ضريح الصحابي الجليل أبو هريرة اسمه يتردد كلما ذكر حديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام كان أقرب الصحابة إليه لازمه في كثير من الأشياء فأصبح أعلم الناس بأقواله عليه الصلاة والسلام إنه أبو هريرة الذي أعياني البحث من أجل الوصول إلى ضريحه بدمشق تلك المدينة التي جلتها شرقا وغربا شمالا وجنوبا ولكني لم أسمع أن الصحابي الجليل أبو هريرة له ضريح بها وبعد أيام من البحث وجدت من يدلني على هذا المكان المخفي وعندما وصلت إليه ازدادت حيرتي * نفخ الرسول "ص" في ثوبه فحفظ آلاف الأحاديث * * * أول أسباب الحيرة أن هذا المكان أمر عليه أكثر من مرة في اليوم الواحد، فالضريح يقع في أول انعطافة بسوق الحميدية، ولكن تعجز العين مهما كانت مدى قوة الملاحظة لدى صاحبها عن رؤية تلك اللافتة الصغيرة الغارقة تحت لافتات تجارية وزحام الناس، اللافتة مكتوب عليها جامع الصحابي الجليل أبوهريرة، اقتربت من ذلك الباب الصغير للمسجد فوجدته موصدا، سألت عن المفتاح وبعد 03 ساعات من البحث وجدت الشيخ "يحياوي" الذي رحب بي وفتح لي باب المسجد وباب الضريح أيضا، وأمام هذا القبر الصغير تذكرت سيرة واحد من أعظم الصحابة علما. * * * قطة كانت السبب في شهرته ب"أبوهريرة" * * أبو هريرة، هو عبد الرحمن بن صخر، من ولد ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس اليماني، وهو من أعظم قبائل العرب وأشهرها، والراجح عند العلماء أن اسمه في الجاهلية كان عبد شمس، فلما أسلم سماه رسول الله "ص" ب"عبد الرحمن"؛ لأنه لا يجوز تسمية إنسان بأنه عبد فلان أو عبد شيء من الأشياء، وإنما هو عبد الله فقط، فيسمى باسم عبد الله أو عبد الرحمن وهكذا، وعبد الرحمن هو الذي يسكن إليه القلب. * واشتهر أبوهريرة بكنيته، وبها عرف حتى غلبت على اسمه، فكاد ينسى، وأخرج الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "إنما كنوني بأبي هريرة لأني كنت أرعى غنما لأهلي، فوجدت أولاد هرة وحشية، فجعلتها في كمي، فلما رجعت إليهم سمعوا أصوات الهر من حجري، فقالوا: ما هذا يا عبد شمس؟ فقلت: أولاد هرة وجدتها، قالوا: فأنت أبوهريرة، فلزمني بعد". * وأخرج الترمذي عنه قال: "كنت أرعى غنم أهلي، فكانت لي هريرة صغيرة، فكنت أضعها بالليل في الشجرة، فإذا كان النهار ذهبت بها معي فلعبت بها، فكنوني بأبي هريرة". * لكن أبو هريرة رضي الله عنه يقول: "كان رسول الله "ص" يدعوني: أبا هرٍ، ويدعوني الناس: أبا هريرة"، ولذلك يقول: "لأن تكنونني بالذكر أحب إلي من أن تكنوني بالأنثى". * * * قصة "الثوب" وسر حفظه لجميع أقوال الرسول "ص" * * المشهور أن أبا هريرة أسلم سنة سبع من الهجرة بين الحديبية وخيبر، وكان عمره حينذاك حوالي 30 سنة، ثم قدم المدينة مع النبي "ص" حين رجوعه من خيبر وسكن "الصفة"، ولازم الرسول ملازمة تامة، يدور معه حيثما دار، ويأكل عنده في غالب الأحيان، إلى أن توفي "ص"، وكان ثمرة هذه الملازمة أنه اطلع على ما لم يطلع عليه غيره من أقوال الرسول وأعماله، ولقد كان سيئ الحفظ حين أسلم، فشكا ذلك إلى رسول الله "ص"، فقال له: "افتح كساءك، فبسطه، ثم قال له: ضمه إلى صدرك فضمه، فما نسي حديثا بعده قط، وهذه القصة قصة بسط الثوب أخرجها أئمة الحديث كالبخاري ومسلم وأحمد والنسائي. * * * ثناء الله والرسول "ص" عليه * * أبو هريرة واحد من الصحابة رضي الله عنهم الذي نال أجر الصحبة المطلقة، وكسب العدالة التي لحقت بهم جميعا وأثبتتها آيات القرآن الكريم، ونال شرف دعوة النبي "ص" ونال أجر الهجرة إلى الله ورسوله، إذ كانت هجرته قبل الفتح وشرف دعوة النبي "ص" له، وأجر الجهاد تحت راية رسول الله "ص"، وأجر حفظ حديث رسول الله "ص" وتبليغه. * وقال رسول الله "ص": "والذي نفس محمد بيده، لقد ظننت أنك أول من يسألني عن ذلك من أمتي، لما رأيت من حرصك على العلم". * وفي رواية قال: "لقد ظننت لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث". * وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله "ص": "أبوهريرة وعاء من العلم"، قال زيد بن ثابت: فقلنا: يا رسول الله، ونحن نسأل الله علما لا ينسى فقال: "سبقكم بها الغلام الدوسي". * * منزلته العظيمة بين الصحابة * * جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنه في مسألة، فقال ابن عباس لأبي هريرة رضي الله عنه: أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة. * قال الشافعي: أبو هريرة رضي الله عنه أحفظ من روى الحديث في دهره. * وقال البخاري: روى عنه نحو ثمانمائة من أهل العلم، وكان أحفظ من روى الحديث في عصره. * وقال الذهبي: الإمام الفقيه المجتهد الحافظ، صاحب رسول الله "ص"، أبو هريرة رضي الله عنه الدوسي اليماني، سيد الحفاظ الأثبات. * وقال في موضع آخر: أبو هريرة رضي الله عنه إليه المنتهى في حفظ ما سمعه من الرسول "ص" وأدائه بحروفه. * وقال أيضا: كان أبو هريرة رضي الله عنه وثيق الحفظ، ما علمنا أنه أخطأ في حديث. * وقال أيضا: هو رأس في القرآن وفي السنة، وفي الفقه. * وقال: أين مثل أبي هريرة رضي الله عنه في حفظه وسعة علمه. * * * روى عنه أكثر من 800 من الصحابة وأهل العلم * * روى أبو هريرة عن كثير من الصحابة منهم: أبو بكر، وعمر، والفضل بن العباس، وأبي بن كعب ، وأسامة بن زيد، وعائشة رضي الله عنهم أجمعين. * وأما الصحابة الذين رووا عنه، منهم: ابن عباس، وابن عمر، وأنس بن مالك، وواثلة بن الأسقع، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو أيوب الأنصاري رضي الله عنهم. * ومن التابعين سعيد بن المسيب، وكان زوج ابنته، وعبد الله بن ثعلبة، وعروة بن الزبير، وقبيصة بن ذؤيب، وسلمان الأغر، وسليمان بن يسار، وعراك بن مالك، وسالم بن عبد الله بن عمر، وأبو سلمة، وحميد ابنا عبد الرحمن بن عوف، ومحمد بن سيرين، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن يسار رضي الله عنهم، وكثيرون جدا، بلغوا كما قال البخاري: 800 من أهل العلم والفقه. * * * روى آلاف الأحاديث عن الرسول "ص" * * ما من كتاب معتمد في الحديث إلا فيه أحاديث عن الصحابي الجليل أبى هريرة رضي الله عنه، الذي تناولت أحاديثه معظم أبواب الفقه: في العقائد، والعبادات، والمعاملات، والجهاد، والسير، والمناقب، والتفسير، والطلاق، والنكاح، والأدب، والدعوات، والرقاق، والذكر والتسبيح.. وغير ذلك. * روى له الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (3848) حديث، * وروى له أصحاب الكتب الستة والإمام مالك في موطئه (2218)، وله في الصحيحين منها (609)، واتفق الشيخان: الإمام البخاري والإمام مسلم على (326) منها، وانفرد الإمام البخاري ب ( 93) حديثا، ومسلم ب (190) حديث. * * * سبب كثرة حديثه ورده على المشككين * * كان أبو هريرة رضي الله عنه يبين أسباب كثرة حديثه، فيقول: إنكم لتقولون أكثر أبوهريرة عن النبي "ص"، والله الموعد، ويقولون: ما للمهاجرين لا يحدثون عن رسول الله "ص" هذه الأحاديث، وإن أصحابي من المهاجرين كانت تشغلهم أرضوهم والقيام عليها، وإني كنت امرءا مسكينا ألزم رسول الله "ص" على ملء بطني، وكنت أكثر مجالسة رسول الله، أحضر إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، وإن النبي "ص" حدثنا يوما فقال: "من يبسط ثوبه حتى أفرغ فيه من حديثي، ثم يقبضه إليه فلا ينسى شيئا سمعه مني أبدا"، فبسطت ثوبي أو قال نمرتي فحدثني ثم قبضته إلي، فو الله ما كنت نسيت شيئا سمعته منه. * وكان يقول: وأيم الله.. لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبدا، ثم يتلو: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّهُ لِلنَّاسِ في الْكِتَابِ أُوْلئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}، وكان يدعو الناس إلى نشر العلم، وعدم الكذب على رسول "ص"، من ذلك ما يرويه عن النبي "ص"، أنه قال: "من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار يوم القيامة"، وعنه أيضا: "ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" متفق عليه. * * * صدقه وثقة الصحابة به * * وقد شهد له إخوانه أصحاب رسول الله "ص" بكثرة سماعه وأخذه عن رسول الله "ص"، وهذه الشهادات تدفع كل ريب أو ظن حول كثرة حديثه، حتى إن بعض الصحابة رضي الله عنهم رووا عنه لأنه سمع من النبي الكريم ولم يسمعوا، ومن هذا أن رجلا جاء إلى طلحة بن عبيد الله، فقال: يا أبا محمد، أرأيت هذا اليماني يعني أبا هريرة أهو أعلم بحديث رسول الله "ص" منكم؟، نسمع منه أشياء لا نسمعها منكم، أم هو يقول عن رسول الله "ص" ما لم يقل؟ قال: أما أن يكون سمع ما لم نسمع، فلا أشك، سأحدثك عن ذلك: إنا كنا أهل بيوتات وغنم وعمل، كنا نأتي رسول الله "ص" طرفي النهار، وكان مسكينا ضيفا على باب رسول الله "ص" يده مع يده، فلا نشك أنه سمع ما لم نسمع، ولا تجد أحدا فيه خير يقول عن رسول الله "ص" ما لم يقل، وقال في رواية: "قد سمعنا كما سمع، ولكنه حفظ ونسينا". * * * جرأته على الرسول "ص" من أجل العلم * * وروى أشعث بن سليم عن أبيه قال: سمعت أبا أيوب "الأنصاري" يحدث عن أبي هريرة فقيل له: أنت صاحب رسول الله "ص" وتحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه؟ فقال: إن أبا هريرة قد سمع ما لم نسمع، وإني أن أحدث عنه أحب إلي من أن أحدث عن رسول الله "ص"، يعني ما لم أسمعه منه. * ثم إن جرأة أبي هريرة رضي الله عنه في سؤال الرسول "ص" أتاحت له أن يعرف كثيرا مما لم يعرفه أصحابه، فكان لا يتأخر عن أن يسأله عن كل ما يعرض له، حيث كان غيره لا يفعل ذلك، قال أٌبي بن كعب: كان أبو هريرة رضي الله عنه جريئا على النبي "ص" يسأله عن أشياء لا نسأله عنها. * كما كان يسأل الصحابة الذين سبقوه إلى الإسلام، فكان لا يتأخر عن طلب العلم، بل كان يسعى إليه في حياة الرسول "ص"، وبعد وفاته. * وهو الذي يروى عنه: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين". * وقد رأينا أبا هريرة رضي الله عنه يحب الخير ويعمل من أجله، فما أظنه يتأخر عن خير من هذا النوع، وهو الذي صاحب رسول الله "ص" لكلمة يعلمه إياها، ولحكمة يعظه بها. * * * حتى موته.. كان حكمة يقتضى بها * * لما حضرته المنية رضي الله عنه قال: لا تضربوا علي فسطاطاً، ولا تتبعوني بنار وأسرعوا بي إسراعا، فإني سمعت رسول الله "ص" يقول: "إذا وضع الرجل الصالح أو المؤمن على سريره قال: قدموني، وإذا وضع الرجل الكافر أو الفاجر على سريره، قال يا ويلي أين تذهبون بي؟". وكانت وفاته في السنة التي توفيت فيها عائشة أم المؤمنين عام "58 هجرية".