يمكن أن نعتبر، في مقاربة أولى، بأن الهدف الذي يسعى إليه برنامج رفع المؤسسات إلى المستوى المطلوب في بلدان المغرب هو دعم منافسة هذه المؤسسات التي تتطور حاليا في سياق الانفتاح الاقتصادي والمنافسة الشرسة. * فبإنجاح المؤسسات وتطويرها نخلق ظروفا مواتية لتنمية اقتصادية قوية ودائمة، ظروفا ضرورية لتوفير مناصب شغل، وبالتالي القضاء على البطالة. * وهكذا، فإن رفع المؤسسات إلى المستوى المطلوب هو بالدرجة الأولى اهتمام يخص الاقتصاد الجزئي وأيضا هدف يعني الاقتصاد الشمولي. وهنا يجدر التذكير بأن مفهوم "رفع المؤسسات إلى المستوى المطلوب" هو وليد التجربة البرتغالية في 1988. * تونس أطلقت برنامجها لرفع المؤسسات إلى المستوى المطلوب في 1996 ومس إلى حد الساعة 3 آلاف مؤسسة، والمغرب في 2002 ومس 500 مؤسسة. * لقد جمع تنفيذ هذه البرامج، بطريقة فعالة، بين تدخل الدولة والمبادرات اللا مركزية، لا سيما من جهة البنوك والمعامل التي شجعتها الدولة على الحوار والتنسيق في إطار شراكة بين القطاعين الخاص والعام. * برنامج رفع المؤسسات إلى المستوى المطلوب، كمفهوم، هو مسار متواصل يهدف إلى مساعدة المؤسسة على التكيف مع ضروريات الانفتاح الاقتصادي والمنافسة والتبادل الحر، غير أن المناخ المحيط بهذه المؤسسة معنيّ أيضا ببرنامج رفع المستوى الذي يستهدف أيضا كلا من التحكم في التكاليف وتحسين النوعية والتجديد وتطوير التسيير، وفي الوقت ذاته تحسين مناخ الأعمال؛ أي فعالية المؤسسات من خلال تخفيف الإجراءات والتنظيمات. * * منظمة الأممالمتحدة للتنمية الصناعية حددت الأهداف الآتية وركزت على النواحي الخاصة بالاقتصاد الجزئي: * - تحديث المحيط الصناعي، * - دعم الهياكل الرئيسية، * - ترقية تطور الصناعات التنافسية، * - تحسين تطوير المؤسسة الصناعية. * لكن تبقى التنافسية والعلاقة بين الانفتاح والتنمية القضايا التي يهدف برنامج رفع المستوى إلى حلها. * وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه البرامج تشكل، بالنسبة إلى واضعيها والمدافعين عنها، خطوة أولية للانفتاح وتحرير الاقتصاد ولو تدريجيا، فتقوية التنافسية العامة هي عملية يجب ان تكون جنبا الى جنب مع الانفتاح الاقتصادي. * ولا شك أن هذا المنطق المُتّبع يتعلق قبل كل شيء بمنطق اقتصاد جزئي للمؤسسات المنتجة، ولكن يتعلق أيضا بمنطق اقتصاد كلي لتسريع وتيرة التنمية وإيجاد مناصب الشغل، "فالتنافسية والتنمية والشغل موجودة في صميم برامج رفع المؤسسات إلى المستوى المطلوب". * وتفرض متطلبات الانفتاح الاقتصادي، التي أوجدتها عولمة الاقتصاد، تحسين إنتاجية الشغل في المؤسسات التي تضمن التنافسية، وبالتالي التنمية الاقتصادية الشاملة. * ومن المؤكد أن تحسين إنتاجية العمل، التي يرتبط بها التطور التقني، يعني في بادئ الأمر التقليل من وتيرة خلق مناصب الشغل، لكن بتقوية التنمية الاقتصادية على المديين المتوسط والبعيد ستكون لها فرص استثمار وبالتالي فرص التشغيل. ونشير هنا، أيضا، إلى أن تنمية الإنتاج والإنتاجية كانت في المؤسسات. * وبينت دراسة أعدتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أن تحسين الإنتاجية هي نتاج العوامل الثلاثة التالية : * 1 - تقوية البعد الرأسمالي، داخل المؤسسة، من خلال استثمار القدرات واستثمار الإنتاجية (التكنولوجيات الجديدة) وكذا من خلال تحسين مستوى تأهيل الأشخاص العاملين. وهنا يتجلى محور برنامج الرفع من مستوى المؤسسات. * 2 - تنمية الإنتاجية في الاقتصاد تكون أيضا بإيجاد مؤسسات تدحض المؤسسات الأقل كفاءة والأقل إنتاجا. والمحور الثاني يتعلق، هنا، بإعادة الهيكلة؛ أي التخلص من كل ما هو رديء وفاشل. * 3 - يكون تحسين الإنتاجية من خلال الأرباح التي تحققها المؤسسات. وهنا تظهر الصفة الانتقائية لبرامج رفع المستوى، فليست كل مؤسسة مرشحة لاستقبال هذه البرامج بصفة آلية. * * نعود الآن إلى مبدأ رفع المؤسسات إلى المستوى المطلوب الذي نعرّفه على النحو الآتي: "مجموعة الإجراءات التي تساهم في تسريع وتيرة التنمية وخلق مناصب الشغل من خلال دعم تنافسية المؤسسات". ولا يجب أن يكون برنامج تطوير ما مقتصرا على تطبيقه على المؤسسات فحسب، فلكي تتحسن المؤسسات التنافسية في جو من الانفتاح الاقتصادي والمنافسة الحرة، عليها أن تعمل على محاور تكميلية مختلفة: * - المحور الخاص بتنافسية المؤسسات: استثمار القدرات والإنتاجية ودعم الإبداع والتكوين ورسكلة مجموعة المنتجين وتحسين التسيير... * - محور مناخ الأعمال، حيث يجب العمل على تحديث الإجراءات الإدارية والتخفيف من التنظيمات... * - محور تطوير البنى التحتية وتحديثها وأهميتهما بالنسبة إلى النشاط الاقتصادي، * - المحور المالي مع تحديث وإعادة تهيئة قطاع البنوك وتطوير سوق مالي، * - محور الموارد البشرية مع تحديث نظام التعليم والتكوين (في المدرسة وكذا التكوين المهني). * ونلاحظ أن التطوير الحقيقي للمؤسسات يكون جنبا إلى جنب مع تطوير الاقتصاد، فأحدهما يقوي الآخر. * ويعاني الاقتصاد الجزائري -الذي لا يزال ينتظر انطلاقة حقيقة تكون على قدر ما تملكه من إمكانات- من تأخر كبير سواء من حيث تطوير المؤسسات أو من حيث تطوير مناخها. وإذا كانت هنالك ضرورة لمشروع تنمية 2009-2014 عليه أن يكرس هذين البرنامجين. * * * ترجمة: إيمان بن محمد