شنقريحة: الجزائر مستهدفة..    الجزائر تتعرّض لهجمات عدائية شرسة    يوم إعلامي توعوي لفائدة تلاميذ    البنك الدولي يُشيد بجرأة الجزائر    زروقي يُشدّد على تقريب خدمات البريد من المواطن    ارتفاع ودائع الصيرفة الإسلامية    ندوة دولية عمالية للتضامن مع الشعب الصحراوي    صادي يجتمع بالحكام    زيت زيتون ميلة يتألّق    هذا جديد بريد الجزائر    شرطة العلمة توقف 4 لصوص    عندما تتحوّل الرقية الشرعية إلى سبيل للثراء    التحوّل الرقمي وسيلة لتحقيق دمقرطة الثقافة    الباحث بشر يخوض رحلة في علم الأنساب    هذه مقاصد سورة النازعات ..    تقرير فلسطيني يكشف أرقامًا مروعة للكارثة الإنسانية في غزة جراء العدوان الصهيوني    غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 51201 شهيدا و 116869 جريحا    مظاهرات حاشدة في مدن وعواصم أوروبية تطالب بوقف العدوان الصهيوني على غزة    المنتخب الوطني لأقل من 17 سنة: برمجة عدة تربصات انتقائية جهوية عبر 3 مناطق من الوطن    البطولة الولائية للكاراتي دو أواسط وأكابر بوهران: تألق عناصر ساموراي بطيوة وأولمبيك الباهية    المسابقة الدولية التأهيلية للحاق للقدرة والتحمل بباتنة : تألق فرسان مولودية فرسان المحمدية للجزائر العاصمة ونادي لاسيندا للبليدة    عيد الاضحى: وصول أول باخرة محملة ب 15.000 رأس غنم الى ميناء الجزائر    إجلاء صحي ل 3 مسافرين بريطانيين شمال رأس ماتيفو بالجزائر العاصمة    أمطار رعدية مرتقبة بعدة ولايات من البلاد    الولايات المتحدة تستهدف الصين بضرائب جديدة    عشرات الشهداء بغزة وتحذير أممي من انهيار إنساني وشيك    برنامج ثري ومتنوع للاحتفاء بشهر التراث    افتتاح المهرجان الدولي ال14 للموسيقى السيمفونية    تنظيم لقاء حول آليات حماية التراث المعماري والحضري    اتساع دائرة المشاركين في الاحتجاجات الشعبية بالمغرب    مواطن واع.. وطن آمن    لا تسوية لقضية الصحراء الغربية إلا بتوافق طرفي النزاع    "أشوك ليلاند" الهندية مهتمّة بالاستثمار في الجزائر    110 مليون إعانة مالية لبناء السكن الريفي قريبا    جهود كبيرة لتحسين الخدمات الصحية    حجز عتاد ووسائل مستغَلة بصفة "غير شرعية"    الموروث الشعبي النسوي في "وعدة لالا حليمة"    "السي أس سي" في مهمة تشريف الجزائر    شايب يجري لقاء تفاعليا مع المتعاملين الاقتصاديين والكفاءات الوطنية ببلجيكا ولوكسمبورغ    شباب يرفضون العمل بأعذار واهية    إبراز دور الشباب في تعزيز التكامل الإفريقي    موناكو ونوتنغهام فوريست يتنافسان لضمّ حاج موسى    مشروع فيلم جزائري - هولندي بالبويرة    سأظل وفيا لفن كتابة السيناريو مهما كانت الضغوطات    "القرقابو" أو "الديوان" محاكاة للتضامن و الروابط الاجتماعية    محرز يحقق رقما قياسيا في السعودية ويردّ على منتقديه    سوناطراك تستكشف الوسائل اللوجيستية والبنى التحتية ل "شيفرون" الأمريكية    وزير الاتصال يفتتح دورة تكوينية لفائدة الصحفيين بالعاصمة    شركة موبيليس تجري تجارب ناجحة على الجيل الخامس    سايحي: "تطوير مصالح الاستعجالات " أولوية قصوى"    تسهيل وتبسيط الإجراءات أمام الحجّاج الميامين    تقييم أداء مصالح الاستعجالات الطبية: سايحي يعقد اجتماعا مع إطارات الإدارة المركزية    حج 2025: اجتماع اللجنة الدائمة المشتركة متعددة القطاعات    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    التنفيذ الصارم لمخطط عمل المريض    ما هو العذاب الهون؟    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عارضت رئاسة فرحات عباس للحكومة المؤقتة وأحبطت مؤامرة فتحي الذيب الانقلابية
العقيد عمار بن عودة يروي شهادته التاريخية


صورة الشروق
الحديث مع العقيد عمار بن عودة في ظل الجدل الدائر حول قادة القاعدة الشرقية، والتفسيرات والتجاذبات التي تباينت حول قصة هذا الهيكل الذي لا يجد المؤرخون له أثرا ضمن مواثيق وهياكل الثورة الجزائرية، يبقى مفتوحا على كل أنواع التفسير والتأويل وبخاصة وأن بن عودة قد غاب أو غُيِّبَ عن لقاء الطارف وهو الشاهد الذي (شاف كل حاجة). فأي تفسير لإبعاد الرجل عن الإدلاء بدلوه في الموضوع وهو الذي يعترف له كثير من رفاق السلاح بقوة الذاكرة وسلامة التعبير والحضور الذهني بالرغم من وقع المرض وتقدم السن؟.
*
* حكاية القاعدة الشرقية وأطماع محساس وبن بلة لرئاسة الثورة... ورواية الرئيس الشاذلي
*
ؤتمر الصومام كان مقررا بحجر المفروش بالقل، وليس في حمام بني صالح بالطارف.
*
*
عارضت رئاسة فرحات عباس للحكومة المؤقتة، وأحبطت مؤامرة فتحي الذيب الانقلابية.
*
*
الحلقة الثانية والأخيرة
*
*
في هذه الحلقة الثانية والأخيرة من اعترافات العقيد عمار بن عودة المثيرة حقا، تركت للرجل الوقت الكافي للتوضيح مبتدئا بحكاية مؤتمر القادة وصولا إلى إبعاده إلى لبنان مرورا بمحطات تاريخية معقدة جدا ومنها تدخله أمام المدير العام للأمن التونسي إدريس قيقة لإنقاذ علي محساس من القتل بعد اعتقاله من طرف جماعة أوعمران، وحقيقة لجوء بن عودة إلى العنف واستعمال السلاح عندما أرسله زيغود يوسف للإشراف على الحدود تماما مثلما فعل ابراهيم مزهودي في تبسة لفرض قرارات الصومام كما جاء في شهادة العقيد الشاذلي بن جديد في الطارف، وخلفية يوم الحداد في القاعدة الشرقية احتجاجا عل مقتل عبان رمضان، ومسائل أخرى تكشف عن مدى تورط المخابرات المصرية بقيادة فتحي الذيب في التأثير على قضايا داخلية حساسة.
*
*
دعنا نعود قليلا الى عقد مؤتمر القادة بمنطقة المشروحة في جبال بني صالح مقر قيادة عمارة بوقلاز الآمنة، ثم تحويل المؤتمر إلى قرية إفري بالصومام بسبب قطع الاتصال بالمنطقة الثانية كما جاء في ملتقى الطارف. فما تعليقكم على ذلك؟
*
*
قلت لك إن مؤتمر القادة لم يكن مطروحا عقده بتاتا في جبال بني صالح كما قالها الشاذلي في الطارف، بل ان منطقة حجر المفروش بالقل هي التي كانت مرشحة لعقد هذا الاجتماع التاريخي على اساس أنها آمنة وتقع تحت السيطرة التامة لجيش التحرير الوطني وقريبة جدا ايضا من الحدود الشرقية.
*
وتم بالمناسبة تعييني لاستقبال جماعة الخارج في منطقة أولاد بالشيخ في بني صالح لحضور المؤتمر بواسطة تعليمة من القيادة. وذهبت الى بني صالح (حاليا في الطارف) وقابلت عمارة بوقلاز الذي كان مسؤولا فقط في ناحية القالة الحدودية، بحيث لم تكن هناك ما يسمى بالقاعدة الشرقية (جويلية 1956). وانتظرت رفقة بوقلاز قدوم كل من بوضياف وآيت أحمد وبن بلة من تونس فلم يأتوا في الموعد المحدد. وكان وجود عمارة بوقلاز إلى جانبي لتأمين الأمن بعد أن طلبت منه القيادة وقف العمليات العسكرية بهدف صرف نظر العدو عن التحضير للمؤتمر.
*
وبعد 3 أيام في بني صالح عدت إلى مقر القيادة ومعي ابراهيم مزهودي. ولم أسأل عن سبب الغياب فلربما بحسب ما أشيع وقتها أن السلطات التونسية لم تلتزم بتقديم ضمانات لحمايتهم الى غاية الوصول الى المكان المتفق عليه، كما أن أعضاء قيادة الولاية الأولى لم يلتحقوا في الموعد المحدد وبالتالي قرر قادة الولاية الثانية وهم: زيغود وبن عودة وبن طوبال العدول عن حجر المفروش والاتفاق على مكان آخر كان في الأخير قرية إفري بالصومام لاعتبارات أمنية لا أكثر ولا أقل. وكم تمنيت لو وجه لي المنظمون للقاء الطارف الدعوة لكشف كل هذه الحقائق التاريخية، وقد سبق لي حضور ملتقيات سابقة بالطارف وجلست مع الأخ عمارة بوقلاز الذي صرح أمام الأخ بشير خلدون بأنه مدين لي بحياته. لماذا، لأن عمار بن عودة هو الذي جنّده في شهر ديسمبر 1954 عندما أتى به الحاج سعيود المكلف بشراء الأسلحة الى مركز جبل إيدوغ، وطلبت أنا منه الالتحاق بمحمد الهادي عرعار وعمار بومزاودة في القالة وامتثل وذهب إلى القالة. والحقيقة انه لا خلاف عندي مع بوقلاز العسكري، والحكاية كلها أنه وبعد مؤتمر الصومام سافرت الى تونس موفدا من طرف القيادة لتنظيم الوضع الذي كانت تسوده الفوضى العارمة.
*
ولما التحقت في الأسبوع الأول للاتصال بالتنظيمات الموجودة جاءني عمارة بوقلاز مصحوبا بعلي محساس والذي طلب مني الاعتراف به كرئيس للثورة لأنه ببساطة كان نائبا لأحمد بن بلة الذي يسميه رئيس الثورة؟ وكان جوابي لمحساس مركزا وواضحا وبسيطا وهو: (إن كنت ترغب حقيقة في رئاسة الثورة الجزائرية فما عليك سوى مغادرة فنادق القاهرة الفاخرة وحمل البندقية والصعود مع الثوار إلى الجبل... وبن بلة ليس رئيسا... وقيادة الثورة ليس لها رئيس). ولم يكن رد بوقلاز عليّ جوابا مريحا فحاول سحب مسدسه فأسرعت بطرحه أيضا. كان ذلك بنهج مدريد بتونس.
*
*
معنى ذلك أن عمارة بوقلاز كان موافقا على كلام محساس؟
*
*
بالتأكيد، وكان بوقلاز يطمح الى أن يكون هو أيضا نائبا للرئيس. ثم تمت تسوية هذه القضية بيني وبين بوقلاز على أساس أننا ننتمي الى العمل المسلح.
*
*
وما حكاية القاعدة الشرقية التي لم يرد ذكرها في مواثيق وهياكل الثورة بحسب قولكم؟
*
*
بعد مؤتمر الصومام، وردت فقرة تؤكد (أولوية الداخل عن الخارج والسياسي عن العسكري) وهذه التي دفعت أحمد بن بلة الى التحرك باعتباره من جماعة الخارج وذلك في محاولة للتشبه بالرئيس جمال عبد الناصر. واتفق بن بلة مع محساس لتكوين منطقة حرة لإخراج فرنسا بحسب زعمهما وتسند مهمة قيادة هذه المنطقة الى الأخ عمارة بوقلاز. وأسرع بن بلة بجلب السلاح من مصر وليبيا لعمارة مقابل الاعتراف به كرئيس للثورة الجزائرية... واعترف له بوقلاز بذلك؟. وكنت قد طلبت من محساس عند اللقاء الخروج فورا من تونس والذهاب الى ليبيا.
*
ولما سمع أوعمران بالحادثة جاء هو أيضا الى تونس موفدا من طرف القيادة لنفس المهام التنظيمية والتفتيشية تقريبا. وما قاله الشاذلي بخصوص ذهابي الى تونس من طرف زيغود فهو كلام غير صحيح. والحق أني كنت موفدا رسميا من طرف قيادة الثورة بوثيقة محررة وموقعة من عبان رمضان باعتباره مكلفا بالتسليح والتمويل لا غير. وفي الوثيقة هناك مادة واضحة تحظر عني تعاطي السياسة. فلا أنا ولا مزهودي ذهبنا الى تبسة ولم نشهر السلاح في وجه الشعب... وتلك مغالطة تاريخية ينبغي تصحيحها وتوضيحها. فقد دخلت الى تونس بعد 1956 (والوثيقة لاتزال معي). وأثناء وجود محساس وأوعمران في تونس لم يقع أي خلاف بين الرجلين استدعى تدخل الرئيس الحبيب بورقيبة. ولكن مسألة الترويج لفكرة رئاسة الثورة أقلقت أوعمران فضرب موعدا للقاء محساس، وأرسل له مجاهدين اثنين وألقيا القبض على محساس ووضعاه في السجن بتهمة الترويج لفكرة بن بلة القاضية بفرض الخارج عن الداخل عكس ما جاء في وثيقة الصومام. إذن فالقاعدة الشرقية هي مجرد فكرة ثلاثية بين بن بلة ومحساس وبوقلاز، ولا وجود لها في سجلات الثورة. وكانت أوامر لجنة التنسيق والتنفيذ التي حملها معه أوعمران إلى تونس هي أن عبان رمضان يقضي بتصفية كل العناصر البنبلية المناوئة لوثيقة الصومام.
*
بقي محساس في السجن حوالي أسبوع وكانت الجماعة تنوي قتله، وعندما تأكدت من الأمر اتصلت على الفور بالمدير العام للأمن التونسي ادريس قيقة المتزوج بجزائرية من سكيكدة وقلت له: إن محساس في خطر. ولبّى إدريس طلبي وأنقذ محساس من القتل المحقق. وجاء إلى عنابة وقلت له أمام جمع من المجاهدين: إن القاعدة الشرقية خلقها بن بلة لضرب مؤتمر الصومام. بالإضافة الى ذلك فعلاقتي ظلت حسنة مع بوقلاز وهو يعرف انني تدخلت أمام بن طوبال وبوصوف وبومدين من أجل حضوره برتبة عقيد إلى مؤتمر القاهرة الخاص بالمجلس الوطني للثورة الجزائرية في 1957 ولا أحد في القاهرة كان يؤمن بالقاعدة الشرقية. وكنت في الواقع محتاجا إلى صوته لإلغاء الصبغة اللائكية على مؤتمر الصومام. وقد نجحت في ذلك بصوت عمار بوقلاز وذلك بحضور أكثر من 20 عضوا الذين كان أغلبهم متمسكا بالصيغة التي حررها الشيوعي عمار أوزقان. وربما لابأس أن أذكر للتاريخ فقط، أن الخدمة الثالثة التي قدمتها لعمارة بوقلاز وهي التدخل لتحويل مكان عقوبته من بغداد إلى دمشق، وهي العقوبات التي اتخذها (C.N.R.A) في القاهرة والقاضية بإبعادي إلى لبنان لمدة 3 أشهر وإبعاد بوقلاز إلى بغداد وإنزال رتبته وكذا محمد سعيدي بحجة التعسف في استعمال السلطة، وهي تهم باطلة لا أساس لها من الصحة. وعندما جلبت السلاح من طرابلس ووزعته على الولايات عام 1956 كان نصيب القاعدة الشرقية أكثر من 100 قطعة. ولهذا لا عجب أن يكرر الرجل مقولة (أنا مدين بحياتي لعمار بن عودة).
*
*
نبقى في (القاعدة الشرقية) التي نظمت يوم حداد احتجاجا على مقتل عبان رمضان بعد كشف الحقيقة وهي أن رفاقه استدرجوه إلى المغرب وقتلوه. فما حقيقة هذا الاحتجاج؟
*
*
هذا كلام غير دقيق. فالمرحوم عبان رمضان أولا كان من أشد المعارضين لقيام ما يسمى بالقاعدة الشرقية. ولهذا لم يذكر أحد حدوث هذا الاحتجاج. فالذين أعدموا عبان رمضان يقولون إن الرجل كان يجري اتصالات مع جهات خارجية وأحيانا حتى مع العدو دون إخبار لجنة التنسيق والتنفيذ. وكان يلقى التشجيع من التوانسة لمواصلة مثل هذه الاتصالات مقابل أن يكون هو رئيس الثورة الجزائرية. ولما اكتشف أمره شكلت لجنة التنسيق والتنفيذ محكمة عسكرية وحكمت عليه بالإعدام، ولم يعارض أحد من الجماعة إلا بن طوبال. والعقيد علي كافي كفانا شرح هذه الحادثة، بل ذهب إلى حد وصفه بالخائن والله أعلم؟
*
*
يقال إن الحرس التونسي حاصر ضباط الولاية الأولى والقاعدة الشرقية واعتقلهم، ويقال إن كريم بالقاسم تسرع في إنشاء لجنة العمليات العسكرية الشرقية والغربية (الكوم) وذلك لبداية تفكيك القاعدة الشرقية وتصفية مسؤوليها. فهل حقيقة أن كوم الشرق كانت بؤرة لخلافات عميقة بينكم؟
*
*
أولا نية إنشاء الكوم جاءت تحت ذريعة أن الثورة قد فشلت وحتى يحملون لجنة التنسيق والتنفيذ مسؤولية هذا الفشل. وتم دفعنا إلى الحدود فأسرعنا وفي وقت قياسي بتنظيم الجيش وإعادة توحيده بعد أن دبّ فيه الخلاف وبخاصة مابين الولايتين الأولى والثانية والقاعدة الشرقية. ونفذنا عمليات جريئة جدا ضد خط موريس في ليلة واحدة انطلاقا من البحر إلى قرب مدينة تبسة.
*
بعد يومين تم استدعاؤنا الى القاهرة وعوقبنا وانتهى الكوم وتأسست قيادة الأركان. الذين يقولون إن الخلاف دبّ بين محمد سعيدي (الولاية3) محمد العموري (1) عمار بن عودة (2) وعمار بوقلاز (القاعدة الشرقية) حول كوم الشرق غير صحيح على الإطلاق. وأعرف أن الشاذلي بن جديد، وعن حسن النية، هو الذي أثار هذه النقطة في لقاء الطارف.
*
ولماذا لم يتحدث عن كوم الغرب الذي كان يضم العقيد بومدين والعقيد الصادق. وأنا أعلن أمام قراء الشروق المحترمين أن ما يسمى بالكوم والحكومة المؤقتة وقيادة الأركان هي كلها هياكل غير شرعية ولم تصمد طويلا. وشخصيا لم أوافق على إنشاء الكوم لأننا ببساطة لا ننتمي الى اتجاه واحد. فالعموري من جمعية العلماء، وبن عودة وبوقلاز من الحركة الوطنية، ومحمد سعيدي من الجيش. وأعترف أن سعيدي قد ارتكب خطأ جسيما عندما قال إن الجيش قد جاع في وادي ملاق وبالتالي عليهم بالدخول. وأنا قلت لهم لا تدخلوا من الحدود لأنكم لن تجدوا ما تأكلون. أما بخصوص اعتقال الحرس التونسي لقادة الحدود فهذا صحيح ويطول فيه الحديث وذلك لأنهم كانوا يخططون للانقلاب على الحكومة المؤقتة وعلى رأس المتآمرين العموري الذي أعفي من الولاية الأولى بعد عقوبة القاهرة.
*
*
وصلنا إلى الحكومة المؤقتة برئاسة فرحات عباس، فلماذا عارضتها من جهة، وحذرت الآخرين من الدخول في مخطط رئيس المخابرات المصرية فتحي الذيب للإطاحة بها من جهة أخرى؟
*
*
الحكومة الموقتة للجمهورية الجزائرية تكونت يوم 17 أكتوبر 1958 برئاسة فرحات عباس بالقاهرة. وعمار بن عودة لم يعترف بها وكتبت ذلك لبوصوف وكريم وبن طوبال وذلك لسبب بسيط وواضح، هو وجود فرحات عباس الذي بحث عن الجزائر فلم يجدها حتى في القبور رئيسا لها. كما أن العملية تمت بطريقة ارتجالية دون استشارة أي أحد، وثالثا لم تتم مشاورة مسؤولي الولايات التاريخية بالأمر. ولم أفهم صراحة كيف تشكلت هذه الحكومة ولماذا أختير فرحات عباس لرئاسة أول حكومة جزائرية ثورية في التاريخ؟ ومادمت ملتزما دائما بالانضباط فلم اتخذ موقفا عمليا ضد هذه الحكومة وفوضت أمري إلى الله سبحانه وتعالى.
*
وفي المقابل ويوم 20 أكتوبر أي بعد 3 أيام فقط من تشكيل الحكومة جاءني عرعار محمد الهادي الذي كان في القاهرة ليقول لي إن فتحي الذيب يطلبني في مقر المخابرات المصرية لأمر هام وحساس وسري للغاية، فأشعرت بوصوف وكريم وبن طوبال بالأمر، فسمحوا لي بذلك. وكنت أعرفه من قبل بصفتي مسؤولا عن الأسلحة. فطلب مني الذيب العمل معا على تغيير الحكومة المؤقتة أو على الأقل رئيسها فرحات عباس وتعويضه بأحمد بن بلة وذلك امتثالا حسبه لرغبة الشعب الجزائري، وهمس لي قائلا: إني أعرف أنك تعارض هذه الحكومة. فلم أتركه يواصل بقية فصول المؤامرة وقلت له: هذه مسألة جزائرية داخلية ولا شأن لكم بها. وأبلغت ما جرى بيني وبينه للقيادة. اتصل عرعار بعد ذلك بعمارة بوقلاز في فندق فيكتوريا بالقاهرة وأقنعه بلقاء فتحي الذيب، ولما سمعت به (ماشي في اللعبة) أخذت عمارة معي إلى المطار ورحلته إلى بغداد لتنفيذ مدة العقوبة، ولو بقي في القاهرة لكان قد التحق بالحدود ووقع له ما وقع للعموري. أو السقوط في فخ الذيب.
*
ولهذا كان كل مرة يردد مقولة: (أنا مدين بحياتي لعمار بن عودة). أما عرعار فكان يقبض (كاش) من المصريين مقابل هذه المهمة القذرة. وللتذكير، فالعموري رفض عقوبة السفر إلى السعودية وظل مدة بالقاهرة يتصل بفتحي الذيب سرا وجهرا لتنفيذ الإطاحة بالحكومة مثلما يؤكد جمال قنان ومصطفى الأكحل. وسافر العموري الى طرابلس عوض السعودية وبها تعشى عند المجاهد الليبي سالم شلبك المحب للثورة الجزائرية. ومن هناك اتصل مع كولونيل بالولاية الأولى باللهجة الأمازيغية يطلب منه الاستعداد لتنفيذ الانقلاب. ومن حسن الحظ أن الليبي سالم شلبك يفهم الأمازيغية أو الشلحة، فنزل المدينة وحيدا وأخبر جماعة بوالصوف المكلفين بتأمين أمن الثورة في طرابلس. ومن جهتهم أشعروا بوصوف وكريم وبن طوبال بحادثة العموري، واتخذوا قرارا ثلاثيا يقضي بالاتصال بالتوانسة على أساس محاصرة الجيش لوقف الانقلاب على الحكومة الجزائرية المؤقتة بتوجيه من رئيس المخابرات المصرية فتحي الذيب. وبعد ذلك شكلت الحكومة محكمة عسكرية برئاسة العقيد هواري بومدين وكلف علي بومنجل بمهام النيابة العامة، وأصدرت أحكاما متفاوتة بين السجن والإعدام على أفراد الجماعة المخططة للانقلاب.
*
*
غادرت الجزائر بعد الاستقلال مباشرة، فما دوافع هذه السرعة، وكيف عدت إلى حين إحالتك على التقاعد؟
*
*
اعلم يا أخي أن عمار بن عودة هو الوحيد الذي صوّت علناً ضد ميثاق طرابلس الذي يكرس النهج الاشتراكي للحكم في الجزائر. وكان العقيد علي كافي يرأس الاجتماع، فطلبت منه الكلمة بعد الانتهاء من التصويت وفسرت للحضور سبب تصويتي المضاد. ولهذا قررت مباشرة بعد الاستقلال مغادرة الجزائر مادام مبدأ الحكم فيها يتعارض مع النصوص الأساسية الأولى للثورة. وطلبت من بومدين الذي كان وزيرا للدفاع تعييني ملحقا عسكريا بالقاهرة. وعندما سمع الرئيس بن بلة أسرع باقتراح المنصب على صالح صوت العرب، إلا أن بومدين كان أقوى ونفذ وعده. ومن القاهرة الى باريس الى تونس في نفس المنصب، ثم سفيرا في ليبيا. وعندما جاء الرئيس الشاذلي طلب مني الدخول الى الجزائر وقام بتعييني رئيسا للجنة التأديب بحزب جبهة التحرير الوطني وعضوا باللجنة المركزية ثم نائبا بالبرلمان عن ولاية عنابة، وأخيرا عميد مصفّ الاستحقاق الوطني إلى يومنا هذا دون أن يكون لهذا المنصب أي فاعلية تذكر منذ مجيء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
*
*
وبعد كل هذا التاريخ الطويل، ماذا يشعر العقيد والمجاهد عمار بن عودة؟
*
*
صراحة أحس بالظلم والحرقة بعد أن صدرت ضدي أحكام قضائية لا تعنيني بشكل مباشر. وفضلت عدم الاتصال بأحد. وأوكلت أمري الى الله سبحانه وتعالى.
*
*
محطات ذاتية:
*
*
تزوجت عام 1963 من الأولى وأنجبت لي 3 بنات: صيدلية وطبيبة وأستاذة جامعية.
*
بعد 6 سنوات تزوجت بالثانية وأنجبت لي 3 أولاد ذكور وبنتا واحدة.
*
أعيش حاليا وحدي مع الحاجة في بيت متواضع جدا بأعالي سرايدي، أقضي اليوم في متابعة أخبار الفضائيات والاستماع إلى القرآن الكريم.
*
بوتفليقة صديقي ولن يجد الجزائريون أحسن منه. ولهذا سأصوّت له في الرئاسيات القادمة أحسن من مشقة البحث عن آخر.
*
أشياء كثيرة لن أقولها الآن. وعندما أقرر الكشف عنها ستكون الشروق اليومي صاحبة السبق في ذلك.
*
أعاني من ضعف حاد في البصر ومقبل على إجراء عملية جراحية قريبا.
*
لابد من التفريق بين مناضلي فنادق تونس والقاهرة والمجاهدين في الجبل.
*
أطلب العفو من جميع المجاهدين والشهداء، فالثورة كانت عظيمة وبها مشاكل كثيرة.
*
أنا الذي كتبت بيان أول نوفمبر بعنابة على آلة كاتبة قدمها المجاهد عبد الكريم سويسي.
*
طلب مني ديدوش العودة إلى عنابة يوم 21 أكتوبر 1954 للإشراف على اندلاع الثورة. وكونت فوجا يضم عرعار بن موزاد سيمسون العزابي عمي موح عمي العربي وعبد الكريم سويسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.