الفنان زروق السكيكدي يروي لنا الفنان زروق السكيكدي في هذا اللقاء الذي جمعه ب "الشروق" بعض التفاصيل المثيرة من حياته الفنية الطويلة، التي لم يبق منها اليوم بعد ان بلغ الرجل من العمر عتيّا. * * * سوى حفنة من الذكريات الجميلة التي لا تزال راسخة في مخيلته، بداية من نضاله في صفوف جيش التحرير الوطني بقلب فنان ويد محارب مغوار إلى لقائه بالرئيس الأسبق احمد بن بلة واستقباله له بلباس النوم.. * * من هنا بدأت حكايتي مع الفن.. * بمدينة روسيكادا العتيقة ولد زروق السكيكدي بتاريخ ال 24 فيفري من سنة 1941 أين ترعرع محبا لجمال الساحل الخلاب وعاشقا لموسيقى الشرق، حدثنا العم زروق ان عشقه للغناء تأصل حين بلغ ال 13 من عمره، وقتها بدأت أسماعه تذهب إلى تذوق العذب من أغاني الفنان الراحل عبد الحليم حافظ، والتي كان يحفظها ويغنيها لأقرانه ممن شجعوا موهبته الفنية، وظل ينشد في صمت إلى ان اندلعت الثورة التحريرية، ليرفع صوت نداء النضال عاليا من اجل نيل الحرية وقهر المستعمر. * * عندما يعانق الفن البندقية ويكسبان التحدي.. * تجنّد زروق السكيكدي في صفوف جيش التحرير الوطني كغيره من الشباب الجزائري الذين لبوا نداء الوطن آنذاك، والتحق بالولاية الثانية "بجبل لغدير"، لكنه ظل محبا للغناء، حيث روى لنا انه كان يدندن بين الجبال في خلوته من حين إلى آخر، حتى لقبه قائد فرقته المرحوم رابح قرقور ب "المجاهد الفنان"، بعد ان لاحظ ولعه بالغناء، وقص علينا العم زروق ان الفن لم يكن حائلا بينه وبين الجهاد بالبندقية وخوض المعارك الحامية، سيما المعركة التي خاضها ذات يوم من تاريخ الجزائر المستعمرة، بين مدينتي عزّابة والركيبة ودامت يوما كاملا، وهي المعركة التي أصيب فيها المجاهد الفنان بإصابات بليغة على مستوى الكتف واليدين، حتى ان آثار الحروق والجروح لا تزال محفورة في جسده. * * بن بلة وجواز السفر نحو تحقيق الحلم.. * استقلت الجزائر المستعمرة ورفعت الراية الوطنية عاليا، وانطلق الفتى زروق معبرا عن سعادته بالنصر الكبير بين أحضان الشوارع التي كانت ترقص فرحا على إيقاع أهازيج وهتافات الجزائريين، لكن فرحة المجاهد الفنان كانت فرحتين بعد ان أحس ان وقت تحقيق الحلم قد آن، وبحماس شبابي عال قرر زروق لقاء الرئيس الجزائري الأسبق احمد بن بلة سنة 1962 وهو التاريخ الذي تزامن أيضا مع رحيل الفنان من سكيكدة ليقيم بالعاصمة، واستيقظ محدثنا ذات صباح من سنة 63 بأمل لقاء بن بلة بعد ان علم انه مقيم ب "فيلا جولي" بالعاصمة، حيث يقول "اتصلت بكاتبة للرئيس تدعى مريم وكانت جد متعاونة معي، أخبرتها اني ارغب في مقابلة الرئيس احمد بن بلة، ويبدو ان الرئيس لم يمانع في ذلك ووجدتني في الصباح الباكر من اليوم الموالي اتجه نحو مقر إقامة الرئيس، أين فوجئت به أمام مدخل الفيلا، ثم خاطبني وهو مرتد لملابس النوم: هل ترغب في مقابلتي؟، فقلت نعم.. ثم استأذن مني لتغيير ملابسه، بعدها استفسر مني سبب رغبتي الملحة في ملاقاته، فقلت بأني مجاهد لا يزال يحمل آثار الحرب على جسده، وفنان بالمقابل يرغب في العمل بالإذاعة، فما كان من الرئيس الأسبق إلا ان طلب كاتبه وأمره بأن يحول له عبر الهاتف المسؤول الأسبق للإذاعة الوطنية الراحل عيسى مسعودي، وطلب منه ان يستقبل أخا مجاهدا وفنانا بمقر الاذاعة بالمرادية، وهو ما تحقق فعلا بعد ان وجدت الراحل مسعودي في انتظاري أمام مدخل الاذاعة، واقترح علي ان ادخل الجوق الوطني للإذاعة بقيادة الراحل هارون الرشيد، أين كنا نقيم حفلات في المناسبات الرسمية. * * عبد الحليم حافظ أثنى على صوتي حين أديت أغانيه * شيئا فشيئا بدأ الفنان المجاهد يستجمع كيانه الفني ليحلق بعيدا عن سرب الجماعة نحو إنشاد الأغاني الفردية وغنى بين مختلف دول العالم "من مرسيليا إلى روسيا" بعد ان قضى قرابة ال 25 سنة في جوق الاذاعة، وبعد ان لقي دعما كبيرا من الشخصيات الهامة التي كانت تنشط آنذاك بمقر المرادية على غرار مصطفى سحنون، شريف قرطبي، عبد الوهاب سليم، معطي بشير، محمد عجايمي وغيرهم.. بدأ زروق يغني لأفراح الجزائريين ومناسباتهم السارة، واستطاع ان يغني في حفلات جمعت فنانين كبار على غرار أميرة الطرب العربي وردة الجزائرية والراحلة فايزة احمد وفريدة كامل... كما اطلعنا العم زروق انه التقى بالعندليب عبد الحليم حافظ في إحدى حفلاته وغنى له بعض أغانيه مثل "توبة" و"على قد الشوق" وهو ما جعل عبد الحليم -مثلما اخبرنا محدثنا- يبتسم ويثني على صوته ويخبره انه سعيد بأن يردد فنان جزائري أغانيه.