عن مقتل عبان وخيار الثورة تصفيته، فكل الكتابات والآراء تقاطعت عند نقطة واحدة، وهي أن الثورة لم يكن أمامها من حلّ سوى تصفيته وكان علاج لا بديل عنه. وعن أخطاء "المالغ" التي وجدت بعد مقتل عبان رمضان، أقولها وأؤكد، التجربة التي اكتسبتها هذه الهيئة، كانت تمنعها من الوقوف في الأخطاء وكانت نتائج عمل وزارة التسليح جد إيجابية والاتصالات التي كانت تقوم بها كانت في خدمة الثورة، بدليل أنها حققت أهدافها في تسليح الجميع، كما مدّت شبكات اتصالاتها للخارج وكانت في خدمة الجميع.
هل يمكن القول إن وزارة التسليح كانت عبارة عن حلقة وصل بين الجناح السياسي والجناح العسكري للثورة؟ طبعا، وهنا أؤكد أن هيكلة هذا الجهاز كانت شيئا وعبد الحفيظ بوصوف كشخص كان شيئا آخر، وهو رجل سياسي يجيد لعب الأدوار السياسية داخل الحكومة نظرا لعلاقاته، فكان يحسن التصرف والتعامل مع مختلف المستويات، فالثورة كانت جامعة والتقى عندها أصحاب المستويات العليا وأصحاب المستويات المحدودة، ورأي بوصوف كان مرجحا، رغم توافق رؤيته مع البعض واختلاف قرارته مع البعض الآخر، وكانت كلمة بوصوف فاصلة وكل اجتماع للحكومة المؤقتة، كان يتناول الكلمة فيها مباشرة بعد افتتاح الجلسة من قبل فرحات عباس أو بعده بعد بن يوسف بن خذة، وذلك كون بوصوف من موقع إشرافه على وزارة التسليح والاتصالات العامة، كانت المعطيات الأساسية تجتمع لديه، وكان مطالبا في كل اجتماع بوضع أعضاء الحكومة في الصورة بالمعطيات الأساسية عن الوضع السياسي والعسكري والدبلوماسي للثورة.
كيف تنظرون إلى حلّ وزارة التسليح والاتصالات العامة غداة الاستقلال في سياق الصراع بين السياسيين والعسكريين (الحكومة المؤقتة وقيادة الأركان)؟ لم يكن هناك أي قرار صريح بحل وزارة التسليح والاتصالات العامة بعد الثورة، ولكن كل ما في الأمر أن الحكومة المؤقتة بعد الأزمة التي شهدها مؤتمر طرابلس في جوان 1962، أي قبل شهر واحد من تاريخ الاستقلال، والخلاف والشرخ الذي أصاب العلاقة بين الحكومة المؤقتة، وقيادة الأركان وبن بلة، حيث أراد هؤلاء تجميد الحكومة المؤقتة وتأسيس مكتب سياسي يتولى صلاحيات الحكومة المؤقتة، وكان من منطلق أنهم المسؤولون على اتفاقية ايفيان وتطبيق بنودها الى غاية الاستقلال، فما كان من أعضاء الحكومة المؤقتة سوى الانسحاب والعودة أدراجهم في اتجاه تونس، اللجنة المؤقتة عقدت اجتماعا خاصا ولم يحصل النصاب القانوني، فوضعوا لائحة تضمنت قرارا مفاده أن الحكومة انسحبت وهمشت نفسها بنفسها ولم تعد صاحبة قرار ملزم بالنسبة لهم، عادت جماعة قيادة الأركان إلى العاصمة، كما عاد بن خدة كذلك إليها وشكل فريقه الحكومي والتحق بقصر الحكومة، إلا أن المجتمعين بتلمسان، جندوا أعدادا هامة من الوحدات والعسكريين وعادوا إلى العاصمة مدججين بالآلية الحربية، وعندما علم بن يوسف بن خذة بالأمر حقن دماء الجزائريين وتنازل عن حقه في قيادة الحكومة المؤقتة، قناعة منه أن ما سال من دماء الجزائريين يكفي، ومناصب المسؤوليات لا تستحق أن تسيل دماء الجزائريين مجددا لأجلها، ولكن بوصوف لم يدخل الجزائر وبقي في تونس، وخلال شهر جوان -أي في الفترة التي شهدت اجتماع طرابلس الذي قطع حبال الود التي كانت تربط الحكومة المؤقتة بقيادة الأركان- أصدر تعليمته المشهورة خاطب فيها أعضاء تنظيمه "المالغ"، شكرهم على أدائهم وتضحياتهم للثورة، ونصح ببقائهم تحت خدمة الثورة وبناء الجزائر.
ألا تعتقدون أنها تعليمة ضمنية لحلّ وزارة التسليح؟ نعم، قد تكون كذلك، لأن بوصوف كان قد توقف عن النشاط، كما تعمّد توجيه التعليمة لتحييد عناصر "المالغ" من أي صراع، وصفه يومها ب"صراع الكبار".
ألم يشكّل بعدها "انعزال واعتزال" القائد عبد الحفيظ بوصوف للسياسة خسارة للجزائر المستقلة، وهل ترونه أخذ حقّه لاحقا؟ بوصوف لم يُعزل، لكنه انسحب واختار ذلك بإرادته الخاصة عن قناعة تشكلت لديه في أعقاب اجتماع طرابلس وبعد اجتماع اللجنة التنفيذية الذي أسقط أقنعة عديد المسؤولين الذين تنامت لديهم الطموحات، وبدأت تتضح ملامح التحالفات، وبالنسبة له لم يكن مؤشر خير بمستقبل الجزائر المستقلة، مثلما كانت ترجوه الحكومة المؤقتة التي كانت قد وضعت تصورا للجزائر المستقلة. من هي الأسماء الأكثر طموحا.. وطمعا؟ كان منهم بن بلة وجماعته، وكان رابح بيطاط وخيضر من أكثر الطامحين، إضافة إلى بومدين رغم أنه فضل الصف الثاني على الصف الأول لحسابات لديه، وربما كانت استراتيجية لديه، ولم تكن قيادة الأركان وحدها ضد الحكومة المؤقتة، بل قيادة الأركان كانت ذكية وعززت مواقعها بدعم سياسي من قبل عديد الأسماء والشخصيات الثورية. وبومدين ضمن مساعيه في التجنيد وتعزيز مواقعه، أسس المكتب السياسي، واختار له محمد بوضياف رئيسا، وعرض عليه قبل أن يعرض على بن بلة قيادة المكتب السياسي، وحاول إغراء بوضياف من منطلق أنه إن تمكن من هذا المنصب فسيكون رئيس الجزائر، إلا أن بوضياف رفض.
لماذا في اعتقادكم رفض الراحل بوضياف ترؤّس المكتب السياسي؟ بوضياف لم يكن أبدا يثق في شخص هواري بومدين ولا قيادة الأركان، وكان يجهر بأنه لا يأمن جانب الرجل ولا قيادة الأركان، كون الاجتماع الأول كشف توجهاتهم وتراجع المكتب السياسي على كل ما تضمنته اتفاقية ايفيان، واختار توجهات مغايرة تماما لملامح الاتفاقية كسياسة الحزب الواحد، وهذا خيار غير ديمقراطي، كما أن الإصلاح الزراعي لم يكن ضمن اتفاقية ايفيان، فالفرنسيون عمدوا إلى وضع بنود للحفاظ على مصالحهم.
تقصدون أن الطرف الجزائري خرق اتفاقية "ايفيان" حتى قبل الاستقلال؟ اتفاقية ايفيان لم تلزم الطرف الجزائري يوما، فهناك عديد البنود خرقت حتى قبل مغادرة الفرنسيين، فمثلا اتفاقية ايفيان تعطي حقا للدولة الجزائرية في تأميم أي مصلحة أو ثروة، لكن بالمقابل تفرض التعويض المنصف، إلا أنهم في 63 أخذوا كل شيء وأمموا ما ارتأوا ضرورة تأميمه دون تقديم تعويض، والطرف الفرنسي كان مدركا أن الجزائر لن تلتزم ببنود اتفاقية "ايفيان" إلا أنهم تعمّدوا اتخاذها حجة لتبرير انسحابهم بشرف بعد أن انهارت قوة الاستعمار بسبب ضربات الثورة.
هل تعتبرون انسحاب بوصوف من المشهد السياسي قبيل الاستقلال خسارة؟ انسحاب بوصوف كان خسارة كبيرة بالنسبة للجزائر لأنه كان يحمل صفة القائد، كان مؤهلا سياسيا وتقنيا وعسكريا ودبلوماسيا، لتسيير مرحلة الثورة ومرحلة البناء، وكان صاحب معلومات وخدمة وفرها لجميع الأطراف، وكان حلقة الوصل لجلب الأسلحة إلا أنه عند هذه النقطة أوضح أن مهمته كانت تنحصر في إيصال الأسلحة للحدود ولم تكن من صلاحياته إدخالها، بالمقابل تتولى قيادة الأركان تأمين دخولها وتسلمها، وكان في خدمة الدولة قبل الاستقلال وعمل على توفير الأجهزة للجزائر المستقلة في مجال الاتصالات، كون 800 إطار في مجال الاتصالات غطوا 100 ٪ حاجيات الدولة، وكوّن إطارات في مجال الطيران والبحرية وأسس لمديرية الأمن ومديرية الاستخبارات بعدها. بوصوف كان صاحب رؤية بعدية، ففاوض من أجل منحة لفائدة الإطارات الجزائريين لتكوينهم في مجال المحروقات واستخراجها وفي الهندسة النووية.
هل لنا أن نعرف بعض الأسماء التي استفادت من المنح الدراسية التي حصلت عليها "المالغ"؟ كثيرون، أذكر منهم شكيب خليل الذي كان واحدا من 10 إطارات اختارتهم وزارة التسليح لتلقي تكوينا في مجال المحروقات في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفي رومانيا، أذكر منهم كذلك آيت الحسين و5 إطارات أرسلوا إلى تشكوسلوفاكيا للتكوين في الهندسة النووية سنة 1958، وسنة 1961 عندما دخلوا في عطلة تعرّضت طائرتهم القادمة من براغ باتجاه الدار اليضاء إلى تفجير من قبل القوات الخاصة الفرنسية فوق سماء المغرب.
إذا بوصوف لم تنصفه الأيام؟ فعلا بوصوف لم يأخذ حقه، وهو في الأصل لم يكن طالب منصب، عرض عليه بومدين منصب رئيس مجلس إدارة شركة سونلغاز، ورفض وأجابه بأنه لم يطلب شيئا، وذلك لأن أمر بومدين كان مفضوحا في سعيه بعد التصحيح الثوري الى استرضاء قيادات الثورة وتعزيز محيطه بالأسماء الثقيلة التي كانت على خلاف معه خلال الثورة وعشية الاستقلال، وحاول منح مناصب شرفية لكل من بن طوبال، فتولى الأول مهمة رئاسة مجلس إدارة شركة تركيب السيارات الصناعية وخيضر منحه منصب رئاسة مجلس إدارة ؟؟؟؟؟؟؟.
ما هي المشاكل التي عكرت العلاقة بين بومدين وبوصوف؟ المشكل كان كبيرا، وبومدين كان من إنتاج بوصوف ووقف إلى جانبه وكان صاحب فضل عليه في ترقيته في المراحل الأولى وحتى في تعيينه على رأس قيادة الأركان وهو الذي عيّنه في 56 في المرحلة الأولى كرائد ونائب له رغم أنه كان في بداياته، وكان مجرد مدرب للدفعة الأولى لإطارات مصلحة الاتصالات، ولأنه اكتشف أنه متحدث جيد، قرّبه منه. فأول مهمة أوكلت لهواري بومدين، كانت عندما جاء في الباخرة "دينا"، حمله بن بلة رسالة موجهة إلى بوضياف الذي كان في مهمة بالمغرب لجمع الأسلحة، وحملت الرسالة خبرا مفاده أن بن بلة عيّن حامل الرسالة كمساعد له في مهمته المتمثلة في جمع الأسلحة من المغرب، فرفض بوضياف واحتج لدى بوصوف واعتبر قرار بن بلة محاولة للتجسس عليه، فسحب بوصوف بومدين واستعان بخدماته، وعيّنه رائدا نائبا له وقائدا للولاية الخامسة بعدها، الأمر الذي أثار سخط الكثيرين منهم حنصالي، لطفي ومسؤول آخر عسكري كبير يدعى عقب الليل بوزيدي الذي أعطى التعيين قراءة جهوية على اعتبار أن بن مهيدي كان من الشرق وبوصوف من الشرق وعين بومدين من الشرق كذلك، ووقع في فخ الجهوية، التي جرّت للمحتج قرار الإعدام، وبوصوف هو من عين بومدين في قيادة الأركان، ومشكلة بومدين كانت مع الحكومة المؤقتة ولم يستسغ موقف بوصوف من الاتهامات والانتقادات التي كان يكيلها للحكومة المؤقتة بخصوص وصفه لها بالعجز والتقصير، وهي الاتهامات التي اعتبرها بوصوف دوما غير مؤسسة ومجحفة في حق الحكومة "الجوبيرا"، ومن الأشياء التي رفضها دائما بومدين مبدأ أولوية العمل السياسي على العسكري. أما القطرة التي أفاضت الكأس في علاقة الرجلين، فتكمن في حقيقة الطلب الذي تقدم به بومدين لبوصوف والمتمثل في التنازل له عن صلاحياته في وزارة التسليح والاتصالات العامة وغيرها، وهو الأمر الذي رفضه بوصوف جملة وتفصيلا، وأكد له أنه يضع كل المعلومات والأجهزة تحت تصرفه إلا أن أمر التنازل عن صلاحيات وزارة التسليح والاتصالات العامة لصالح قيادة الأركان مرفوض، ولن يحدث مهما كان الأمر. كما كان ممتعضا من كيفية التعاطي مع السلطات التونسية وخاصة الرئيس بورقيبة، وفي قضية الطيار الذي طلبت تونس استيلامه ورفض بومدين لولا تدخل فرحات عباس، الذي جنب الجزائر أزمة عسكرية بين الجيشين الجزائريوالتونسي.
من الشخصية السياسية التي كانت الأقرب لبوصوف؟ ولا واحد من السياسيين، كون الرجل كان يشكل خطرا في اعتقادهم، وكثيرهم كانوا يخشونه.
ما هو المصير الذي واجهه رجالات بوصوف وقتها، وهل فعلا تمّ إدماجهم جميعا من طرف هواري بومدين في وزارة الدفاع الوطني؟ إطارات "المالغ" تلقوا أوامر من بوصوف حتى يبقوا تحت خدمة الدولة، الأمر الذي أدى بهم للانضباط وسهل إدماجهم ضمن أجهزة الدولة التي كانت فعلا في حاجة إلى خدماتهم، فمد "المالغ" الجزائر المستقلة ب 35 سفيرا انضموا للسلك الدبلوماسي، وهناك من كانوا على مستوى الإدارة المحلية والمركزية، منهم 20 واليا، وعلى مستوى المصالح التقنية، الأمن والدرك والأمن العسكري فكانت إطارات "المالغ" النواة الأساسية لجهاز "الدي أر أس"، وثلث رجالات الجهاز التحقوا بالأمن العسكري. ومع ذلك لم تتم الاستعانة بهذه الإطارات في مناصب سياسية.
تحدثتم في مناسبات سابقة عن مصير الأسلحة التي بقيت في الخارج بعد وقف إطلاق النار، مثلما كشفتم عن تسليم جزء منها للفلسطينيين والمصريين، هل يمكن أن توافونا ببعض التفاصيل المرتبطة بهذه العملية؟ بوصوف كان أطلق عمليات جمع الأسلحة منذ 1956، وكان يرجو جمع السلاح للولاية الخامسة التي كان ينتمي إليها، والأسلحة التي وصلته عبر الباخرة "دينا" وباخرة "الانتصار" فيما بعد، أخذ منها حاجته وموّن الولايات المجاورة وتحديدا الرابعة والسادسة، لكن مهامه في الحكومة الجديدة عندما تم دمج وزارتين في وزارة واحدة، مكّنه من فتح أفق أرحب لجلب الأسلحة، وخلال وقف إطلاق النار استلمت قيادة الأركان نحو 16 ألف طن في الشرق و8400 طن من الغرب، وهذه الأسلحة لم يدخل منها سوى القليل، ومع ذلك بفضل هذه الأسلحة تمكن بومدين من تشكيل جيش الحدود الذي ضم أكثر من 30 ألف جندي، وكان جيشا قويا والقوة الضاربة لقيادة الأركان. وبعد الاستقلال بقي 15 ألف طن من السلاح في مخازن "المالغ" بكل من سوريا ومصر بالأسكندرية ومرسى مطروح وفي ليبيا ببن غازي وطرابلس، وهذا السلاح ورثته وزارة الدفاع، وخصصت باخرتين لجلبه تدريجيا من الخارج "ستاف أوف ألكسندريا" و"ابن خلدون"، وكانت السفينتان ترسوان في ميناء عنابة، قبل حادثة تفجير بالسفينة الأولى وبقيت أسباب الحادثة مجهولة، فيما إذا كان التفجير مفتعلا أم حادثا. فعلا، كما تفضلت، كميات هامة من هذه الأسلحة قدمت للفلسطينيين دعما للقضية، كما قدمت كميات أخرى للحركات التحريرية للموزمبيق، أنغولا، غينيا بيساو، نامبيا والدول الواقعة في جنوب إفريقيا وكانت تنقل بالطائرات الجزائرية، وكان قائما على العملية سليم بن عبد الله. أما بخصوص قضية السلاح الذي بقي في مخازن مصر، فقدر ب 15 ألف بندقية، ويفترض أنها كانت عبارة عن وديعة، ومباشرة بعد 19 جوان 1967 وبعد التصحيح الثوري، يبدو أن غضب عبد الناصر من الإطاحة بصديقه بن بلة، حركه ودفعه إلى رفض إعادة الأسلحة، وزعم يومها أن كميات الأسلحة في مخازن مصر، هي هدية قدمها الرئيس بن بلة قبل تنحيته لمصر لدعمها في حربها ضد إسرائيل، وفي الحقيقة أنه استولى عليها نكاية في القيادة الجديدة، ويشهد العقيد عمار بن عودة الذي كان يومها هناك أن بن بلة أخبره بأن الأسلحة هي هدية في حين يفند بومدين كقائد للأركان الواقعة، ولحد الساعة ليس هناك أي دليل بخصوص صحة مزاعم الرئيس عبد الناصر.
في ذات السياق، نشب جدل إعلامي بين خالد نزار وعمار بن عودة حول استعادة الأسلحة المخزّنة في مصر، حيث اتّهم الأول الثاني بالتنازل عنها دون علم القيادة في الجزائر، ما هو وجه الحقيقة في الملفّ؟ أعتقد أن شهادة العقيد عمار بن عودة، التي قدمها مكتوبة، مجروحة ولا أساس لها من الصحة، حتى لا أقول إنها شهادة زور، لأن بن عودة رجّح مصلحة الجزائر، ففكر في تجنيب الجزائر نتائج عداوة بين جمال عبد الناصر وهواري بومدين، خاصة وأن بن بلة حتى بعد تحريره من إقامته لم يدل بأي تفاصيل بخصوص الأسلحة الجزائرية التي بقيت بمخازن "المالغ" بمصر، والأمر أعتقد أنه كان استيلاء نكاية في القيادة الجديدة.
ما موقفكم من كتابة التاريخ، والتراشق الحاصل بين رجالات الثورة؟ أغلبية الذين دخلوا على خط كتابة التاريخ، تراشقهم غير مؤسس، والقضية هي قضية تصفية حسابات، غالبية من كتبوا في تاريخ الثورة اختصروا كتاباتهم في حياتهم وأدوارهم ومواقفهم من الثورة، الأمر الذي أعطى لهذه الكتابات طابع المذكرات والسير الذاتية، وهناك الكثير من بالغوا في التراشق، وهو أمر اعتبره غير أخلاقي، وغير لائق، والثورة تحتاج إلى كتابات ناضجة وواعية تبتعد عن التراشق حتى لا تفقد الثورة هيبتها وسمعتها وقدسيتها ومصداقيتها، كون التراشق في الغالب سببه أمور تافهة بعيدة كل البعد الأمور الجوهرية.
يشاع أنّ الرئيس الفرنسي ميتران طلب من الشاذلي في زيارته للجزائر في 30 نوفمبر 1981 تصفية جهاز المخابرات الموروث عن "المالغ"، ولذلك تمّ إبعاد قاصدي مرباح، ما صحّة هذا الأمر؟ لا أعتقد أن شخصية سياسية بحجم الرئيس الفرنسي، تنقصه الحنكة حتى يقدم على طلب مثل هذا للرئيس الشاذلي ولغيره، لكن كل ما في الأمر أن التاريخ أثبت أن من تقاليد عديد الدول أن الجماعة التي تكون وراء إيصال شخص ما إلى رئاسة الجمهورية، يتم إبعادها بعد تولي هذا الشخص منصب الرئاسة، وهذا ما أقدم عليه الشاذلي، ومعروف أن الشاذلي كرئيس كان صنيعة قاصدي مرباح الذي انقلب عليه فيما بعد، بدليل أن الرئيس أبقى على هيكل الجهاز ولم يحله واكتفى بإبعاد قاصدي مرباح ويزيد زرهوني، وحاول إرضاءهما، فعيّن الأول في منصب نائب وزير الدفاع مكلف بالصناعة الحربية، وعيّن زرهوني سفيرا للجزائر بالخارج؟؟؟؟؟؟؟؟. في شهر نوفمبر من عام 1987 يرحل واحد من أساطير المخابرات الجزائرية في ظروف غامضة، وهو مسعود زڤار، البعض يتحدث عن اغتيال انتقامي يقف وراءه الفرنسيون، ما هي معلوماتكم بهذا الخصوص؟ حادثة وفاة مسعود زڤار لم يلفها الغموض، لأن وفاته كانت على مرأى من الجميع وفي مطعم كان رفقة أصدقاء وبسكة قلبية، لكن مسببات الأزمة القلبية، تعيدنا إلى ظروف سجن الرجل بالمحكمة العسكرية بالبليدة، حيث كان مصابا بأمراض مزمنة مثل السكري وضغط الدم، فحرم من أبسط حقوقه رغم أن إقامته بالسجن دامت لشهور، ووضعيته الصحية تدهورت بسبب حرمانه من الرقابة الصحية ومنع الدواء عليه، وهنا أعتبر أن سجنه كان بمثابة نصف موته، وعندما غادر السجن كان منهارا نفسيا وجسديا. ووجهت له اتهامات بعد كل الذي قدمه للثورة، بخصوص صفقات سلاح واستخدامه من قبل المخابرات الأمريكية، ولم يتحمل بعد خروجه انهيار إمبراطوريته المالية، وهنا مسؤولية الفرنسيين في وفاته كانت تكمن في مشاركتهم في تحضير الملف الذي شكل سبب الزج به في السجن، ومعروف أن مدير العلاقات الخارجية والجوسسة المضادة هو من عمل على الملف، ويتعلق الأمر بكمال لحرش الذي عمل على ملف زڤار.
ما تعليقكم حول ما تم تداوله على لسان بعض الشخصيات من أن زڤار أوقف قرار إعدام بومدين؟ هذه المعلومات عارية من الصحة، ولم يكن أبدا بإمكان بوصوف أن يتخذ قرارا مثل هذا في حق بومدين، وأين المحكمة التي كانت ستقدم على حكم مثل هذا، فبعد قضية عبان رمضان انتهى زمن التصفيات.
هل تعتقدون أن الثورة جاءت في وقتها المناسب، وأنها حققت أهدافها؟ أجل الثورة جاءت في وقتها المناسب، وكان يفترض أن تكون قبل ذلك، فالجيران سبقونا، واختلاف قيادات انتصار الحريات الديمقراطية وأزمة المصاليين والمركزيين عطّلا انطلاق الثورة التي كانت جاهزة منذ 47 بميلاد المنظمة السرية، والثورة حققت أهدافها، بالنظر إلى ما سطره بيان أول نوفمبر والذي حدّد السيادة هدفا واستقلال التراب الوطني وأهداف أخرى تحققت.
هناك من يقول إن لكل ثورة ضحاياها، فهل كان للثورة الجزائرية ضحايا؟ ومن هم؟ يقال دوما بأن الثورة تتغذى من أبنائها، وهذا شيء معروف، كان هناك عدد كبير من المسؤولين تطبعهم فوارق في المقاربات الإيديولوجية والطموحات السياسية وأحيانا كانت هناك أخطاء فردية معزولة، كما سجلت بعض التجاوزات الأخلاقية جرّت عددا كبيرا إلى الحساب، وهذا أمر طبيعي وعادي في الثورات.
يتهم فتحي الذيب بوصوف بإدارة جهاز إرهابي في مصر أنذاك، ويذكر كيف ألقي بشاب جزائري من العمارة، ما هي خلفيات هذه الاتهامات؟ اتهامات فتحي ذيب كانت مجرد تصفية حسابات ضيّقة، وكان يحركه الحقد تجاه عبد الحفيظ بوصوف الذي كان يمقته، لا لسبب سوى لأن بوصوف جرده من عديد الصلاحيات التي كان يتغاضى عنها بن بلة، وكان يتعامل مع الثورة الجزائرية وكأنها شأن داخلي مصري، وهذا يظهر جليا في كتاباته، وعندما وصل بوصوف، كان المفاوض وأوقفه عند حدوده، كما كان خلافه مع بوصوف مردّه سياسة هذا الأخير في اقتناء الأسلحة، حيث نوّع من مصادر التموين بالسلاح، من أوروبا الغربية والشرقية وآسيا والصين تحديدا، فقلص من الأدوار التي كانت تلعبها مصر في الثورة الجزائرية. وبخصوص ما يدعيه عن وجود تنظيم إرهابي وتوقيف 50 مجندا ضمن المخابرات للتجسس في مصر، لا أساس له من الصحة، لم يكن هناك أي مخابرات في مصر، والمخابرات الجزائرية كانت متمركزة في ليبيا والمغرب وتونس فقط وإنما ال 50 مجندا كانوا في مجال الاتصالات وهناك عديد الأشياء لا أساس لها من الصحة وكانت مجرد افتراء كذب. ذيب قدم معلومات مكذوبة في عدد السفن التي دعمت الجزائر، كما ضخم كثيرا فيما يخص الأموال التي وُجهت لدعم الثورة الجزائرية في كل ما كتبه عن الجزائر. أما قضية الشاب الذي يدعي أنه ألقي من عمارة، فالحقيقة أن هذا الشاب الذي لم يكن شابا وهو مناضل كان يدعى علاوة أميرة ممثل جبهة التحرير في لبنان كان صديقا حميما للمين دباغين وخصم لفرحات عباس، فأصبح يشتمه ويتعرض له ولعرضه، فاستدعاه عباس الى مقر الحكومة المؤقتة واستقبله في مكتب بوصوف في الطابق الخامس لأن هذا الأخير كان غائبا في مهمة بتونس، فحصل تراشق كلامي بين الرجلين ووصل الحد بعباس حد محاولة ضربه وكان يومها الرائد قاسي وآخر يدعى محمد الغاسيري، ولدى وقوف الثلاثة، خرج مسرعا وألقى بنفسه من الشرفة. وطبعا بوصوف منع وكيل الجمهورية والسلطات الأمنية والقضائية في مصر الدخول الى مقر الحكومة المؤقتة وهو الأمر الذي أعطى تفسير التصفية. ما مصير الوثائق التي كانت بحوزة "المالغ"؟ سلمنا كل الوثائق المتعلقة بأرشيف الثورة والتي كانت بحوزة "المالغ" الذي تجاوز وزنها 50 طنا لوزارة الدفاع، وبقي بحوزة كل واحد منا بعض الوثائق، وكل من عايش فترة بوصوف يعلم ما في هذه الوثائق التي لا تحمل أي طابع سري، ومجاهدو "المالغ" كتبوا ووثقوا 25 مؤلفا. وكتابي سيكون جاهزا السنة القادمة إن شاء الله، سأكشف فيه عديد من الأمور.