رئيس مجلس الاباضيين الشيخ ابراهيم الجعدي لا فرق بين إباضي ولا مالكي، لا شرقي ولا غربي، كلنا في الهم سواء، المحنة التي ألمت بنا حولت الأوضاع الى منحة، وعطاء من الله الذي منحنا الصبر والسلوان وانزل علينا سكينة التآخي والتضامن، نعم نعترف بنقص الإمكانيات وحدوث شيء من الفوضى الأيام الأولى قبل استقامة الأمور بعد النكبة، لكن غرداية تحولت الى أسرة صغيرة، هناك من مات من أجل إنقاذ شخص أخر من الغرق. * * فوضى البناءات يتحملها المواطن والإدارة سويا * * كما أن هناك من ضحى بماله وبنيه بغية مساعدة الآخرين، ومشاهد أخرى لا تتكرر إلا نادرا، وكلنا اليوم نصابر في لحمة وعطاء من أجل تضميد الجراح والاسرة الواحدة تتكفل بأربع عائلات الى أن نخرج من الضائقة تدريجيا في ظل الوحدة والتكافل الاجتماعي والإخاء، هكذا أجمع كبار وأعيان الاباضية في ندوة "الشروق اليومي" التي ارتأينا أن تكون بمقر مجلس أعيان المزابين الاباضية لقصر غرداية باعتبارهم الأكثر تضررا حسب شهادة عديد من أهل المدينة، فضلا عن أن أسرهم سجلت أكبر عدد من الضحايا من بنين وبنات وشيوخ وحتى الرضع، وهي هيئة تضم عقلاء ومثقفي الجهة ولها تنظيم خاص. * وعلى هامش زيارة رئيس الحكومة أحمد أويحيى للمنطقة ومعاينة أثار الدمارالكبير بالمناطق المتضررة التي اجتاحها الطوفان تزامنا والأيام الأولى لعيد الفطر المبارك واجتماعه بالسلطات المحلية والأعيان لتدارس الأوضاع الكارثية وتقييم الأزمة، جلسنا على طاولة واحدة من أجل كشف بعض الحقائق والحديث عن تركيبة المنطقة الصخرية الوعرة وعن واد ميزاب وما خلفه من مآس وثكالى رغم التحذيرات المتكررة قبل حدوثه من طرف جماعة أمناء السيل وساعات قبل وصول الفيضان الجارف الى عاصمة الولاية وبالضبط في الساعة السادسة صباحا مباشرة بعد خروج المصلين من المسجد عقب أداء صلاة الفجر، وكم كانت الوقائع مأسوية حيث جرف الأخضر واليابس وحول "المدينة وردة الرمال" كما يقال إلى أشواك ومناظر تشد القلوب بعد أن طاف على المسؤولين المحليين طائف من ربك وهم نائمون، وإن اختلفت وجهات النظر حول من يتحمل المسؤولية ولماذا لم تتخذ التدابير المناسبة قبل وقوع الواقعة وما علاقة "قنطرة داود" بالفيضان كلها استفهامات تم الوقوف عندها في هذا اللقاء الذي دام أكثر من ساعة. * * الشيخ عيسى باباز رئيس بلدية غرداية السابق * "حذّرنا من حجم الكارثة والوالي السابق حوّل الأموال الى مشاريع ثانية" * * لابد أن أوضح عديدا من النقاط السوداء العالقة، حيث تجدر الإشارة الى أن قضية الفيضانات ليست جديدة وقد نبه الأجداد من قبل إلى خطورة الوضعية منذ عقد من الزمن، وقلنا صراحة منذ عام 1995أكثر من مرة أن المدينة أصبحت تختنق بتزايد السكنات الفوضوية والعشوائية نتيجة الظروف الأمنية التي مرت بها البلاد في العشرية السوداء، حيث توافدت على الجهة آلاف العائلات وكثرت مخالفات البناء والتعمير والبزنسة وتحوّلت السكنات الصيفية المؤقتة الى مباني دائمة بجانب الواد وكنا نتوقع ما حصل اليوم، والحقيقة لما كنت أتولى شؤون البلدية صادقنا بالإجماع بموافقة 15 عضوا والوثائق موجودة في الخامس جوان 1991 على المداولة بعد مشاورة السلطات المحلية بوقف البناء في المناطق المذكورة وتحويلها خارج المحيط العمراني القديم، لكن لا أحد انضبط بالمقاييس وسادت الفوضى، بجنب الواد الذي كان مجراه الطبيعي 20 مترا ومنعنا الانجاز في ال 20 مترا المتبقية ورغم ذلك لم تحترم الضوابط فكانت الكارثة الفيضان المعروف عرفيا "بالمساح"، كان بإمكاننا السيطرة عليه لو اكتمل مشروع "قنطرة داود" الذي يحمل 04 أقواس إسمنتية غير كافية لتدفق المياه لا قضينا على هذا الشبح المخيف نهائيا، فرغم تخصيص أزيد من 01 مليار و600 مليون سنتيم لإنجازه بطريقة عصرية ومفيدة وصرف 42 مليون سنتيم للدراسات في ذلك الوقت إلا أن الحلم لم يتحقق بسبب عدم قبول التجمعات السكانية القريبة من الواد آنذاك نزع الملكية من أجل المنفعة بمبالغ وصلت إلى 7 آلاف د ج للمتر المربع بالرغم من أننا عرضنا عليهم تعويض أرضي بأضعاف أي في حدود عشر مرات من أصل ما يملكون وذلك في منطقة "بن غنام" وتخصيص آبار المياه إلا أنهم أصروا على الرفض، الى جانب تراخي السلطات في تطبيق القرارات بقوة القانون وكلاهما يتحمل المسؤولية الإدارة والمواطن، وبحكم أن الوالي السابق كانت له صلاحيات واسعة في تلك الفترة حوّل أموال المشروع الضخم الى مرافق أخرى، وها نحن اليوم نحصد المآسي يضيف محدثنا، الذي قال إن من بين الضحايا وأحد المدافعين على هذا المشروع المرحوم صالح بوكربوش نائب رئيس مجلس الأعيان وهو مهندس دولة في الكيمياء، حيث نجا من فيضانات سنة 1991 لكنه قضى نحبه في هذه النكبة، ونقولها بكل مرارة ولا أحد يسمع إلينا ومنه نطالب الجهات المعنية بضرورة الإنصات إلى نصائح العارفين بطقوس وأعراف الجهة لما لها من خصوصية والتنسيق من أجل تجنيب الجهة كوارث أخرى، وهو ما أكد عليه رئيس الحكومة أحمد أويحيى في زيارته الأخيرة للمنطقة. * * إبراهيم الجعدي "رئيس مجلس أعيان المزابيين الإباضية" * التركيبة العمرانية ساهمت في حجم الكارثة * * أوضح "إبراهيم الجعدي" رئيس مجلس أعيان المزابيين الإباضية أن التركيبة العمرانية والإجتماعية لولاية غرداية ساهمت وبشكل كبير في زيادة عدد الضحايا والخسائر المسجلة في صفوف المدنيين، حيث أكد أن البناء غير المنظم وعدم مراعاة الشروط والتشريع المعول به في هذا الجانب ضاعف من حدة الأزمة بسبب قدم المباني وتلاصق المساكن وبنائها بالقرب من حواف رغم تحذير السلطات المحلية والجهات المعنية بانحراف الشكل المعماري للمنطقة وفقدان الولاية عذريتها التاريخية، وقال بالحرف الواحد "حقيقة المواطن يتحمل جزءا من المسؤولية بسبب عدم احترام القانون عندما طلب من السكان إخلاء المنازل المحيطة بوادي ميزاب وتعويضهم بأخرى رفضوا فكان ماكان". ليضيف أن جماعة أمناء السيل قامت بواجبها وأخطرت السلطات بالخطر قبل الأوان وعملت على توعية المواطنين لكن القدر كان أسبق، كما أشار إلى أن الإدارة ولما تمتلكه من أدوات ووسائل كان يجب عليها أن تقوم بدورها وتستعمل كل الوسائل من أجل تغليب المصلحة العامة، وهي الأمور التي لم تتخذ في وقت سابق وخلق تراكمات عدة خلفت ما وقع اليوم وعلى المسؤولين الجدد التفكير بعقلانية لايجاد حل لقضية شبح فيضان "المساح"، ومعروف أن فيضان واد ميزاب يفيض كل مئة سنة ويخلف كوارث كما حدث عام 1901 و1991 وعليه يجب الإسراع في الخروج من دائرة الخناق قبل فوات الأوان. * * إبراهيم مصباح إطار سام سابق بالرئاسة وعضو سابق بالمجلس الشعبي الوطني * الانجازات لم تكن في مستوى التطلعات * * كشف إبراهيم مصباح أن مشروع السد الجديد الذي يتم إنجازه حاليا بتسطير من وزارة الموارد المائية غير وظيفي ولا يحل الازمة. كما أن قنوات الصرف الصحي المساعدة على جريان المياه لم يراع في إنجازها المقاييس والمعايير الدولية المتفق عليها وهو ما أدى إلى عدم قدرتها على استيعاب كميات المياه الكبيرة في حين كان من المفروض أن تمنع "قنطرة داود" المنجزة بطريقة قديمة وغير مناسبة وذلك لضيق مساحتها وتآكل الأقواس من تسرب للمياه، مؤكدا أن كل المؤشرات كانت تنذر بوقوع الفيضان وعلى السلطات احترام الملاحظات التي تقدم لها من طرف أهل الاختصاص من أبناء المنطقة بوصفهم الاكفاء والاقدر على دراسة الوضع المحلي، قائلا إن حياة المواطنين العزل فوق كل اعتبار وينبغي الاسراع في تغيير "قنطرة دواد" مهما كلف الثمن علما أن الولاية لها طاقات مادية وبشرية قادرة على ذلك ولسنا بحاجة الى حلول سحرية. * * عمار علوط "عضو جماعة أمناء السيل بواد ميزاب" * برقية الأحوال الجوية لم نطلع عليها وأبلغنا السلطات بخطورة الوضع قبل الأوان * * نفى عمار علوط المفوض العام لجماعة أمناء السيل بواد ميزاب أن تكون جماعته قد تلقت تحذيرا من مصالح الأرصاد الجوية أو الحماية المدنية على السواء، بل ذهب إلى أبعد من ذلك حيث أكد أنه هو من أبلغ المصالح المعنية بقرب الكارثة بصفته مراقبا لحركة الواد باستمرار. وأفاد للشروق اليومي بتفاصيل يكشف فيها لأول مرة عن ساعة الصفر للكارثة وما قبلها بأيام، إذ يروي "لقد تتبعت حركة الواد ومدى ارتفاع منسوب المياه فيه وهي مهمة نضطلع بها منذ سنوات ومتوارثة عن الأجداد، نمتلك ثلاثة مراكز للمراقبة منتشرة في نقاط متفرقة للإطلاع على كل صغيرة وكبيرة فيما يخص الواد بحكم أننا عانينا من الفيضان سابقا، كما أننا نعمل بالتنسيق مع المصالح المختصة في هذا الأمر بالولايات المجاورة وهي (الأغواط، البيض، حاسي الرمل، الجلفة)، ومصالح الحماية المدنية بغرداية لمعرفة كميات التساقط ونسبة امتلاء الوديان لأخذ الاحتياطات الازمة في حال حدوث أي طارئ، وأضاف محدثنا أن الشعور بالخطر بدأ يوم 28 سبتمبر أي قبل يومين من حلول عيد الفطر سيما وأننا خبراء في مجال الرصد التقليدي إذ تنبأنا بأن أمطارا قوية ستتهاطل على الولاية وبالفعل حدث ما كنا نخشاه، حيث شرعت الأمطار في الهطول وقمنا بتنبيه مدير الحماية المدنية شخصيا وكان على علم بقرب وصول المد الفيضاني مع قدرتنا على تحديد زمن وصوله إلى المدينة والمقدر ب3 أو4 ساعات على الأكثر بفضل نقاط المراقبة المذكورة سلفا، لكن الواد لم يحدث أي مشاكل في ذلك اليوم وبقي الترقب والقلق، وخرجنا يوم الثلاثاء صباحا إلى المواقع المعتادة لمواكبة آخر التطورات وكان الجو مشمسا حينها ولم تبرز أي إشارات أو تقلبات تفيد بوجود أمر خطير قبل أن يحل المساء وتحديدا على الساعة السادسة، حيث بدأت الغيوم تتركب وعند التاسعة بدأت دلالات سقوط المطر الغزير المصوب بالحجارة الثلجية قبل أن ندرك على الرابعة صباحا من اليوم الموالي )يوم الكارثة) أن الأوضاع حرجة فسارعت الى الإتصال برئيس بلدية بريان وكان هو كذلك على دراية ونصحنا بتحذير المواطنين من الأمطار القوية وأن السيل قادم باتجاه وادي ميزاب في حدود ال 4 و45 دقيقة، وهي نفس المعلومة التي وصلت الى مصالح الحماية المدنية لغرداية ونبهتهم حرفيا إلى هذا الأمر المثير للقلق، وعاودت الإتصال بالمدير شخصيا بعد التأكد من نقاط المراقبة والتي يقع آخرها بالمنطقة الفلاحية "العذيرة"، حيث أكدوا أن السيل خارق للعادة وكان تعبيرهم أنه (من الجبل إلى الجبل) فأخطرت الجهات المعنية لاتخاذ التدابير بذلك وطمأنوني بجاهزيتهم، بعد ذلك اتجهت بسيارتي إلى الواد وتجولت حوله وكنت في الوقت نفسه أنبه المصلين الذاهبين إلى صلاة الصبح بواسطة جرس السيارة والأضواء والصراخ وكنا نصارع الوقت من أجل إعلام السكان بواسطة ضرب البارود، وهو تقليد قديم ورثناه عن الأجداد منذ القدم، وكررنا نفس العملية على الساعة الخامسة صباحا في منطقة القصر، بعدها حلت ساعة الصاعقة في الساعة 5 و45 دقيقة صباحا وتفاجأ الناس بالفيضان في بيوتهم قبل أن يخلف قتلى وجرحى وكارثة لا يمكن وصفها. * * حمو بوكرموش عضو مجلس أعيان الإباضية * التضامن كان أكثر من مثالي * * أشار حمو بوكرموش القائم على العملية التضامنية التي يقوم بها مجلس أعيان الإباضية أن الكارثة كانت كبيرة وفوق طاقة الجميع، غير أن السكان تجاوزوا المحنة التي تحوّلت لمنحة من الله وأن التكاتف الذي ساد بين العائلات والأصدقاء والأحباب لا نظير له، هناك من ضحى بالغالي والنفيس في سبيل الآخرين، وضرب مثالا على ذلك بمجموعة من الشباب كانوا يسبحون وسط السيل العارم من أجل انتشال الغرقى والمحاصرين بالمياه ومنهم من مات معهم، كما عمل آخرون على جلب كل ما يملكونه واقتسامه مع بعضهم بعضا، ومنهم من احتضن عددا من العائلات التي هدمت مساكنها. وعن العمل مع المؤسسات التضامنية الأخرى قال محدثنا إن التنسيق جار مع الهلال الأحمر والإدارة لمواصلة الحملة التضامنية لفائدة المنكوبين. أما عن التنسيق بين اللجان التي استحدثتها الهيئة أيام الأزمة وعددها 15، أكد ذات المتحدث أن اللجان السالفة الذكر تقوم بتوفير المواد الإستهلاكية الضرورية للسكان وفي حالة الندرة يمكن اللجوء إلى أي مركز من المراكز التي نصبتها اللجنة عبر كامل أحياء المدينة.