الدول التي قبلت دعوة الدوحة للمشاركة في قمة غزة أدركت بأن العالم يحوي في مراتبه الأولى نوعين من البلدان.. دول قوية، لأنها تملك من الاقتصاد والسلاح ما يسمح لها بكسر عين القريب قبل البعيد، ودول قوية لأنها محترمة.. * محترمة بإنجازات الماضي، أو بمواقف الحاضر التي قد تدر عليها وبالا على الأمد القريب، لكن قيمة أسهمها على المدى البعيد سترتفع في بورصة السياسة الدولية. * وفق هذه القاعدة الذهبية، تحولت الجزائر مثلا في وقت قياسي من شعب يجاهد لاسترجاع أرضه إلى دولة يحسب لما تقول وما تفعل ألف حساب، إنه الرصيد الثوري الذي يرفع صاحبه درجات، وكذلك الأمر بالنسبة إلى دولة قطر التي عوضت صغر حجمها الجغرافي بكبر مواقفها المنحازة لهموم الأمة ونبض الشعوب. * غضت قطر بصرها عن حسابات الآن والجغرافيا الضيقة فوقفت موقف الشرفاء من العدوان الإسرائيلي على لبنان في 2006، ولم تكتف بالمساهمة في درء المحرقة، لكنها استنفرت كل دبلوماسيتها لرأب الصدع بين فرقاء هذا البلد العربي الجميل فجنبته ويلات حرب أهلية أخرى لا تبقي ولا تذر. * وغضت قطر مرة أخرى بصرها عن نفس النوع من الحسابات فألقت بكل ثقلها في صف الداعمين لحق الغزاويين في الدفاع عن كرامتهم ومقاومة جلادهم، فدعت إلى قمة عربية، وواجهت "كبار" الأمس الذين فعلوا المستحيل لإفشالها، واحتضنت قمة كسرت فيها الكثير من الشواهد، كنا نعتقد إلى وقت قريب جدا بأنها من الثوابت الرواسي التي لا تحركها أعتى العواصف وأقوى الزلازل. * أثبتت قطر في قمة غزة بأن العرب يمكن أن يجتمعوا دون اكتمال النصاب، وبأن طهران هي حليفهم الاستراتيجي وليست عدوهم الاستراتيجي، وبأن قضايا الأمة الكبرى يمكن أن تجمع حولها سنة الجزائر وليبيا بشيعة إيران وصوفية السنغال ومسيحية فنزويلا. كما كسر أميرها أسطورة كاذبة مفادها أن العمالقة لا يلدون أقزاما، وبأن الأقزام لا يلدون عمالقة. * قطر، و بالرغم من بعبع أمريكا الجاثم على صدرها في السيلية، والتواجد التجاري الإسرائيلي الذي شوش طويلا على سمعتها ومصداقيتها، إلا أنها أثبتت في قمة غزة بأن العرب ليسوا معتدلين وممانعين، ولكن محترمين وغير محترمين، فطوبى للمحترمين.