خلال العامين الماضيين شهدت بورصة توزيع وسحب الصحف المصرية تقلبات كبيرة لم تشهدها الساحة الصحفية المصرية من قبل، حيث انخفضت أرقام سحب صحف كبيرة ظلت مهيمنة على عرش الصحافة العربية لعقود من الزمن، بالتزامن مع ارتفاع أرقام توزيع صحف أخرى وليدة لم يتجاوز عمرها العامين، وهي الظاهرة التي تحمل أكثر من تفسير. * ظل الثلاثي الشهير »الأهرام، الأخبار، الجمهورية« في مقدمة الصحف العربية على مدار نصف قرن. وحتى نهاية عام 2005 كان سحب جريدة الأهرام يفوق المليون ونصف المليون نسخة، توزع على المستوى العربي والعالمي، بينما تجاوز سحب نسختها المسائية »الأهرام المسائي« المليون نسخة، تلتها صحيفة »الأخبار« التي تجاوز سحبها المليون نسخة، بينما بلغ سحب ملحقها اليومي الذي يحمل اسم »أخبار اليوم« ال900 ألف نسخة يوميا. وبعد مؤسستي الأهرام والأخبار، تأتي ثالثتهما جريدة »الجمهورية« التي كان سحبها يقارب ال750 ألف نسخة، بينما تخطت طبعتها المسائية »المساء« سقف المليون نسخة. وبهذه الأرقام، ظلت تلك الصحف الست الأكثر سحبا على المستوى العربي، ولم يستطع أي عنوان عربي آخر، محلي أو في المهجر، وصول أي من أرقام تلك الصحف. * لكن الصحف الثلاث التي تسمى في مصر »قومية« لتبعيتها للدولة، لم تكن تدري أنها على موعد مع الانهيار على يد صحيفتين وليدتين ظهرتا داخل السوق المصرية ذاتها، فبمجرد أن فتح المجال لليوميات الخاصة، صدر عنوانان هما »الدستور« و»المصري اليوم«، فالأولى كانت أسبوعية تحولت للصدور اليومي في مارس 2007 ، فيما صدرت الثانية في شهر أكتوبر من العام نفسه. ومنذ التاريخ الثاني، بدأت رحلة الانهيار والصعود السريعة لصحف الدولة والصحف الخاصة في مصر، حيث بلغ سحب »الدستور« 160 ألف نسخة، في حين انهارت الجمهورية إلى أقل من 70 ألف نسخة، وتجاوزت »المصري اليوم« النصف مليون نسخة، في حين تراجعت الأهرام إلى نصف مليون نسخة، والأخيار إلى 350 ألف نسخة. وعلى رغم أن تلك الأرقام تعد من أشد الأسرار داخل المؤسسات الصحفية الكبرى في مصر، إلا أن صحافيين منافسين تمكنا من دخول مطابع الصحف الكبرى ومعرفة أرقام الطبع، ونجح آخرون في الوصول إلى أرقام السحب الحقيقية، وكانت المفاجأة التي أثبتت أن اليوميات الخاصة في مصر تسير على خطى نظيرتها في الجزائر، لكن المفاجأة الأكبر أنه لا توجد صحيفة مصرية الآن تضاهي أرقام سحبها الرقم الذي حققته الشروق مؤخرا. * * "الشروق" تكشف أرقام سحب اليوميات العربية * * يشتري ما يزيد عن 445 مليون شخص كل يوم نسخة من المطبوعات اليومية البالغ عددها 7700 على مستوى العالم، ويقدر عدد جمهور القراء بما يزيد على مليار شخص. * في الوقت الذي تقترن فيه أرقام التوزيع في الغرب والدول المتقدمة بالثقافة، ترتبط أرقام التوزيع في عالمنا العربي بالكثافة السكانية، لذلك تحتل الصحف العربية في منطقة الشرق الأوسط المكانة الأخيرة من بين جميع صحف العالم، فمثلا جريدة أمريكية صغيرة تصدر وتوزع في مدينة دترويت فقط وهي جريدة »ذي ديترويت فري برس« توزع 450 ألف نسخة في مدينة لا يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة، بينما توزع جريدة عربية مثل البعث 16 ألف نسخة في بلد يتجاوز تعداد سكانه ال26 مليون نسمة * * أرقام لا تضاهي التعداد البشري * * نبدأ من بيروت حيث توجد عدة يوميات تتربع على عرش الصحافة في لبنان، حيث تأتي »الديار« في المقدمة وتسحب 21 ألف نسخة يوميا، تليها الأخبار ب19 ألف نسخة ثم السفير 16 ألف نسخة، وأخيرا النهار ب13 ألف نسخة . * وغير بعيد عن لبنان، في سوريا يظل الثلاثي التابع للدولة هو المهيمن على سوق الصحف، حتى وإن كانت أرقامه متدنية للغاية وفي غياب منافس، حيث تحتل »تشرين« المقدمة ب23 ألف نسخة، تليها الثورة 17 ألف، وأخيرا البعث 16 ألف نسخة يوميا. * وفي الأردن، تأتي الدستور في المقدمة ب20 ألف نسخة، تليها الرأي، ثم العرب اليوم، ثم السبيل، وأخيرا الحديث، وجميعها لم يتخط سقف سحبها الثمانية آلاف نسخة. * أما في فلسطين، فترتفع أرقام سحب اليوميات، حيث تتجاوز صحيفة »الأيام« سقف ال50 ألف نسخة، في حين تسحب »القدس« 35 ألف نسخة، و»فصل المقال« 24 ألف، وكل من »الحياة الجديدة« و»الصبار« 20 ألفا. وتبقى صحيفتا »الرأي العام« و»الشارع السياسي« مهيمنتين على أرقام السحب في السودان، حيث تسحب الأولى 250 ألف نسخة يوميا، والثانية 180 ألف نسخة. * * صحف الخليج... أغلبها أسماء بلا أرقام * * الغريب في معادلة سحب الصحف العربية، ما يحدث في صحافة الخليج، فعلى الرغم من وجود عناوين كبيرة ومجلجلة، إلا أن أرقام سحب هذه العناوين ضعيفة جدا باستثناء جريدة »الخليج« الإماراتية التي تسحب 100 ألف نسخة. ولم تشفع النفقات واستحداث الوسائل التكنولوجية والإمكانات لتلك الصحف لتأخذ مكانها على خارطة الصحف العالمية أو حتى العربية، ولولا الفضائيات وبرامج التصفح، لما وصلنا خبر تلك الصحف، ففي السعودية مثلا توجد عديد اليوميات، مثل الوطن، الشرق الأوسط، الرياض، عكاظ، الحياة، إلا أن الأولى بين تلك الصحف وهي »الشرق الأوسط« لا يتجاوز سحبها 40 ألف نسخة. * وفي الكويت لا يتجاوز سحب صحيفة »الرأي العام« 10 آلاف نسخة، تليها الوطن 6000 نسخة، وأخيرا القبس 5000 نسخة. أما صحيفة »الأيام« البحرينية، فلا يتجاوز سحبها عتبة 15 ألف نسخة. * وفي قطر، فإن صحف الراية والشرق والوطن لا يتعدى سحبها جميعا ال20 ألف نسخة. * وفي الإمارات توجد عديد اليوميات على رأسها »الخليج« التي تسحب 100 ألف نسخة تليها »البيان« ب48 ألف نسخة، ثم »الاتحاد« ب28 ألف نسخة. * وفي سلطنة عمان توجد يوميات عمان والأيام والوطن، وجميعها لا تسحب أكثر من 20 ألف نسخة يوميا. * وخلافا لهذه الموازين المقلوبة في الخليج، نجد الوضع أحسن حالاً في اليمن، حيث توجد صحف 26 سبتمبر، الأيام، رأي، الطريق، الثورة، الوحدوي، الشورى، الجمهورية، ويبلغ سحب أفضلها »الثورة« 400 ألف نسخة، ولا يقل سحب آخرها »الشورى« عن 90 ألف نسخة.