واصل القادة العرب تحركاتهم المتفرقة في عقد قمم عربية، ففي الوقت الذي واصلت فيه قطر استعداداتها لاستضافة القمة العربية الطارئة، بمن حضر من القيادات العربية، استعدت الكويت لعقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب لمناقشة الوضع في غزة، على هامش القمة الاقتصادية التي تنطلق أعمالها الأسبوع المقبل، فيما اختتمت الرياض قمتها الخليجية الطارئة أول أمس الخميس. ورغم تأكيد الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، عدم اكتمال النصاب القانوني اللازم لعقد قمة الدوحة، إلا أن الدوحة واصلت تحركاتها واستقبلت عدد من الزعماء العرب الذين أبدوا موافقتهم على المشاركة فيها.ومن أبرز الرؤساء العرب الذين وصلوا الدوحة الرئيسان السوري بشار الأسد والجزائري عبدالعزيز بوتفليقة والسوداني عمر البشير للمشاركة، كما حضر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ووفد تركي ودولة السنغال كممثل عن منظمة المؤتمر الإسلامي. وأعلنت السلطة الفلسطينية ان الرئيس محمود عباس اعتذر عن حضور القمة الطارئة التي ستنعقد في الدوحة، من دون توضيح الأسباب، في الوقت الذي أعلنت فيه حركة المقاومة الإسلامية حماس وصول كل من خالد مشعل ورمضان شلح وأحمد جبريل وممثلين عن 8 فصائل فلسطينية أخرى للمشاركة في قمة الدوحة، ويأتي هذا في وقت اختتمت فيه القمة الخليجية الطارئة التي دعت إليها السعودية أعمالها بالرياض بالتأكيد على أن قادة دول مجلس التعاون الخليجي اتفقوا على مناقشة قضية العدوان الإسرائيلي على غزة في القمة العربية الاقتصادية المقرر عقدها في الكويت الاثنين المقبل. قمة الدوحة في مثل هذه الظروف ..انجاز كبير في انتظار القرارات عقد القمة العربية الطارئة في الدوحة، ووسط هذه الظروف، ورغم الضغوط الهائلة من قبل الأطراف العربية المعارضة لها، هو انجاز كبير، وقمة التحدي، وتحرير للقرار العربي من هيمنة من يرهنون أنفسهم ودولهم للمشاريع الأمريكية - الإسرائيلية في المنطقة، ولن يكتمل هذا الانجاز إلا بقرارات عملية حقيقية تنزل برداً وسلاماً على أهل غزة، وكل الشعوب العربية التي انتصرت لهم في هبتها الاحتجاجية الرائعة، فإذا لم توقف هذه القرارات والخطوات المنتظرة العدوان، فإنها ستزيد من صلابة المقاومة، وستعزز قدرتها على الصمود، والاستبسال في ميادين المواجهة.، وفي هذا السياق يقول المحلل السياسي المعروف عبد الباري عطوان رئيس تحرير صحيفة القدس العربي ، من حق أطفال قطاع غزة الذين تحرق طفولتهم البريئة، وأجسادهم الطرية، القنابل الفسفورية الإسرائيلية أن يعرفوا من هو معهم ومن هو مع العدو، الذي يقذف بحممه من كل الأحجام والأوزان ضدهم ويأسرهم في مركز الاعتقال الذي اسمه غزة، الذي هو أسوأ وأكثر بشاعة من نظيراته النازية، لان الأخيرة لم تكن تتعرض للقصف المكثف والوحشي بالصورة التي نراها حاليا في القطاع الضحية، فهذا الخذلان الرسمي العربي هو الذي يشجع إسرائيل على تصعيد عدوانها، وتكثيف قصفها، مثلما يشجع حلفاءها في الغرب على دعمها، وتوفير الحماية لها في المحافل الدولية. فطالما ان العرب، وكبارهم بالذات، لا يتحركون، ويديرون وجوههم إلى الناحية الأخرى، ويفتحون إعلامهم لمن يؤيد الجلاد ويلوم الضحية بل يثيرون فضيحة على أعلى مستوى من القمة، فما معنى الفضيحة في العرف السياسي؟ مفهوم الفضيحة بين العرف الاجتماعي والعرف السياسي الفضيحة في العرف الاجتماعي هي كشف المستور أو ما ينبغي أن يبقى مستورا، سواء كان ذلك من منطلق الحياء أن يرى الغير ما لا ينبغي أن يُرى، أو كان من منطلق الاقتناع العام بأن الخلافات ''العائلية'' من الخصوصيات، ولهذا فهي تهبط إلى مستوى الفضيحة، عندما تتحوّل إلى العلن فتلوكها الألسنة ويتندّر حولها الشامتون. أما الفضيحة في الأعراف السياسية فلا تعني كشف المستور بالضرورة، فكثير مما يُعاب على السياسيين معروف، إنما يهبط صنيعهم إلى مستوى الفضيحة، عندما يسقط الغشاء الدبلوماسي الرقيق عنه، والغشاء لا يواري وجود محاولات لمعالجة الخلافات، ولكن عندما يبقى بعضها قائما، تُستخدم صياغات ملتوية في التعبير عنه، وربما استخدمت صياغات قوية عند الحرص على تأكيد المواقف الذاتية المتعلقة بها، ولكن مع تجنب التجريح والشتائم والاتهامات، فذاك متروك للساسة غير المهذبين في حالة العداوة والخصومات، أما الأصدقاء من ساسة الدول، ناهيك عن الأشقاء كالأشقاء من حكام الدول العربية والإسلامية، فالمفروض أن تقوم علاقاتهم السياسية المهذبة، على: - توافق في المنطلقات الكبرى والرؤى السياسية الحاسمة - مع قابلية وجود اختلافات تتوارى وراء البسمات الدبلوماسية، والحرص على علاجها وراء أبواب مغلقة ذاك هو المفروض عموما.. أو هو المفروض في دول تتجنب الفضائح السياسية على الأقل، وإن كانت سياساتها مرفوضة ومعروفة. مقاطعة قمة الدوحة.. فضيحة سياسية مختلطة بدماء الأبرياء ان حكاية قمة الدوحة الطارئة العربية، تجاوزت كل الخطوط الصفراء والحمراء، وجمعت من ألوان الفضائح السياسية الكبرى على مستوى القمم، ما لا يعرفه تاريخ العلاقات الدولية بأجمعه، لا سيما: أنّ صور التعراك العربي السياسي تُنشر متزامنة ومتجاورة مع صور ضحايا ملحمة غزة المأساوية، وأنّ أصواتهم ومواقفهم على مسمع العرب والمسلمين وعامة البشر تترافق وتختلط مع الأنين والاستغاثات وأزيز القذائف والحمم.. وأنّ أخبار الدعوات، ورفضها، والموافقات، وسحبها، وتعليلات الغياب، وسخافاتها، أصبحت تزكم الأنوف مع رائحة الموت المنبعثة من أشلاء الجثث التي يُمنع انتشالها ساعات عديدة وأياما ومتوالية من الشوارع ومن بين أنقاض الأبنية المهدمة على رؤوس ساكنيها، ومع دخان قنابل الفوسفور الأبيض في السماء ورماد البيوت السكنية الأسود على الأرض، ومع حطام الأجساد الدامية تنتظر سيارات إسعاف تستهدفها القذائف كسواها.. في شوارع قطاع غزة وساحات مدنه وقراه و''معابره''. ليست هذه الفضيحة السياسية بمقاطعة دول الاعتدال ومن والاها لقمة الدوحة .. مجرد فضيحة كسابقاتها، بل هي فضيحة بشعة نتنة، مختلطة بالدماء البريئة والمشاهد المرعبة والصمود البطولي في قطاع غزة معا، فإن لم تؤدّ الأحداث التاريخية الجارية في ملحمة المقاومة العنيدة والمصابرة الشعبية الأسطورية في وجه العدوان الوحشي، إلى تقويض ما بقي من نظام رسمي عربي، فسوف تخنقه آجلا وعاجلا رائحة الفضيحة المنبعثة مما يصنعه بيديه ويلفظه بلسانه.. أو ألسنته، وفي هذا السياق قال الخبير السياسي نبيل شبيب، لقد كان للفضيحة السياسية مقدماتها على امتداد فترة طويلة من الزمن، ولكن السبب المباشر والأهم في اللحظة الآنية من مجرى تاريخ قضية فلسطين المحورية المصيرية، هو أن كثيرا من المسؤولين على مستوى القمة وما دونها في الدول العربية قد سقطوا في ''الفخ الإسرائيلي'' أو ''الفخ الصهيوأمريكي''، إلا أنه من نوع آخر غير الذي رآه أحدهم ذريعة، وقال .. ليس الردّ الواجب على ذلك هو الولوج في مقامرة على حسب قطاع غزة وأهله، والإصرار على بقاء مفتاح السجن بيد السجان المتوحش!.. وأضاف ليس الرد على ذلك بالوقوع في الفخ الأكبر، أن الحرب ضد غزة كانت من بدايتها موجهة إلى المقاومة الفلسطينية المسلحة المشروعة المحتضنة شعبيا، وإلى الشعب الذي يحتضنها، كما أنها موجهة أيضا إلى بقايا الجسد العربي الممزق بأيدي أنظمته، للقضاء على بقية أمل في إحياء ''السياسة'' فيه من جديد، على افتراض أن تصنع مستقبلا ما لم تصنعه في الماضي ولا تصنعه في الحاضر لقضية فلسطين، ومن خلالها لكافة العرب والمسلمين. الملحمة البطولية على مستوى المقاومة مستمرة لحسن الحظ الفضيحة السياسية الكبرى التي كشفت عنها قمة الدوحة العربية من خلال مقاطعتها من قبل عدد من الدول خاصة التي توصف بالمحورية، ليست على مستوى الشعوب، ولا على مستوى مقاومة تأبى الخنوع والخضوع، فهناك من يحسب الإنجاز العسكري أو الفشل بالخسائر التي يوقعها طرف بآخر،و المعارك حقيقة لا تقاس بالخسائر وإنما بالنتائج. كل شعوب الأرض التي وقعت تحت الاستعمار أو الاحتلال وقعت بها خسائر كبيرة تفوق الخسائر التي تكبدتها قوة الاحتلال بمرات، لكن الشعوب انتصرت في النهاية وخير مثال ما حدث في الثورة الجزائرية.. الآن إسرائيل تقصف وتقتل المدنيين وتهدم البيوت، لكن هذا لا يعني أنها تحقق انتصارا. انتصارها في هذه الحرب يعني القضاء على المقاومة، وإسقاط حماس وتغيير الوضع السياسي القائم في غزة، ولكن الى حد الآن لم تتحقق أي من هذه الأهداف ، من تابع أخبار الحرب التي شنها الصهاينة على قطاع غزه ، يخلص بنتيجة هي أقرب للصدق منها إلى الخطأ، مؤداها أن احتمال كسب إسرائيل لهذه الحرب ضئيل جداً، ما لم تقم بعمل حربي نوعي وغير تقليدي من شأنه أن يغير اتجاهها لصالح الكيان العبري. فقد فشلت في منع المقاومة الفلسطينية من مواصلة إطلاق الصواريخ على المستوطنات والبلدات الحدودية مع القطاع، رغم استخدامها لكل ما في ترسانتها الحربية من أسلحة متقدمة في الجو والبحر. فما وقع هو على النقيض من ذلك تماماً، حيث وسَّعت المقاومة - وبشكل لم يتوقعه العسكريون الإسرائيليون - المجال الجغرافي الذي تطاله صواريخها حتى غطت- خلال الأسبوع الأول- دائرة نصف قطرها 40 كيلومترا، وهي المسافة ما بين غزه ومدينة بئر السبع المحتلة وسط النقب، حيث قصفتها بصواريخ غراد المطورة. كذلك لا بد أن الهجوم البري الذي بدأته إسرائيل بعد أسبوع من القصف الجوي والبحري- الذي يخضع بالضرورة لاحتمالات النجاح أو الفشل- قد سبب إرباكاً شديداً لكل من أولمرت و باراك و ''ليفني'' بسبب الانتخابات القادمة، حيث تطغى على قادة إسرائيل حسابات الربح والخسارة في أي قرار يقدمون على اتخاذه. وفي حالة الحرب الحالية على قطاع غزه، تأكد للقيادتين السياسية والعسكرية في إسرائيل، أن الهجوم الذي شنته إسرائيل على غزه قد فشل في القضاء على فصائل المقاومة، وبخاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي رغم تدمير الطيران الحربي الإسرائيلي للمنشآت التابعة للشرطة والحكومة في القطاع، كما يبدو أن هذا القصف قد استنفذ أغراضه، وفشل في تحقيق معظم المهام الرئيسة التي أوكلت إليه، وبخاصة تحطيم إرادة الصمود لدى تلك الفصائل، وإقناع شعب غزه بعدم جدوى الالتفاف حول رجال المقاومة ودعمهم أولاً، ثم وقف إطلاق الصواريخ على المستوطنات اليهودية الحدودية، والبلدات والمدن الإسرائيلية التي تقع شمال قطاع غزه ثانياً.