حاولت اليوم كتابة المقال الأسبوعي بصفتي النضالية وليست الأكاديمية، من خلال بداية توجيه الشكر لكل من ساهم من بعيد أو قريب... في الخفاء أو العلن... في السراء أو الضراء... على إيصال هذه الحملة إلى مسارها النهائي وهو الإفراج عن الزميل الصحافي سامي الحاج، بدون أن ننسى العديد من المؤسسات غير الحكومية التي ساهمت في نشر مآسي المعتقلين في غوانتنامو. وقد يكون سامي الحاج الشجرة التي تخفي الغابة. فأثناء احتضانه لابنه قد بدت عليه واضحة تجاعيد السجن وكأنه جد يحتضن حفيده في غمرة الفرح والفراق... كما أن ذلك لا يجب أن ينسينا باقي السجناء، وقد يصل عددهم إلى ما يزيد عن (275) معتقل. فهؤلاء قد يموتون في صمت وفي خفاء... في أحد أشهر معتقلات »العار« التي عرفتها البشرية في القرن الواحد والعشرين رغم ما وصلت إلية من قمة في التحضر والتمدن...لذلك مقالي اليوم قد أخصصه لمعتقل غوانتنامو باعتباره معتقلا بامتياز منافيا للقيم الإنسانية وحقوق الإنسان؛ فالوهن والعقم أصاب العديد من موادنا الدستورية بشلل وإبطال؛ فأين سيادة الدولة للحفاظ على مواطنيها وحرماتهم الجسدية في الداخل والخارج..؟! فالمواطنة تقتضى منا جميعا، بدون تمييز، بسبب اللون أو العرق أو الرأي، التحرك جاهدين لاسترجاع معتقلينا من هذا المعتقل الذي يذكرنا بمعتقلات النازية. وإن كان المبرر في اعتقال هؤلاء بحكم ما يعرف بمكافحة الإرهاب، نقول إن كان الإرهاب ظاهرة فإنه من الناحية العلمية والقانونية لا يجوز شنّ الحرب ضد ظاهرة ولكن تشن الحرب ضد طرف صراع مسلح يمكن تحديده حصراً.لهذه الأسباب، فإنه من المناسب التحدث عن القتال ضد الإرهاب بدلا من الحرب على الإرهاب، وإن الأمر العام الذي يجب معرفته هو أنه لا يجب أسر شخص أو اعتقاله ضد الإرهاب خارج القانون. وسامي الحاج نموذج بامتياز حول الأضرار المادية والمعنوية التي أصابته جراء اعتقاله خارج القانون. ... وفى الأخير يطلق سراحه وكأن شيئا لم يكن بعد أزيد من ست سنوات... وذلك دليل آخر على بطلان عمل اللجان العسكرية التي تم تأسيسها لمحاكمة بعض المحتجزين ليس على قرائن قانونية، بقدر ما كانت على قرائن سياسية بحتة وذلك ضربا على الحائط بمختلف أبجديات القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان من افتراض البراءة، وحق المثول أمام محكمة نزيهة ومستقلة، والحق بالاستعانة بمحامي. واستبعاد أية أدلة تم انتزاعها نتيجة التعذيب. والمعاملة القاسية واللاّإنسانية أو المهينة أو غير الكريمة. فاللجان العسكرية هي مساس بالقيم والمبادئ التي تسعى المجتمعات الديمقراطية الحفاظ عنها، فمعتقل »العار« إذن قد أفرز سلوكيات منافية للمبادئ والقيم الإنسانية وإنني قد أفضل تسمية »غوانتنامو« بمعتقل وليس سجنا أو حبسا، للاعتبار سابق الذكر، ولكن كذلك بحكم أن جميع الأفراد المعتقلين تم اعتقالهم خارج القانون أو تعسفيا، وذلك تدنيسا من طرف الإدارة الأمريكية الحالية، وليس الشعب الأمريكى الصديق، لمختلف القيم الأنجلوسكسونية في مجال حقوق الإنسان، من الميثاق الأعظم (magna carta) والتعديل الخامس للدستور الأمريكي. والاعتقال التعسفي هو أن يحتجز شخص دون توجيه له تهمة، أو يعرف لماذا تم اعتقاله، ومتى تتم محاكمته، وقد كان الصحافي سامي الحاج يعتبر بامتياز أقدم صحافي تحت الاحتجاز التعسفي.ولذلك نقول، إن كان »سامي الحاج« محظوظا، ينتمي لشبكة إعلامية عالمية معروفة قد روّجت له وضغطت حتى تم الإفراج عنه... فإن العديد منهم مازال يناديننا ويحدث ضمائرنا أن لا ننساهم بأصوات كلها تنادي (...وا معتصماه)، لذلك لا يجب أن يغلق الملف بل يبقى حيّا حتى يتم إغلاق معتقل »العار« ولا تطوى الصفحة، بل يجب أن تدرس للأجيال المستقبلية على أنه معتقل بامتياز كان يتنافى مع مختلف الأعراف والقيم والمبادئ الإنسانية وضرورة المطالبة بالتعويض وأن كان الطرف الآخر قد يعتبره إجراء أمنيا وضرورة عسكرية وليست عقوبة... فإنني أذكرهم بالحكم الصادر من (باديلا ضد رامسفيلد) بتاريخ 18 / 12 / 2003 تقول هيئة المحكمة إن الاعتقال التنفيذي للمواطنين مثل اعتقال الجنود الأعداء لإبقائهم بعيدا عن المعركة يمكن تبريره أحيانا لمنع الأشخاص من إطلاق صواريخ تحدث دماراً أو يكونون هم صواريخ، ومع ذلك لا يكون مبررا في استخدام الإجراءات القانونية للحصول على المعلومات وإن الاعتقال لمدة أشهر يعتبر من هذا القبيل، سواء كانت المعلومات التي تمكن الحصول عليها يمكن أو لا يمكن الاعتماد عليها أكثر من تلك التي تم الحصول عليها نتيجة التعذيب فإنها عديمة الأثر.. إذن، إن كانت هذه الأمة الأمريكية صادقة مع المثُل التي ترمز إليها فيجب أن الالتجاء لأدوات المخربين لمقاومة أي اعتداء من جانب قوى التخريب. فالمعادلة واضحة، فالدولة التي تدعي احترامها للشرعية الدولية والمبادئ الإنسانية وقيم وجودها، يجب أن لا تلجأ إلى أساليب إرهاب الدولة، وما عملته الإدارة الأمريكية قد يمكن تصنيفه ضمن هذه الخانة... وفي الأخير، كناصح أمين، أقول للإدارة الأمريكية إن أرادت تحسين صورتها فلا يجب إنفاق الأموال وخلق الوظائف بهذا الشأن... وترويج للحملات الإعلامية بقدر ما يجب غلق معتقل العار، لأنه أساء للموروث الحضاري للولايات المتحدةالأمريكية؛ كما أنه كان عاملا حاسما لغرس الكراهية والحقد بين الشعوب. وأثناء محاورتي لأحد المعتقلين العائدين من غوانتنامو، قال لي صراحة، إنه ردّ على سجّانيه أثناء استجوابه قبل إطلاق سراحة، لما قالوا له بأنك ممنوع من دخول الولاياتالمتحدةالأمريكية، إلى الأبد: كيف لي أن أفكر في الدخول وقد عرفت أكذوبة حقوق الإنسان وخدش لآدمية الفرد من طرفكم، فهذا التصرف يمكن تفسيره بجملة، أن معتقل غوانتنامو ساهم في إسقاط العديد من »الأقنعة الحضارية«. ومن المفارقات القانونية كذلك، فإن المعتقل قد أسس لبعض المصطلحات الكيدية الشمولية للالتفاف حول الشرعية الدولية من ذلك »المقاتل العدو«، علما إنه ما لا يقل عن 93٪ من المحتجزين تم تصنيفهم كمقاتلين أعداء... هروبا من الولاياتالمتحدة من التزامتها الدولية بخصوص حقوق الإنسان والقانون الدولي الانسانى؛ فهو مصير حسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر لكل فرد في غوانتنامو، وهو نظام للاحتجاز اللامنتاهي، وقد تم خارج القانون، فكلهم لايزالون يجهلون مصيرهم تماما ويفتقرون إلى أية إمكانية للجوء إلى آلية قانونية، فمنطق قانون القوة ومنطق عدالة الدولة القوية كان بامتياز حاضرا تجنبا لتطبيق اتفاقية جنيف الخاصة بالأسرى. إذن، أمام فقدان الرؤية، وغياب الفهم، وضياع الهدف بالنسبة لمعتقلي غوانتنامو، فإننا نناشد كل أحد يكرر دائماً مقولة عمر بن الخطاب؟: »متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا« أو »كل الناس يولدون أحرار«، أن نكثف الجهود من إجل إغلاق هذا المعتقل سيّء السمعة... معتقل العار والشاهد على نفي القيم الإنسانية وآدمية الأفراد... نتمنى أن هذه الدعوة قد تلقى استجابة ولو من خلال تعليقاتكم وذلك أضعف الإيمان.